نقاط على الحروف

منتدى الطائف مع السعودية وضد الطائف؟

ناصر قنديل
– يطرح اللقاء الاحتفالي المنعقد بدعوة من السفير السعودي في لبنان وليد البخاري، تحت عنوان منتدى اتفاق الطائف، سؤالاً جوهرياً حول درجة العلاقة بين اللقاء واتفاق الطائف. فهل هناك خطر على الاتفاق جاء اللقاء لمواجهته بتظهير نسبة من التأييد تضمن رد الخطر، أم أن اللقاء جاء في سياق مختلف، خصوصاً أن الحديث عن اتفاق الطائف يحمل من جهة إشارة الى اعتماد الديمقراطية التوافقية بدلاً من الديمقراطية العددية، ومن جهة مقابلة إشارة الى شراكة سورية سعودية بمؤازرة أميركية لإنتاج مرجعية إقليمية للسلم الأهلي في لبنان، وهما جوهر اتفاق الطائف، والباقي تفاصيل.
– عندما ينعقد اللقاء بغياب الرئيس سعد الحريري وتياره السياسي، وبغياب حزب الله، بسبب مقاطعة السعودية لهما وليس مقاطعتهم لها أو للقاء، فهذا يعني ان الحضور التمثيلي في اللقاء للطائفتين الشيعية والسنية أقرب لرفع العتب، لأن الثابت هو أن الثنائي المكوّن من حركة أمل وحزب الله متمسك بأن يقارب كل القضايا بشراكة ثابتة، وحيث يغيب أحد ركني الثنائي، لا ينفرد عنه الثاني بالخيارات ولو كان حاضراً، كما أن الثابت بعد الانتخابات النيابية ان محاولة تجاوز الحضور السياسي والشعبي للرئيس الحريري قد باءت بالفشل، وإذا أكملنا تعداد الحضور سنجد تعابير كثيرة عن مشاركة رفع العتب، أو بالأحرى الحضور لتلبية دعوة سعودية لا تعبيراً عن اعتبار الموضوع يتصل باتفاق الطائف، لكن الحصيلة الثابتة هي أنه عندما يكون اللقاء قائماً على إقصاء واستبعاد مكون سياسي رئيسي من مكون طائفي رئيسي، فإن الطائف يكون قد تلقى إصابة في الصميم، ولا يكون للقاء صلة بالطائف.
– هذا في جوهر الطائف الداخلي، القائم على السعي للتوافق، الذي وجّه له اللقاء ضربة مميتة، أما في البعد الإقليمي للطائف، فالثلاثية السعودية السورية الأميركية مصابة بألف سهم وسهم، حيث لا تعاون سوري سعودي، واسئلة كبرى حول حقيقة العلاقة السعودية الأميركية، وقطيعة ومواجهة أميركية سورية، وغياب سوري مقصود بقرار عن تفاصيل الملف اللبناني. فالمنتدى هنا لا يعيد تعويم اتفاق الطائف، بمرجعيته الأصلية، فهل أرادت السعودية بالوكالة المعنوية التي تقدمها مدينة الطائف التي استضافت الاتفاق، وبغياب شريكيها في الطائف، لتستنفر حماية له من خطر وشيك؟
– لا يوجد ما يقول إن هناك طرحاً جدياً في التداول يهدد اتفاق الطائف بالخطر، رغم التذرع بعشاء السفارة السويسرية، الذي جرى تضخيمه كذريعة لتبرير اللقاء، بل هناك إجماع خارجي وداخلي على أن أي تطوير وتعديل للطائف في تفاصيله الدستورية يجب أن يحترم مندرجات التوافق التي تشكل جوهر الاتفاق، وأن تسلك الطريق الذي رسمه الطائف. وبالتوازي فإن كل ما يحكى عن تعديلات دستورية من البعض يبقى تحت سقف الطائف من جهة، سواء قبل أو تمّ رفضه، وهي مواقف لا ترقى الى الحراك السياسي الجدي، خصوصاً أن تحولها إلى خطوات سياسية يتوقف على مسار التوافق الذي رسمه الطائف ولا تستطيع تخطيه، ومعلوم من جهة أخرى، أنها لا تملك نصاباً كافياً للتحول الى وقائع، كما المعلوم أن الاستحقاق الرئاسي يحجبها عن الأولويات، ما يجعل التذرّع بها أقل شأناً من التذرع بالعشاء السويسري، فهل يستطيع السفير السعودي أن يقول إن اللقاء جاء رداً على مساعٍ سويسرية لإسقاط الاتفاق، أو أنه جاء رداً على سعي العهد الرئاسي الذي انتهى قبل أيام للانقلاب على الطائف، وهو لم يفعل شيئاً يغضب السعودية أو يعبر عن توظيف موازين القوى التي وفرتها له الرئاسة لفرض بحث تعديل الطائف، خلال ست سنوات، بل كان الحرص على عدم إظهار ما يفهم خرقاً للطائف او ازعاجاً للسعودية، وصولاً لإقالة الوزراء كرمى لعيونها وتخصيصها بأول زياراته، فهل تخشاه السعودية وقد انتهى عهده، وهل يملك أن يفعل ما لم يفعله خلال عهده، فما هي الغاية الحقيقية للقاء إذن؟
– يقاتل السفير البخاري طواحين هواء، ويقرر أن ينقلب على جوهر الطائف ودور مرجعياته الجامع، فلا بد أن هناك غاية لاتخاذ الذرائع وجعل الطائف عنواناً، والجواب هو أن البخاري يقدم أوراق اعتماد لحكومته أنه ينجح في إثبات نهاية الحريرية، وأنه لم يفشل بعد في قيادة المسار نحو الاستحقاق الرئاسي، رغم إدراكه أن ما يفعله مجرد خداع بصري، فشبح الحريري ظاهر في كل مقاعد نواب الطائفة السنية، وبالتوازي خداع بصري آخر هو القول عبر السعودية للأميركي إن اثنين من الرعاة الثلاثة للطائف يكفيان لتغطية غياب الثالث، وهو خداع بصري آخر فسورية حاضرة في اللقاء جهراً وليس ستراً بحلفاء يصعب فكهم عنها، ومن جهة ثالثة يشكل اللقاء محاولة للقول إنه يمكن جمع غالبية لبنانية بغياب حزب الله، وهو يعلم أن حزب الله حاضر بالذين يتمسكون بحلفهم معه عندما تدقّ ساعة القرارات، وبمن يرفضون تحديه والمواجهة معه أيضاً، هكذا يكون اللقاء احتفاليا ليس إلا، يستطيع السفير البخاري أن يتباهى به تحت عنوان القول شكراً للسعودية بدلاً من نعم للطائف، لكنه لم ينتبه أنه يفعل شيئاً شبيهاً بما فعله حزب الله بعد قرار سورية الانسحاب من لبنان، عندما دعا لتظاهرة 8 آذار تحت عنوان شكراً سورية، وهو شكر لا يمنع حقيقة أن الدور الذي كان لم يعد قائماً.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى