أولى

الإصلاح ميدانه مجلس النواب والحكومة وليس الرئيس

يتردّد كثيراً بين النواب على اختلاف تموضعهم في الاستحقاق الرئاسي مصطلح الرئيس الإصلاحي. وهذا ناجم إما عن مبالغة أو عن تلاعب، لأن من يعرف الدستور اللبناني جيداً، ومن يدرس تجارب رؤساء الجمهورية، يعلم أن رئيساً لا يريد الإصلاح لا يستطيع إعاقة مناخ إصلاحي يملك دفعاً نيابياً فاعلاً واتجاهاً حكومياً واضحاً، وأن رئيساً محتمساً للإصلاح وجاداً في تحقيقه لا يستطيع أن يفعل شيئاً إذا كان المناخ النيابي والاتجاه الحكومي مناهضين للإصلاح، لذلك المطلوب رئيس للجمهورية يحترم الدستور، لجهة حدود صلاحيات مجلس النواب والحكومة.
ماذا يمكن لرئيس الجمهورية أن يفعل؟ هو السؤال الذي يقول ما هي المواصفات المطلوب توافرها في رئيس الجمهورية. رئيس الجمهورية رأس الدولة أي ممثلها الأول تجاه الخارج، والمطلوب رئيس للجمهورية قادر على قيادة انفتاح لبنان على الخارج، عنوان يتردد كثيراً، ويتردد معه أن المطلوب أن يتم ذلك وفقاً لاتفاق الطائف، وكثير من هؤلاء ينسى أن أول ما دعا إليه اتفاق الطائف هو العلاقة المميزة بين لبنان وسورية، فهل نسمع كلاماً يقول إن من مواصفات الرئيس العتيد هو أن يكون قادراً على رد الاعتبار لدفء العلاقات اللبنانية السورية، بمعزل عن المواقف التي تتخذها أطراف لبنانية من هذه العلاقة أسوة بالحرص على علاقات لبنان بدول تتخذ أطراف أخرى مواقف مشابهة منها؟
رئيس الجمهورية وحده يقسم على احترام الدستور، ويسهر على تطبيقه، والدستور لم يطبق كاملاً. وهذا يعني أن الرئيس يؤدي مضمون القسم عندما يضع مهمته الأولى رعاية حوار جامع لوضع خطة زمنية لتطبيق المواد المعلقة من الدستور، خصوصاً المادتين 22 و95، أي انتخاب مجلس نيابي خارج القيد الطائفي وإنشاء مجلس للشيوخ، وتشكيل الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية، وتطبيق النصوص الخاصة بتحرير الوظائف في الفئة الأولى من تخصيصها لطوائف بعينها، وتحرير ما دونها من أي اعتبار طائفي.
رئيس الجمهورية هو رمز الوحدة الوطنية، وهذا يعني أن من مواصفات الرئيس أن يكون حائزاً على أغلبية نيابية في الطوائف اللبنانية بلا استثناء، وهذا سبب إضافي للتمسك بنصاب الثلثين، بل ربما بانتخاب الثلثين، وهذا ما يخفف من الشروط التي يمكن أن يضيفها الكثيرون وتضعف فرص توسيع دائرة النواب المطلوب أن يشتركوا بإيصاله لتجسيد مفهوم رمزية وحدة الدولة والوطن.
المشكلة أن أغلب الذين يقاربون الملف الرئاسي ينطلقون من أنهم يضعون مواصفات تلبي جعل رئيس الجمهورية أقرب لهم. فليس الرئيس الجهة الصالحة للحديث عن برنامج سياسي، بينما يجب التفكير بأقرب الأبعدين أو أبعد الأقربين، لتجتمع حول الرئيس الأغلبية الواسعة والوازنة المطلوبة، لماذا؟ لأن الاستقرار في لبنان أغلى وأهم من تلبية أجندات الأحزاب، التي يشكل مجلس النواب والحكومة لا رئاسة الجمهورية ميدان تلبيتها.
المقاومة لا تحتاج حماية ولا غطاء كي يحكى عن رئيس يؤمن لها الغطاء أو الحماية، كل المطلوب أن يحفظ رئيس الجمهورية الاستقرار بعدم افتعال عنوان انقسامي يهز استقرار البلاد مثل سلاح المقاومة، وجعل البحث بالاستراتيجية الوطنية للدفاع مهمة للحوار الوطني، وفي مقدّمتها تسليح الجيش وتطبيق الخدمة الإلزامية، إذا كانت السيادة التزاماً صادقاً عند الذين يقولون إنهم يريدون رئيساً سيادياً.
من يقول إنه لا يملك عدداً كافياً لضمان الأغلبية اللازمة للإصلاح في مجلس النواب والحكومة يعني أنه لا يملك القدرة على تأمين الأغلبية اللازمة لانتخاب مرشحه الرئاسي، وأن مرشحه هو الفراغ ما استطاع إلى ذلك سبيلاً.

التعليق السياسي

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى