نقاط على الحروف

حقائق اقتصادية يُخفيها الخبراء

ناصر قنديل

ــ الانتباه مما يقوله الخبراء الاقتصاديون صار شرطاً لمعرفة الحقيقة، كما قالت تجربة الانهيار المصرفي الأميركي عام 2008 أو ما عُرف بانهيار الرهن العقاري، حيث أدّت التحقيقات التي أجريت أمام لجان الكونغرس الى إظهار حقيقة مرعبة قوامها أنّ الخبراء الذين يظهرون في الإعلام ويكتبون المقالات أو الذين يعملون في الشركات الاستشارية، أو الذين يتولّون رئاسة الأقسام الاقتصادية في الجامعات وعمداء كليات الاقتصاد والمال فيها، قد تمّ توظيفهم في اللوبي الداعم لما عُرف لاحقاً بعصابة الانهيار التي تشكلت بين لجنة الإشراف على البورصة وشركات التأمين وشركات التصنيف الإئتماني والنافذين في كواليس الكونغرس والإدارة، تمهيداً للانهيار الذي انتهى بتبديد تريليونات من الدولارات سرقها المصرفيون الكبار، وقام بتمويل الخسارة نيابة عنها الاحتياط الفدرالي الأميركي نيابة عن دافعي الضرائب الذي خسر ملايين منهم بيوتهم ووظائفهم.
ــ من النظريات التي تحوّلت إلى مسلمات في مقاربة الاقتصاد العالمي، أنّ قيمة وأهمية الدول اقتصادياً تقاس بحجم اقتصادها، فتصير دولة اليابان بإجمالي ناتج وطني يبلغ قرابة الخمسة تريليونات دولار يعادل أربعة أضعاف أهمية روسيا لأنّ إجمالي ناتجها الوطني قرابة تريليون وربع تريليون دولار سنوياً، وقد جاءت حرب أوكرانيا لتقول إنّ هذه النظرية خبيثة ومضللة ومبرمجة لترويج الأكاذيب السياسية، وهي جزء من حرب نفسية استباقية لمنع روسيا من التفكير بتوظيف موقعها الحاسم في الاقتصاد العالمي، كدولة لا يمكن الاستغناء عنها، بصفتها المورد الرئيسي للنفط والغاز والحبوب والزيوت لأكبر الاقتصادات العالمية، والمورد شبه الحصري للوقود النووي للمفاعلات التي تنتج الطاقة في الدول الصناعية بما فيها أميركا ودول أوروبا، والغازات النادرة التي تستعمل في إنتاج الموصلات الدقيقة التي تقوم عليها التكنولوجيا العالية الدقة، بينما اليابان على أهميتها الاقتصادية، لا تنتج ما لا تنتجه كوريا الجنوبية أو تايوان أو الصين، وها هم الأميركيون والأوروبيون برغم تعجرفهم وغطرستهم وعنصريتهم يعترفون بأن لا غنى عن الاقتصاد الروسي، وأنّ انهياراً اقتصادياً عالمياً وشيكا يقترب إذا استمرت القطيعة مع روسيا.
ــ من النظريات التي راجت بعد حرب تشرين عام 1973 التي هزت الأمن «الإسرائيلي»، أن لا قيمة للنفط كسلاح سياسي، وأنّ قيمة النفط يمنحها له الاقتصاد الصناعي وأن لا مصلحة لمنتجي النفط بإغضاب الدول المستهلكة وإلا انهارت مواردهم، وبالتوازي نظرية سياسية تقول ان لا قدرة لدى المنتجين إذا غامروا ولعبوا بوجه المستهلكين فإنهم يجعلون ساعة دمارهم قريبة، وجاءت تجربة روسيا أولاً تقول العكس، فما حفظ سعر صرف الروبل ومكن روسيا من تحويل العقوبات الغربية من تحدي الى فرصة كان لجوء الحكومة الروسية إلى استعمال النفط والغاز كسلاح، وجاءت لاحقاً تجربة أوبك بلاس بتفاهم روسي سعودي برفض زيادة إنتاج النفط تلبية للطلب الأميركي، لتقول إنه من الممكن اقتصادياً ومن الممكن سياسياً أن يتصرف المنتجون بمواردهم وأن يثبتوا أنهم شركاء غير قابلين للتجاهل.
ــ في لبنان أكاذيب اقتصادية سياسية يروّج لها الخبراء، منها تحميل قرار التوقف عن دفع سندات الدين الأجنبي مسؤولية الانهيار، والكلّ يعلم انّ كلّ الاحتياط الباقي لدى مصرف لبنان اليوم أقلّ من قيمة السندات التي كانت مستحقة حتى تاريخه، ومنها السعي لتقديم قانون الكابيتال كونترول بصفته وعاء يتسع لكلّ الإصلاحات الاقتصادية من خطة التعافي إلى ضمان حقوق المودعين، وذلك لتبرير بقائه معلقاً، لأنّ إقراره يعني وقف التحويلات الى الخارج وهي في أغلبها غير شرعية وغير مشروعة، ومنها وأهمّها أنّ الدولار سيرتفع حكماً كلما مرّ الوقت قبل إقرار اتفاق مع صندوق النقد الدولي، والهدف إخفاء حقيقة أنه مع تراجع حجم الاستيراد الى 8 مليار دولار كحدّ أقصى مع سعر برميل النفط بـ 100$، بات ميزان المدفوعات اللبناني إيجابياً ويحقق تراكماً يزيد عن 5 مليار دولار سنوياً، بفضل التحويلات التي يرسلها المغتربون وتزيد عن 7 مليارات دولار، ومعها تدفقات الاصطياف والأعياد وتقارب الـ 6 مليارات دولار، وعائدات التصدير وتزيد عن 3 مليارات دولار، وقرابه ملياري دولار تحويلات المؤسسات الدولية للنازحين السوريين، وأنّ هذا الفائض يتمّ استبداله بالليرات اللبنانية التي يطبعها مصرف لبنان ويقوم بضخها الى الأسواق، ما يتيح لمصرف لبنان فتح الباب لمواصلة التحويلات الى الخارج على هواه، وتغطية المصارف بالتحويلات التي تقوم بها، ولهذا وجب تعطيل الكابيتال كونترول، والترويج لاعتبار ارتفاع سعر الصرف أمراً طبيعياً، والإشادة بسياسات مصرف لبنان لضبطه، بينما لو تمّ اقرار الكابيتال كونترول وتوقفت التحويلات وتوقف مصرف لبنان عن طباعة المزيد من الأوراق النقدية وشراء فائض الدولارات بها، وترك الفائض بالدولارات يقرّر وجهة السوق لكان سعر الصرف بدأ يسجل تراجعاً لا يبدو مرغوباً ممن يقف وراء الخبراء.
ــ للتوضيح نحن نتحدث عن كتلة من حاملي الألقاب، تملأ الشاشات وتزعم توزعها على المعسكرات السياسية، كما كانت لجنة المال النيابية عندما عملت على إسقاط توزيع الخسائر الذي أقرّته حكومة الرئيس حسان دياب، ونجحت بإسقاطه، رغم أنّ البنك الدولي وصندوق النقد أعادا التأكيد عليه مؤخراً، وهذه الكتلة لا تخفي وجود عدد محدود من أصحاب العلم والضمير لكن الذين لا يحظون بفرص التحدث للرأي العام وتحجب عنهم الأضواء.
ــ هي حكاية مستشار الباذنجان وبدلاً من الخليفة مع حاكم مصرف لبنان.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى