أخيرة

بوح

‭}‬ عبير حمدان
قد أقول لك ما ظننته سراً أخفيه بين تفاصيل الكلام العبثي، وقد أضمّك على غفلة وأبعثر كلّ أوراقك، وقد أتعمّد بحبرك وأصبح تلك العاشقة التي خلعت رداء الخوف، وقد أكسر كلّ المفاهيم وأتجرّد من التقاليد، وقد أرتشف نبيذ عينيك حيث سئمت مذاق البن الممزوج بعبق تراكم سجائرك، وقد أهديك عبق قصائدي وأدعوك إلى دائرة الضوء… فالحب يذوي في الظل.
قد أحبك دون أن تطرق باب النبض، وقد يحاصرني الأرق، وقد أرسمك حلماً مشاغباً وعطراً متغلغلاً في نسيج وسادتي، وقد يشرق الأمل بين مفاصل الحروف، وقد أطوي حكاية لم تكتمل، وقد أضحك دون أيّ سبب واضح، وقد أبكي دون أيّ دمعة ساخنة، وقد تقرأ سطوري دون أن تكترث لما تخفيه معانيها المستتره، ويبقى منك بريق عبر كالشهب في أمسية قروية ولم تقبض عليه الأمنية.
قد أبحث عن أنفاسي عند خطوط كفيك… وقد أعيد تصفيف خصلة هاربة قبالة بريق عينيك، وقد أكتب لك أغنية عشق وقصيدة عابثة، وقد أضمّك إلى قلبي في سكون الليل الطويل، وأعلن لروحي أنك ذاك الوهم اللذيذ… وقد أحترق بسيل المقل حين يغلفك الضباب بألف قصة وقصة، وقد أعترف بأنك عبرت سهواً حيث بدأ العمر يلبس عباءة الخريف ونسيت أن تجمع الأوراق المنهمرة على طول الطريق.
يمكنك أن تصمّ حاسة السمع وتخفي حاسة البصر خلف سماكة الستائر والأقمشة السوداء، يمكنك ان توصد باب العودة وعناء المحاولة، يمكن لمزاجيتك احتراف الصمت، قد تلتحف ثلوج العمر وتستلم أمام تدحرج كتلها، قد تهجرك معظم الحواس العادية قسراً، لكن يبقى في أعماقك ركن صغير لعاشق مشاغب، أراك تتعارك مع الرفض كدون كيشوت يائس، دع أسلحتك الوهمية فكلّ طواحين الهواء جفت سواقيها، تظلل بأفيائي وخذ لون الحياة من تموّجات سنابلي، يداي جسر عبورك، وحروفي إيقاع الأساطير القديمة، كلما انغمست في حبري كلما شفيت حواسك المستكينة، نبض القوافي يفرد شطوره وينسكب ببحوره عند أعتاب اللقاء فلا تستهين بثورته ولا تجرح كلماتي، حتى الكلمات لها أنفاس…
وقد أهبك عمراً لا يكتمل إلا في ظلّ حضورك الآسر… وباقة نبض مثقلة بالتيه واجمع في قبضتي الصغيرة كلّ توقي اليك… وأضمّك في عتمة الزمن إلى روحي حدّ الذوبان وأترك ليديك حرية تشكيل تفاصيلي ولو على إيقاع حلم أظنك تعرفه وأدرك أنك تقرأ ما بين السطور وتحترف التجاهل.
قد أكتبك وأكتب لك دون أن تعلم… وقد أضع أمنياتي في صندوق البريد الذي احتواه الصدأ وقد تصبح رسائلي صفراء وتبهت فيها الفواصل وتضمحلّ الحروف… قد أحبّك خلسة عن زمن عابر وأقرأ لك الشعر الممنوع، وحين أعتلي المنبر أجد القاعة باردة ولا يكفيني كلّ الحضور… قد أحلّق عالياً دون أن استكين حيث ينسكب حبرك المجنون…

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى