أخيرة

نافذة ضوء

الأحياء بما ينتجون
‭}‬ يوسف المسمار*
أتعس الأمم تلك التي يحلّ بأبنائها مرض الكلام، فيستغني أبناؤها عن الفعل بالتبويق، ويكتفون بالإفراز دون الإنتاج. وبدلاً من أن يكونوا منتجين فكراً وعلماً وصناعة وغلالاً وفنوناً وتضحيات في عملية تجويد حياتهم وتطويرها وتحسينها من خلال تجويد حياة أمتهم وتحسينها وارتقائها الذي يعني ذلك تجويد حياتهم وتحسينها وارتقائها، فإنهم يتفننون في فكر الكلام، وفلسفة الكلام، وعلم الكلام، وصناعة المنطق المجرد المبهم والمتاجرة به.
يتكلمون حين ينبغي أن يكونوا مستمعين صاغين. ويصمتون عندما يجب عليهم اتخاذ موقف. فلا يكون في صمتهم عبرة ولا في نطقهم فائدة.
ولا هم يستفيدون من الإصغاء لما ليس لهم به علم، فيترفعون عن قول ما يسيء لهم قبل أن يسيء لمن يسمعهم، ولا هم يفيدون في تعليم وتنوير من هم أقل منهم معرفة وعلماً، ولا يتحمّلون مسؤوليّة قول كلمة الحق مع أن قول الحق لا يغني عن فعله.
ومصيبتنا بغالبية أبناء أمتنا أن نصيبهم من الثرثرة وافر إلا الذين تغذوا بمعرفة الحق ومعرفة الباطل فاجتهدوا في الدفاع عن الحق وأهله ولم يخشوا في ذلك لومة لائم، واجتهدوا أيضاً في التصدي للباطل وأهله ولم يخشوا في ذلك ولم يتراجعوا حتى لو اجتمع العالم كله ضدهم.
يبتعدون عن استخدام جميع أساليب ووسائل تحقيق مطالب وأهداف أمتهم في التقدم والرقي، ويتهافتون بكل قواهم وبما امتلكوا من قدرات على ممارسة كل ما من شأنه أن يعرقل ويعطل تقدّمها ورقيها حتى اختلط عندهم الجوهر بالمظهر، والأصل بالفرع، والأصالة بالزيف، والصديق بالعدو، والمظلوم بالظالم، وحتى برّر لمن مزق وطننا فعله، ولمن اغتصب بعض أرض وطننا اغتصابه، ولمن قتل وشرّد بنات وأبناء شعبنا جريمة القتل والتشريد، ولم يكتفِ بذلك بل يسعى بكل ما استطاع وما بوسعه أن يتقرّب ويُطبّع ويخنع لمن عمل ويعمل، وسعى ويسعى لإذلال شعبه وإبادته.
لقد توهّم مرضى النفوس أن أساس الأمة الثرثرة، وأن خيرة أبنائها الثرثارون، وظنوا واعتقدوا ان خيانة الوطن شطارة، وان الغدر بإخوانهم الوطنيين المقاومين ذكاء، وان قمة الشطارة والذكاء تكون في الاستسلام للمعتدين المجرمين وخدمتهم في التجسس على بني قومهم، والانقياد لهم والتطبيع معهم، ولم يعرفوا أن قيمة أبناء الأمة هي بما يستطيعون فعله من أجل خير ورقي أجيال الأمة، وبناء الوطن والمحافظة على كل شبر منه، وبما يواصلون إنجازه والإبداع فيه.
فيا أبناء الحياة في مجتمعنا السوري في بلاد الشام والرافدين، ويا اخوتنا الأحرار في جميع مجتمعات العالم العربي أن التاريخ لا يرحم المتخاذلين، ولا يلوم الأموات، بل ينادي الأحياء الأحرار بنداء خيار الحياة الوحيد الذي هو العمل المنتج والإبداع فيه والاستمرار في ترقيته، وممارسة البطولة الواعية، ومواصلة الصراع والتخلّص من الهذر والتخريف واللهو الذي لا يبني وطناً ولا يحفظه، ولا يرفع من قيمة أمة ويحمي مجدها، ولا يقهر عدواً ويحرّر أرضاً، ولا يضمن سلامة ولا مستقبلاً.

*باحث وشاعر مقيم في البرازيل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى