أخيرة

نافذة ضوء

مأساة الإنسانية
ثقافة الأنانية والجشع الفئوي

 

‭}‬ يوسف المسمار*
قال السيد المسيح في وصيته الحكيمة الى من اتبعه وعمل بتعاليمه:
«أحبّوا بعضكم بعضاً كما أحببتكم».
والتي أهملتها عقول ونفوس وضمائر أبناء الأمة ولم تكترث بها، ولم تعمل بحكمتها الى أن ظهر النبي محمد بالقرآن الحكيم ليعاود إيقاظ السكارى وإرشادهم الى منفذ الخروج من الوباء والمحن الذي هو الصبر على الثبات على الحق، والصبر على مهاجمة الباطل بالآية القرآنية:
«وليبلونّكم الله بشيء من الخوف والجوع ونقص الأموال والأنفس والثمرات وبَشّر الصابرين».
والتي بقيت كلاماً في كلام تتردّد اجتراراً على الألسنة من غير فعل تماماً كما تتردّد حكمة السيد المسيح، لأنّ المردّدين أموات في ثياب أحياء، فقدوا الحياء والحياة ولم يجدوا من يقوم بدفنهم ويطهّر نسائم الربيع من روائح عفنهم الكريهة العابرة لحدود الأوطان والأمم والمهدّدة العالم بالفناء والتلاشي.
وفي هذا الزمن العصيب تنتصب أمام بصائر الأحياء اليقظين الذين يحملون أمانة الخالق التي هي العقل موهبة الله العظمى في الإنسان التي بها تخطى الملائكة الى ما فوق فوق مراتب الملائكة العبارة الحكيمة التي نطق بها العالم الاجتماعي أنطون سعاده بقوله:
«إنّ أزمنةً مليئةً بالصعاب والمحن تأتي على الأمم الحيّة فلا يكون لها إنقاذ منها إلا بالبطولة المؤمنة المؤيدة بصحة العقيدة. فإذا تركت أمة ما اعتماد البطولة في الفصل في مصيرها قرّرته الحوادث الجارية والإرادات الغريبة».
إنّ الأزمنة المليئة بالصعاب والمحن تأتي على الأمم الحيّة لأنها أمم تحس وتعي وتشعر وتنتفض وتنهض وتصارع وتنتصر وليس على الأمم الميتة التي لا تحس ولا تعي ولا تشعر ولا تنتفض وتستمرّ في ذبولها وشللها وخمودها في مقابرها أو خارج المقابر.
الأمم الحيّة أمم واعية ومؤمنة ولا تعتمد إلا العقيدة الصحيحة، والبطولة الصادقة، والجهاد المتواصل.
أما الأمم الميتة فلا وعي عندها وليس لها إيمان ولا يكون لها عقيدة صحيحة تنتصر بها، ولذلك فمن المستحيل أن تسمع وتعي معنى كلام المسيح وتحب ويتحابب أبناؤها، ومن المستحيل أيضاً أن تعي ما جاء به النبي محمد في القرآن فتتخطى الخوف والجبن، وتصبر على الجوع ونقص الأموال والأنفس والثمرات، ويتراحم أبناؤها فتكون من الفائزين.
الأمم الحيّة أمم حضارة، والحضارة وعي ومعرفة وفضيلة ومحبة ورحمة وعدالة وتعاون إنسانيّ وفلسفة وعلم وفن وصراع من أجل حياة أفضل ومُـثُـل أسمى. وبهذه المعاني والقيم الاجتماعية الإنسانيّة تكون البطولة ويكون الفوز الأكيد.
أما الأمم الميتة فمن المحال أن تكون أمم حضارة وصراع وبطولة، لأن الحضارة إبداع أحياء وليست رمم أموات. وكما يستحيل على الأمم الميتة أن تكون أمم حضارة وصراع وبطولة يستحيل أيضاً أن تستمر الأمم الحيّة حيّة عندما تفقد ثقافة الوعي والصراع والبطولة.
وهذه هي مأساة الإنسانيّة الكبرى التي سمّمتها ثقافة الأنانية والجشع الفئوي، والعدوان العالمي وقتلتها.
*باحث وشاعر قومي مقيم في البرازيل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى