مقالات وآراء

بلاسخارت تغادر أرض المعركة!

محمد حسن الساعدي
الزيارة التي قامت بها ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة في العراق جينين بلاسخارت إلى المرجع الديني الأعلى الإمام علي الحسيني السيستاني في مقر إقامته بالنجف الأشرف، ليست بالأمر الطبيعي في هذا الوقت الراهن والحساس والذي يمرّ به العراق، ولا هي في إطار الاستئناس برأي المرجعية الدينية العليا في طبيعية التحديات التي تمرّ بها العملية السياسية في البلاد، بل إلى جانب انتهاء مهمتها في العراق، تأتي الزيارة للاستماع إلى توجيهات المرجعية الدينية العليا، في جميع المواقف والملفات لتقرأ كيف أنّ هذه المرجعية ملمّة بجميع الملفات وبأدقّ التفاصيل، ومراقبة للوضع عن كثب وتحديات الحكومة الحالية ومجريات الأحداث والصعوبات التي تواجه مجمع الوضع السياسي في البلاد، والتحديات التي تواجه البشرية والمقدسات بشكل عام.
المرجعية الدينية العليا قررت أن تعمل على إرساء قواعد معادلة جديد في البلاد مغايرة لمعادلة الحكم الجائر، على أساس العدالة والاعتماد على الشعب العراقي في إرساء هذه القاعدة لأنّ الشعب يمثل مفتاح الحلّ للمعادلة الجديدة، بالاعتماد على الانتخابات وبناء مؤسسات الدولة على أسس قوية ومتينة، ومحاسبة المقصّر والفاسد واستبداله عند أيّ تقصير في واجباته، لأنّ الانتخابات هي الأسلوب الأمثل لإدارة الدولة، خاصة أنّ العراق متعدد المكونات والاثنيات والمذاهب، وأنّ الطريق الأمثل للحفاظ على وحدته هو الانتخابات، وأنّ رؤية المرجعية الدينية العليا تتلخص في بناء الدولة على أسس العدالة واحترام المكونات كافة دون تمييز بين أحد.
المرجعية الدينية العليا أكدت في لقائها مع ممثلة الأمم المتحدة على أنّ الدستور هو الفيصل في جميع القضايا الخلافية والذي شارك بكتابته جميع المكونات، ويحظى بمقبولية كبيرة لدى الشعب العراقي، لذلك من الضروري اعتماد قانون انتخابي عادل يتمّ من خلاله انتخاب مجلس نواب وحفظ النظام وخدمة الشعب العراقي، ومبدأ الفصل بين السلطات الثلاث، ليكون القرار الأول والأخير بيد العراقيين أنفسهم، وضرورة الحفاظ على النظام العام في الدولة وإشاعة العدل والمساواة ونشر السلم الأهلي بين مكوناته دون تمييز.
الموقف العام والقوى السياسية عموماً تعوّل كثيراً على حكومة السيد السوداني، في ترسيخ القانون وحفظ القانون والتحوّل التدريجي من حقبة فوضوية إلى حقبة تسودها لغة القانون والحزم الصارم في محاسبة المقصّر والفاسد، وحماية النظام العام بعيداً عن سلطة السلاح والقوة التي يمارسها البعض في فرض نفوذه على البلاد…
لذلك فإنّ الحكومة الحالية ومن قبلها “الإطار التنسيقي” في اختبار جدي بقدرته على إدارة الدولة بجدية وجزم، وإعطاء صورة حقيقية عن هذه القدرة، كما هي رسالة اطمئنان للقوى التي لم تشارك وتحديداً التيار الصدري الذي ينتظر أيّ تقصير أو تراجع للانقضاض على الإطار وحكومته، لذلك على الإطار التنسيقي ترك الفسحة والمساحة الكافية للسيد السوداني في إيجاد التغييرات الإيجابية في مفاصل الحكومة، وترك القرار السياسي والسيادي بيده، بعيداً عن أيّ ضغوط تمارسه هذه الجهة أو تلك، لأنّ الجميع سيسقط بسقوطه، وكما أنّ ساحة المعركة ودّعت مقاتلاً فإنها ستستقبل مقاتلاً آخر جديداً يدخل أرض المعركة يمثل الأمم المتحدة في العراق.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى