نقاط على الحروف

لماذا ربط الاستحقاق الرئاسي بعلاقات إيران بأميركا والسعودية؟

ناصر قنديل

– تقف فرنسا وقطر ويقف خلفهما طابور لبناني طويل في صف يحمل لافتة تدعو لتسريع التفاوض الأميركي الإيراني والإيراني السعودي، تحت شعار أن هذا التفاوض ووصوله الى نتائج إيجابية يشكل مفتاح الخروج من الاستعصاء الذي دخل فيه الاستحقاق الرئاسي اللبناني. وبالمقابل لا ينفك الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله يؤكد منذ شهور على الدعوة لصرف النظر عن الرهان على ربط الاستحقاق الرئاسي بأي استحقاق يخصّ إيران، مشددا على أن إيران لن تفاوض بالنيابة عن حلفائها اللبنانيين، وأن حزب الله وحلفائه في لبنان أسياد قرارهم، وفي الظاهر يبدو أن هذين المنطقين متعاكسين، فهل هما كذلك؟
– الأكيد هو أن أحداً لا يستطيع إنكار الذهول الذي أصاب جميع المراهنين على تبعية حزب الله لإيران، أو المسوّقين لها كنظرية، في صدق كلام السيد نصرالله عندما صاغ معادلة لترسيم الحدود البحرية، تقول إنه اذا نال لبنان مطالبه ولم يتم تحقيق أي تقدم في الملف النووي الإيراني، فإن المقاومة ستنهي مناخ التصعيد الذي بدأته، وتذهب للتهدئة. وبالمقابل إذا تحقق التفاهم في الملف النووي ولم ينل لبنان مطالبه كاملة في ملف الترسيم فإن المقاومة ذاهبة للتصعيد. وجاءت الأحداث تؤكد صدقية هذه المعادلة فذهبت المقاومة للتهدئة رغم التأزم في الملف النووي الإيراني، واكتفت بأن لبنان نال مطالبه، كما وعدت. والأكيد أن هذا الحدث كاف للاستنتاج بأن لا شيء سيتغيّر بما يتصل بملف أدنى مرتبة على الصعيد الإقليمي من ملف الترسيم، هو ملف الرئاسة، لأن ملف الترسيم يقع على تقاطع خطوط تعني إيران بنسبة أكبر بكثير من ملف الرئاسة، سواء كونه أحد ملفات الطاقة، أو لارتباطه بتوازن القوى مع كل من أميركا وكيان الاحتلال، أو للاحتمالات التي أشار إليها السيد نصرالله نفسه في حال فشل التفاوض على الترسيم وانفجار الوضع، وما يمكن أن يتحول الى حرب إقليمية كبرى، لن تكون إيران بعيدة عنها، وبالرغم من كل أوجه الشراكة التي تجعل إيران طرفاً، بقي قرار المقاومة لبنانياً، ولم تبد إيران رغبة بالتدخل، ولا نجحت محاولات استدراجها للشراكة في التفاوض، ما يعني أن ربط الاستحقاق الرئاسي بعلاقات إيران الأميركية والسعودية، من زاوية شراكة إيران وحزب الله الاستراتيجية وتأثيرها على قرار حزب الله واستطراداً على حلفائه، هو كما يقول السيد نصرالله ضياع للوقت والجهد، وربط بلا جدوى وبلا قيمة وفي غير مكانه، لكن هل هذا هو شكل الربط الوحيد؟
– من غير المنطقي أن يكون هذا ما يقصده دعاة الربط عند حديثهم عنه، ولو كانت تصريحاتهم ومواقفهم تستثمر الربط بعكس ما يقصدونه، بهدف التشويش على استقلالية حزب الله، التي يعرفونها عن قرب، وكثيرة هي التجارب التي تؤكدها، خصوصا ما جرى خلال الوساطة التركية القطرية التي واكبها الفرنسيون عن قرب، بعد استقالة حكومة الرئيس سعد الحريري عام 2011، إثر انسحاب وزراء حزب الله وحلفائه من الحكومة، وهي الوساطة التي قادها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وأمير قطر حمد بن جاسم آل ثاني، وبدأت بالتواصل مع القيادة الإيرانية وتوّجت بزيارة دمشق بلقاء قمة ضمّ الرئيس السوري بشار الأسد مع كل من الرئيس التركي وأمير قطر، وانتهت بزيارة وزيري خارجية تركيا وقطر داوود أوغلو وحمد بن جاسم إلى بيروت ولقائهما بالسيد نصرالله، وتالياً إعلان فشل الوساطة، وهذه التجربة يعرفها الجميع وأولهم قطر، كما تعرفها باريس، الى سائر زواريب السياسة اللبنانية، ولا يعقل لمن يعرفها أن يقصد ما يقوله بأن مدخل الانفراج هو بتحقيق تقدم على مسار العلاقات الإيرانية الأميركية والإيرانية السعودية فماذا يقصدون إذن؟
– في الحقيقة إن الفرنسيين والقطريين والطابور اللبناني الطويل الذي يتحدث عن هذا الربط، لا يقصدون به حزب الله بل أنفسهم، فهم يدركون بحكم تجاربهم أنهم لا يجرؤون على المخاطرة بالتفاوض مع حزب الله والوصول إلى نتائج يلتزمون بها، دون ضوء أخضر من واشنطن والرياض. ويعتقدون أن هذا الضوء الأخضر يتوافر إذا تحسنت علاقات واشنطن والرياض بطهران. بالنسبة للبنانيين تشكل تجربة الرئيس سعد الحريري بالذهاب الى تسوية رئاسية دون مباركة كاملة من واشنطن والرياض عبرة ودرساً كي لا يتجرأ أحد على المغامرة والمخاطرة. وهم يرون بأم العين ما تعرض له الرئيس الحريري من الاحتجاز وصولاً إلى الإقصاء الأقرب إلى الإعدام السياسي. أما بالنسبة الى باريس فقد جرب الرئيس الفرنسي المخاطرة بمبادرة منفردة آملا التغاضي الأميركي والسعودي عنها بعد انفجار مرفأ بيروت، وجاءه الجواب بما قال إنها رسالة استهداف لمبادرته، مثلتها العقوبات الأميركية التي طاولت بعد شهر من المبادرة الوزيرين علي حسن خليل ويوسف فنيانوس، وبعد ثلاثة شهور الوزير جبران باسيل، وصولاً الى سقوط المبادرة.
– يعتقد الفرنسيون والقطريون ومن ورائهم طابور لبناني طويل، أن تحسن العلاقات الأميركية السعودية مع إيران، يشكل إجازة لهم للسير بمشروع تسوية مع حزب الله، واستطراداً مع حلفائه، ولأنهم لن يجرؤوا على فعل ذلك قبل هذه الإجازة، يقولون إن لا رئاسة قبل تحسّن العلاقات الإيرانية الأميركية والإيرانية السعودية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى