الوطن

لبنان في ثلاجة الانتظار وعلى جمر الدولار

‭}‬ منجد شريف
يتخبّط الشعب اللبناني في يومياته المؤلمة لشطحات الدولار الجنونية، والذي لم يعد يلجمه أيّ من التدابير الاحترازية لتعاميم مصرف لبنان، فكأن السحر إنقلب على الساحر، والدولار فقد خجله من شعبٍ مظلوم، تكبّد ولا يزال كلّ الخسائر المتراكمة عن سنين من السياسات المالية المجحفة التي مورست ولم تحسب لمستقبله حساباً، فصارت حياة الغالبية من اللبنانيين بائسة بعدما تبخرت الزيادة الملحوظة على رواتبهم، فعادت الأمور إلى نصابها وما لحظتة الموازنة الأخيرة من مضاعفة للأجور عادت فتبخرت بفعل التغيّر صعوداً في سعر الصرف، وهنا لا بدّ من أن نلمح إلى مسألة في غاية الأهمية، وهي أنّ جلّ ما يجب القيام به هو العمل على تثبيت سعر الصرف عند أيّ حّد معيّن كي يُصار إلى باقي المعالجات الاقتصادية، أما في الحالة الراهنة فنحن كمَن يصارع طواحين الهواء، الدولار يحلق ولا سقف له وكلّ المحاولات الغير مستندة إلى تثبيته لن تؤتي بثمارها، وكلنا يعلم أنّ الاستقرار النقدي تلزمه آليات اقتصادية، ورعاية عابرة من الدول الخارجية، وعنوان الحلّ يبدأ في كلمة السر لانتخاب رئيس للجمهورية، وتأليف الحكومة، مما يعني عندها أنّ الاتفاق على الخروج من الأزمة قد بدأ، وأنّ الإذن الخارجي قد أعطي للخروج من النفق المظلم الذي تتخبّط فيه الطبقة السياسية والشعب المظلوم في آن واحد.
لا دولار في الدورة الاقتصادية للدولة، وعليه بات التلاعب بسعر الصرف في السوق السوداء المصدر الفعلي للحصول عليه، فالأزمة التي نواجهها وإنْ كانت السياسات الاقتصادية المتعاقبة مشفوعة بالفساد ساهمت الى حدّ كبير في ضراوتها، لكن هناك قراراً كبيراً متخذاً لافتعالها، استناداً إلى الأرضية الخصبة التي وفرتها تلك السياسات مع الفساد، والذين أدّيا إلى هدر المال العام ونهبه وصرفه في غير وجهته، إنْ في صفقات مشبوهة أو في طرق احتيالية على القانون، فكان نهباً ممنهجاً بحجة الإنفاق العام بينما كان الجزء الأكبر إنفاقاً خاصاً في حسابات من تربعوا على الإدارات الحساسة من الفاسدين.
وصلت الطبقة السياسية اليوم إلى حائط مسدود، ولا قدرة لها على تجاوزه إلا بمعجزة ماورائية ربما من خلف البحار، فلبنان اليوم أسير العملة الخضراء، وكلما زادت حاجة المركزي إليها، طبع المزيد من العملة اللبنانية، ويأتي بعدها التلاعب بسعر صرف الدولار عبر المنصات الوهمية في سمفونية لا تنتهي، كي يُصار إلى استدراج الدولارات المنزلية من أجل وضعها في حساب المركزي لتمويل منصة صيرفة، وإلهاء عامة الشعب من موظفين وخلافهم في عملية الإيداع والسحب، والبيع في السوق السوداء، حتى باتت مهنة عند الكثيرين ممن ضُربوا في حياتهم ولقمة عيشهم علهم يعوّضون شيئاً من تلك الملهاة.
استفحلت الأزمة الاقتصادية في ظلّ غياب تامّ لدور الدولة المشلولة، والبلا رأس في أعلى سلطاتها، فلا رئيس للجمهورية ولا حكومة فعلية تستطيع الاجتماع، واتخاذ المقررات الواجبة في هذا الظرف القاهر، وليس أنكى من كلّ ذلك غير تلك الصراعات على الصلاحيات والتوازنات الطائفية والمذهبية وغيرها من العناوين الميثاقية، بينما الفقر ضرب كلّ الطوائف دون استثناء غير عابئ بالميثاقية وبكلّ الفذلكات الدستورية، والتفاسير والشروحات المسهبة عنها.
لا مطلب للبناني اليوم غير أن يرحمه الله بأعجوبة، بعدما صارت الرحمة الإنسانية مفقودة عند السياسيين بمختلف فئاتهم ومكوناتهم والذين صاروا غير قادرين على اجتراح أيّ حلّ سوى ملء الفراغ ببعض التصريحات الشعبوية، او القيام ببعض الاجتهادات الشخصية في مناصبهم في محاولة لشراء الوقت علّ بارقة أمل تلوح من الأفق البعيد لتفك الطوق عن خناق الغالبية من هذا الشعب المظلوم الذي لم يعد يعبأ بها، وصار كلّ همّه أن يواجه الأزمة بالنزر اليسير، بعدما طاولت كلّ مناحي حياتهم اليومية، بينما يرى بأمّ العين وهن الدولة بكلّ أركانها وضعفها في حلّ أيّ من مشكلاته، إنها لعنة القدر المزدوجة، أن نقع على حدود كيان غاصب، وفي نظام سياسي منقسم حول مواجهة هذا الكيان، والاختلاف الإيديولوجي والاستراتيجي، وعليه بات الاقتصاد سلاحاً من أسلحة الحروب الدائرة بين الدول والأقاليم، فكان لبلدنا النصيب الأكبر منها من خلال ما يعانيه، وفاقم من ذلك ما رافق تلك الأزمة منذ بدايتها من تخبّط وتفكك، مما جعل الحلول غائبة، بل ومفرملة بلاءات خارجية من أجل استعار الأزمة وضمان مفاعيلها في الضغط السياسي وما يتوجب لاحقاً من تتازلات في القضايا الحساسة في المحور والإقليم وعلى الصعيد الدولي.
لبنان في ثلاجة الانتظار وعلى جمر الدولار، وبينهما معاناة شعب لا تنتهي منذ بزوغ فجر هذا الوطن وحتى نهاية هذا السطر…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى