أنشطة قومية

«يوتوبيا المواطنة وتحدّياتها»… في نشوء حقوق المواطنة ومسارها ومآله (2 من 5)

المواطنة أساس عملية الاندماج الوطني وتمثل حجر الزاوية في الدولة الوطنية الحديثة

 

أطلقت عمدة الثقافة والفنون الجميلة في الحزب السوري القومي الاجتماعي، المنتدى الثقافي الافتراضي عبر تطبيق Zoom ، وكانت البداية بندوة أدارها عميد الثقافة والفنون الجميلة الدكتور كلود عطية وحضرها العشرات من القوميين والمواطنين قدم فيها الأمين البروفسور يوسف كفروني دراسة غنية بعنوان «يوتوبيا المواطنة وتحدياتها».
وحرصاً من “البناء” على وصول الدراسة إلى أوسع مدى من القراء والمتابعين رأت نشرها على 5 حلقات متتابعة. هنا الجزء الثاني.

د.يوسف كفروني
نص الدراسة – الجزء الثاني:
واعتبر الفيلسوف جان لوك أن لكل إنسان الحق بأن يحافظ على حياته وحريته وممتلكاته هذه الصيغة تردّدت في إعلان الاستقلال الأميركي 1776 والإعلان الفرنسي لحقوق الإنسان والمواطن 1789 (هيتر، 2007، صفحة 101)
أكّد روسو على أولوية الحرية ومفهوم الإرادة العامة، وأن أفراد الشعب في الدولة أسياد ينظرون مجتمعين وبحرية في ما يشكل أفضل المصالح للمجتمع ليقرّروها. الناس مواطنون حين يصوغون الإرادة العامة وتابعون في طاعتهم لتبعات هذه القرارات. لكنهم في كلتا الصفتين أحرار حقيقيون محررون من أية سلطة اعتباطية. (هيتر، 2007، صفحة 106)
يرى روسو أن المصلحة المشتركة هي ما يجعل الإرادة عامة. (روسو، العقد الاجتماعي، 1995 ط2 ترجمة، صفحة 68)
والعقد الاجتماعيّ هو عقد سيادة: “الميثاق الاجتماعي يجعل بين المواطنين من المساواة ما يلزمون أنفسهم معه بالشروط ذاتها وما يجب أن يتمتعوا معه بالحقوق ذاتها، وهكذا فإن كل عقد سيادة، أي كل عقد صحيح للإرادة العامة، يُلزم جميع المواطنين، فلا يعرف السيد بذلك غير هيئة الأمة ولا يفرّق بين مَن تتألف منهم. (روسو، العقد الاجتماعي، 1995 ط2 ترجمة، صفحة 69)
روبسبيير رفع شعار الحرية والمساواة والإخاء. ومفهوم روسو للإرادة العامة والفضائل المدنية كان ضدّ حصر حق التصويت. واعتبر أن التمييز بين المواطن الفاعل والمواطن السلبي يناقض المساواة التي نودي بها بفخر في إعلان الحقوق. (هيتر، 2007، صفحة 125)
أزيلت العبودية في الولايات المتحدة الأميركية 1862 واكتسب السود صفة مواطنين بنظر القانون، ولكن استمرت معاملتهم بشكل سيئ كمواطنين درجة ثانية. اتخذت معاناة الأميركيين السود شكل تعليقات مريرة على المساواة والحياة والحرية والسعي إلى توفير السعاده التي نادى بها إعلان الاستقلال كحقوق مكتسبة بالولادة للأميركيين. (هيتر، 2007، صفحة 140)
تُعدّ الثورة الفرنسية نقطة تحول، حيث عَرِفَ مفهوم المواطنة معها تطوراً هاماً في تدشين أولى الخطوات لتثبيت الحقوق المدنية الاجتماعية للمواطن الإنسان، فأصبح مفهوم المواطنة يشمل الحقوق المدنية والسياسية، والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، مع إقرار مبدأ المساواة أمام القانون، وعدم إقصاء الأقليات أو أي فئة في المجتمع. لتُكرِّس الثورة الفرنسية رؤيتها للعالم الجديد بإعلان حقوق الإنسان، والدفاع عنه بعد إغنائها بروح المواطنة.
الكاتب المصري رفاعة الطهطاوي (1801-1873) هو أول من استخدم مصطلح المواطنة في العالم العربي، وربطه بالحقوق العامة، فانتماء الفرد للوطن يعني أن يتمتع بحقوقه ويلتزم بواجباته، فالمواطنة هي أساس عملية الاندماج الوطني، وتمثل حجر الزاوية في الدولة الوطنية الحديثة، التي تشكل الإطار السياسي والقانوني، الذي تمارس فيه حقوق المواطنة وواجباتها، وهي تعني الالتزام بالمصلحة العامة، والتسامح بين أبناء الشعب، والتخلص من التعصّب الديني، ذلك أن الأخوة الإنسانية في نظر الطهطاوي تلزم عبادة الله، فقد أكد الطهطاوي على ضرورة تحقيق العدالة والمساواة بين الذين يعيشون في وطن واحد في جميع ما يجب على المؤمن لأخيه المؤمن منها، يجب على أعضاء الوطن في حقوق بعضهم على بعض لما بينهم من الأخوة الوطنية (سنان، 2017، الصفحات 59-60)
وشكّل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان — وثيقة تاريخية هامة في تاريخ حقوق الإنسان — صاغه ممثلون من مختلف الخلفيات القانونية والثقافية من جميع أنحاء العالم، واعتمدت الجمعية العامة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في باريس في 10 كانون الأول/ ديسمبر 1948.
تؤكد مواد الإعلان، على الحق في الحياة والحرية والأمان ومنع الاستعباد وحرية الرأي والتعبير والتنقل والعودة إلى البلد وغير ذلك.. وأن لكلِّ شخص، بوصفه عضوًا في المجتمع، حقٌّاً في الضمان الاجتماعي، ومن حقِّه أن تُوفَر له، من خلال المجهود القومي والتعاون الدولي، وبما يتَّفق مع هيكل كلِّ دولة ومواردها، الحقوقَ الاقتصاديةُ والاجتماعيةُ والثقافيةُ التي لا غنى عنها لكرامته ولتنامي شخصيته في حرِّية.
ولكلِّ شخص حقٌّ في مستوى معيشة يكفي لضمان الصحة والرفاهة له ولأسرته، وخاصَّةً على صعيد المأكل والملبس والمسكن والعناية الطبية وعلى صعيد الخدمات الاجتماعية الضرورية، وله الحقُّ في ما يأمن به الغوائل في حالات البطالة أو المرض أو العجز أو الترمُّل أو الشيخوخة أو غير ذلك من الظروف الخارجة عن إرادته والتي تفقده أسباب عيشه.
ولكلِّ شخص حقٌّ في التعليم. ويجب أن يُوفَّر التعليمُ مجَّانًا، على الأقل في مرحلتيه الابتدائية والأساسية. ويكون التعليمُ الابتدائيُّ إلزاميًّا. ويكون التعليمُ الفنِّي والمهني متاحًا للعموم. ويكون التعليمُ العالي مُتاحًا للجميع تبعًا لكفاءتهم.
وجاء في المادة 16. للرجل والمرأة، متى أدركا سنَّ البلوغ، حقُّ التزوُّج وتأسيس أسرة، دون أيِّ قيد بسبب العِرق أو الجنسية أو الدِّين. وهما متساويان في الحقوق لدى التزوُّج وخلال قيام الزواج ولدى انحلاله.
http://www.un.org/ar/universal-declaration-human-rights
من الواضح أن الدول الكبرى تخالف هذا الإعلان بمنعها عودة الفلسطينيين الذين طُردوا من ديارهم بعد اغتصاب فلسطين من قبل العصابات الصهيونية وبدعم من هذه الدول الكبرى.
ومعظم الدول العربية لا تلتزم بهذا الإعلان.
الشعور بالمواطنة، بالهوية الوطنية، لم يكن سائداً، فقد كانت الهويات المحلية الطائفية والمذهبية والقبلية هي السائدة. فقبل حروب نابوليون، كان القليل من سكان ألمانيا من يعتبر نفسه ألمانيا، كانوا ينظرون إلى أنفسهم كبروسيين أو بافاريين أو سكسونيين أو مواطنين في واحدة من مئات الدويلات والمدن والأسقفيات الأخرى. (شيفر، 1966، الصفحات 161-162)
بدأت ممارسة حقوق المواطنة في المستعمرات الأميركية، حيث كانت الانتخابات تجري بانتظام وحق الاقتراع محصوراً بالرجال ذوي الشأن كما في البلد الأم لكن المشاركة في الاقتراع كانت ضعيفة. مع الثورة الأميركية دخلت كلمة مواطن للدلالة على عضو في الدولة ولم تعد مقتصرة على الإشارة إلى مجرد عضو في المدينة.
جون لوك هو الذي وضع فكرة الحقوق بشكل ثابت على الأجندة السياسيّة: “لكل إنسان الحق بأن يحافظ على حياته وحريته وممتلكاته”. (مينش، 2010، الصفحات 100-101)
عرّفت الأنسيكلوبيديا (ديدرو) كلمة مواطن بأنه: “عضو في مجتمع حرّ يتألف من عدة أسر، يشارك في حقوق هذا المجتمع ويتمتع بامتيازاته، وليس هناك وطن في ظل العبودية، والوطن أب وأبناء بمعنى عائلة ومجتمع ودولة حرة نحن أعضاء فيها تضمن قوانينها لنا حرياتنا وسعادتنا”. ويقول روبسبيير في تعريف كلمة وطن: “ما هو الوطن، إن لم يكن البلاد التي يكون فيها الفرد مواطناً وعضواً في الكيان ذي السيادة؟ إن كلمة وطن في الدولة الأرستقراطية كانت تعني شيئاً يخصّ الأرستقراطيين الذين احتكروا السلطة وحدهم، وفي الديمقراطية وحدها تكون الدولة وطناً حقيقياً لجميع الأفراد الذين يؤلفونها ويستعدّون للدفاع عنها جنوداً عددهم يساوي عدد مواطنيها”. (شيفر، 1966، الصفحات 284-286)
ثمة عوامل متعددة ساهمت في تفكك النظام الإقطاعي القديم، وظهور الدولة الحديثة في الغرب، المعروفة بالدولة القومية، الدولة – الأمة. في هذه الدولة يمكن الكلام عن المواطنة بمعنى الانتماء إلى الوطن، المكان – البقعة الجغرافية المحددة التي نشأت فيها الأمة. المواطنة المرتبطة بمفهوم سيادة الشعب الذي هو وحده مصدر السلطة، وعدم الاعتراف بأي مصدر آخر.
لقد عملت الثورات الفكرية والدينية والسياسية، وفلسفة التنوير، على زعزعة المفاهيم والقيم والولاءات المرتبطة بالنظام الاقطاعي والسلطة الكنسية السائدة آنذاك، وخلقت مفاهيم وقيماً جديدة وتفكيراً نقدياً أكثر ارتباطاً بالواقع وبالنظرة العقلانية والعلمية.
وترافقت تلك الثورات مع الاكتشافات والاختراعات الجديدة، وصولاً إلى الثورة الصناعيّة التي أقامت الاجتماع على أسس جديدة.
لم يعن ظهور الدولة – الأمة، أن الانتماء الوطني تحقّق فوراً. لقد اتخذت عدة إجراءات لتحقيقه. ولا تزال المجتمعات الغربية تعاني من بعض المشاكل الداخليّة، من حركات تمرّد وانفصال، وحركات رفض شبابية، ومشاكل المهاجرين، إضافة إلى تهديدات العولمة.
العوامل التي ساهمت في تحقيق المواطنة وتطوّرها:
1 – النمو الكبير في الصناعة: ساهم في إلغاء أشكال التنظيمات القديمة وخصوصية الجماعات المحلية وخلق كتلة جماهيرية واسعة منفتحة على بعضها البعض.
2 – نمو طرق المواصلات: مما سهّل التفاعل بين أبناء الشعب. وفي هذا المجال يقول برونو Brunot مؤرخ اللغة الفرنسية: “إن مهندسي الطرق والجسور خدموا قضية اللغات القوميّة أكثر وأحسن مما خدمها كثير من الجامعيين الأكاديميين”. (شيفر، 1966، صفحة 317).
3- التشريع المدنيّ الموحّد: ألغى التمايز القانوني بين أبناء المجتمع وأخضع الجميع لقانون واحد مع ما يعنيه من مساواة قانونيّة وشعور بالوحدة.
4 – التعليم: انتشر التعليم الرسمي الذي بدأ مع الثورة الفرنسية انتشاراً واسعاً في أوروبا وأميركا. وأصبح عاماً ومجانياً وإلزامياً.
5- الحريات العامة: حرية التعبير، حرية تشكيل الأحزاب، حرية التصويت وصولاً إلى الترشح لأي منصب. الانسان مسؤول أمام القانون وليس أمام أي شخص، ومتساو في الحقوق والواجبات. وهذا ما أعطاه الشعور بالقيمة والكرامة.
ارتبط مفهوم المواطنة بالمجتمع بالمكان الذي يشكل وحدة حياة متميّزة نسبياً عن المجتمعات الأخرى، وأصبحت هوية الانتماء إلى المكان هي الأساس والبديل عن الهويات المحلية السابقة. وأصبحت لكل فرد ينتمي إلى المجتمع حقوق وعليه واجبات بالتساوي مع الآخرين. وتطور مفهوم المواطنة ليشمل المساواة القانونية والسياسية وصولاً إلى حقوق اجتماعية تضمن الحد الأدنى من معيشة لائقة وضمانات صحية واجتماعية.
وصولاً إلى المواطنة الرقمية وضمان الحصول على المعلومات التي هي حق لكل فرد. وللحصول على الاستفادة المثلى وللمساهمة في تنمية مجتمع المعرفة وبناء الاقتصاد الرقمي الوطني.
(يتبع غداً جزء ثالث)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى