مقالات وآراء

خلفيات عودة التلويح بمشاريع التقسيم والفدرلة

‭}‬ حسن حردان
وسط الأزمة السياسية التي تعصف بلبنان بشأن انتخاب رئيس جديد للجمهورية، لعدم قدرة أيّ فريق لوحده على انتخاب رئيس من جهة، ورفض الدعوات لحوار وطني للتوافق على ذلك من جهة ثانية… أعلن رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع أنّ حزبه سيلجأ إلى اتباع “خيارات أخرى تتعلق بإعادة النظر في أسس النظام في حال أصرّ حزب الله على انتخاب رئيس على ذوقه…”
وقال: “إنّ جميع الخيارات السياسية مطروحة أمامنا من أجل تحرير البلاد والعباد من سطوة حزب الله وحلفائه، أيّ محور الممانعة، الذي أوصلنا إلى أتون جهنم الذي نتخبّط به اليوم”.
انّ هذا الكلام طرح جملة من التساؤلات حول أبعاده وسبل وإمكانية تحقيقه في الوقت نفسه…
أولاً… ماذا يقصد جعجع من انّ حزبه سيلجأ الى خيارات أخرى؟
إنّ جعجع يقول للبنانيين إنّ خيار الحوار للخروج من أزمة انتخاب رئيس للبلاد ليس وارداً لدى فريقه إطلاقاً، ما يعني انه يريد سدّ الأبواب أمام ايّ حلول للأزمة وتهيئة الأجواء لاعتماد واحد من خيارين:
1 ـ إما أن يتمّ الرضوخ لمطلبه بانتخاب رئيس ينسجم مع خياراته السياسية، أيّ رئيس معاد للمقاومة وتابع للسياسة الأميركية، وهو أمر غير ممكن، لأنّ موازين القوى لا تسمح بذلك…
2 ـ أو انه سيعود إلى التهديد باتباع خيار التقسيم والفدرلة.. ومثل هذا الخيار الذي بدأ جعجع يمهّد له، لا يمكن ان يصل اليه إلا عن طريقين:
الطريق الاول، إعادة النظر في تركيبة الدولة والدستور بما يكرّس صيغ التقسيم والفدرلة.. ايّ إحداث انقلاب على نظام حكم الطائف القائم على المناصفة والتوازن بين الطوائف، بما يجعله منسجماً مع طروحاته، وهذا أمر يحتاج بلوغه إلى أن يحصل جعجع بداية على تأييد أغلبية شعبية وسياسية مسيحية، قبل أن يسعى إلى نيل تأييد بعض الأطراف السياسية الإسلامية…
الطريق الثاني، استخدام القوة العسكرية لفرض هذا الخيار التقسيمي، وإعادة إحياء خطوط التماس ما يعني دفع البلاد إلى أتون حرب أهلية جديدة.. وما قد يشجع جعجع على سلوك مثل هذا الخيار، امتلاكه قوة عسكرية مجهزة ومدرّبة، تقدّر بـ 15 ألف عنصر، كما تتحدث المعلومات، وعدم وجود قوة عسكرية أخرى معارضة له في المناطق الشرقية.. الأمر الذي من الممكن أن يراوده ويدفعه للعودة إلى استخدام هذه القوة ضدّ ايّ طرف مسيحي يعترض على طرحه التقسيمي.. وهي سياسة كان قد مارسها خلال الحرب الأهلية…
ثانياً، حول إمكانية تحقيق أحلام القوات في التقسيم والفدرلة..
لا شكّ، إذا ما كان الأمر يعود إلى رغبات وأحلام جعجع فإنه سيلجأ الى سلوك خيار التقسيم والفدرلة، لكن إذا ما أخذنا بالاعتبار تجربة الحرب الأهلية بين أعوام 1975 و 1990، والمعطيات القائمة في البلاد يمكن القول انّ مثل هذا الخيار غير ممكن، بسبب العوامل التالية:
العامل الأول، عدم وجود أغلبية شعبية تؤيد خيار العودة إلى الحرب الأهلية، خاصة أنّ تجربة الحرب المدمّرة ومراراتها لا تزال حاضرة في أذهان اللبنانيين، في حين أنّ خيار التقسيم والفدرلة فشلت القوات في فرضه خلال الحرب عندما كانت في أوج سيطرتها وهيمنتها..
العامل الثاني، معارضة الجيش اللبناني بقوة للعودة إلى الحرب الأهلية، لأنه عانى من الانقسام وانعكاسات الحرب عليه، ودفع ثمناً كبيراً نتيجة ذلك…
العامل الثالث، عدم توافر التأييد الخارجي الذي يحرّض على سلوك مثل هذا الخيار، وهو من الشروط الأساسية التي أسهمت في اندلاع شرارة الحرب الأهلية عام 75.. فالحرب تحتاج الى دعم وتمويل، في وقت لا تزال تعاني فيه دول العالم في الإقليم والعالم من الأزمات نتيجة الحروب المستمرة.. ولديها أولويات أهمّ من لبنان، فيما واشنطن التي تقف وراء تسعير نار أزماته من خلال الحصار الاقتصادي والمالي، تدرك انّ موازين القوى في لبنان لا تصبّ في مصلحة الفريق الموالي لها، خاصة بعد إخفاقها في محاولة محاصرة المقاومة والنيل من بيئتها الشعبية، بهدف نزع سلاحها، وإحداث الانقلاب السياسي، ولهذا فإنّ واشنطن تخاف من ان يؤدّي الذهاب إلى دعم خيار تفجير حرب أهلية في لبنان إلى نتائج عكسية تقود إلى خسارتها نفوذها في لبنان…
العامل الرابع، قوة المقاومة التي هزمت الجيش “الاسرائيلي”، وتكاملها مع الجيش اللبناني، واستنادها إلى تأييد شعبي واسع، يشكل عامل حماية للسلم الأهلي في مواجهة مشاريع العودة للحرب الأهلية والتقسيم والفدرلة…
ثالثاً، انّ لجوء القوات إلى إعادة طرح مشاريعها السياسية القديمة، والتي أثبتت التجربة عقمها وفشلها، يؤكد أنها تتعارض بشكل سافر مع مصلحة اللبنانيين في السعي للخروج من الأزمة، وحفظ سلمهم الأهلي، والتمسك بمقاومتهم التي تحمي أمنهم واستقرارهم في مواجهة التهديدات والأطماع الصهيونية، من خلال معادلتها الذهبية “الجيش والشعب والمقاومة”،
ويدلل على مأزق القوات النابع من عجزها عن تشكيل أغلبية مؤيدة لخياراتها المتطرفة التي تصبّ في خدمة مشاريع واشنطن والعدو الصهيوني من جهة، ويكشف انّ القوات لم تتخلّ عن رهاناتها في محاولة إعادة البلاد إلى الحرب الأهلية وإحياء مشاريع التقسيم من جهة اخرى، الأمر الذي يؤشر إلى مدى خطورة طروحاتها، والحاجة إلى تنبّه جميع الأطراف والقوى السياسية للتصدّي لها، وقطع الطريق عليها، وذلك من خلال تغليب المصلحة الوطنية على المصالح الذاتية، والابتعاد عن الخطاب الطائفي، وبالتالي الاتجاه نحو الحوار الوطني للاتفاق على انتخاب رئيس للبلاد يلتزم الخيارات والثوابت الوطنية في إطار خطة إنقاذية تخرج اللبنانيين من أزماتهم الاقتصادية والمالية والخدماتية والمعيشية، وتضع حداً لمحاولات العبث بسلمهم الأهلي ووحدتهم الوطنية.. ذلك أنه لا يكفي الركون إلى العوامل المذكورة آنفاً للحيلولة دون إعادة إحياء مشاريع الحرب والتقسيم…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى