نقاط على الحروف

أولويات جعجع الرئاسية… وأولويات حزب الله

ناصر قنديل
– في حوار تلفزيوني قبل يومين حمّل رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع حزب الله مسؤولية تعطيل الانتخابات الرئاسية، قائلاً إن «أولويات «حزب الله» ليست أولويات المواطن اللبناني ولهذا السبب وصل الأخير إلى ما وصل إليه اليوم. فعلى صعيد الانتخابات الرئاسية من مصلحة المواطن اللبناني أن يجري هذا الاستحقاق البارحة قبل اليوم وأن يأتي رئيس إصلاحي، سيادي غير فاسد يبغي فعلاً بناء الدولة، في حين أن أولويّة «حزب الله» هو الإتيان برئيس يدين له بالولاء الكامل بغية مساعدته في بناء المحور ككل، بدءاً من الضاحية الجنوبيّة في بيروت وصولاً إلى طهران ومن ثم إلى صنعاء. من هذا المنطلق يقوم «حزب الله» بتعطيل الانتخابات الرئاسيّة».
– عملياً سبق جعجع حزب الله بأكثر من شهرين في تحديد مواصفاته الرئاسية، حيث أطلق في 3 أيلول دفتر شروط القوات الرئاسي، بينما لم يحدّد حزب الله مواصفاته الرئاسية الا في إطلالة لأمينه العام السيد حسن نصرالله في 11 تشرين الثاني، وكي لا نقع في تحليل النيات تسهل العودة للنصين، لمعرفة مدى انطباق توصيف التعطيل على مواصفات الطرفين، حيث يقول جعجع في أيلول الماضي، «نريد رئيس مواجهة، ولو أن البعض يعترض بأعلى صوته ويطالب بـ»رئيس تسوية» يجمع الكل حوله، على الرغم من أن وضعنا اليوم نتيجة هكذا منطق ونتيجة حكومات الوحدة الوطنية المزيّفة ورؤسائها، نريد رئيساً يتحدى الواقع المزري الذي نعيشه، لا رئيساً وسطياً بين مشروع الخراب والدمار من جهة، ومشروع الإنقاذ المطلوب من جهة أخرى». وفي تشرين الثاني يقول السيد نصرالله إنّ «حزب الله يريد رئيساً شجاعاً في بعبدا، لا يخاف ولا يتنازل ويقدّم المصلحة الوطنية على خوفه، ولا يُباع ولا يُشترى». ويضيف «نحن لا نريد رئيساً يغطّي المقاومة أو يحميها، لأنّها لا تحتاج إلى حماية، إنّما نريد رئيساً لا يطعنها في الظهر». ويختم «لا خيار أمام اللبنانيين إلاّ الحوار فيما بينهم من أجل إنجاز استحقاق الرئاسة».
– خلال خمسة شهور، هي شهور ما بعد بدء المهلة الدستورية لانتخاب رئيس الجمهورية، تركز خطاب جعجع الرئاسي على أربعة عناوين، رئيس يخوض المواجهة مع حزب الله الذي يحمله جعجع مسؤولية كل الأزمات، رئيس يجمع ما يعتقد جعجع أنها الأغلبية التي فازت في الانتخابات تحت عنوان التغيير ومواجهة حزب الله، رئيس يصل عبر أغلبية 65 صوتاً يعتقد أنهم أصوات هذه المعارضة وليس عن طريق حوار يهدف لإنجاز تسوية أو توافق معتبراً أن تجميع الـ 65 صوتاً لمرشح تؤيده هذه المعارضة سيفرض مناخاً داخلياً وخارجياً يلزم الكتل النيابية الأخرى بتأمين النصاب لانتخابه، التلويح بتعطيل النصاب إذا توافرت فرصة انتخاب رئيس تلتقي حوله كتل نيابية أخرى تجمع 65 صوتاً عبر الحوار والتوافق، وصولاً للتلويح بإعادة النظر بالهيكلية الدستورية والقانونية للدولة، في حال حدوث ذلك، بما فهم منه استعداد لطرح صيغ للفدرالية او التقسيم. وبالمقابل تركزت خطابات السيد نصرالله، على أربعة عناوين موازية، إن البلد كما المجلس النيابي منقسمان ولا أحد يملك أغلبية تسمح له بافتراض القدرة على إيصال رئيس للجمهورية دون حصول حوار وتوافق. الرئيس الذي يريده البعض لمواجهة المقاومة يهدّد السلم الأهلي في البلد ويأخذه خارج أولويات الناس الإنقاذية لحساب دفتر شروط خارجي، الذين يرون أن علاقة المقاومة بالدولة من المواضيع التي يجب ان يتولاها الرئيس المنتخب يجب أن يفكروا برئيس يطمئن المقاومة ولا يطعنها، ليكون مؤهلا لإدارة الحوار حول الاستراتيجية الدفاعية، الذين يعتقدون ان من أولويات اللبنانيين إعادة النازحين السوريين يجب ان يفكروا برئيس يجمع الى قدرته على اعادة تنشيط العلاقات مع الدول العربية قدرته على الحوار والانفتاح وبناء جسور الثقة مع سورية.
– واقعياً وبعد خمسة شهور يتأكد كل يوم أن اعتقاد جعجع بوجود أغلبية مؤيدة لخطابه للمواجهة مع حزب الله وتتبنى مواصفات جعجع الرئاسية، وأن تجميعها كأولوية تؤدي الى انتخاب رئيس للجمهورية هو مسألة تقنية، مجرد وهم غير قابل للتحقيق، ويتأكد أن ما تم تجميعه من أصوات للمرشح ميشال معوّض يتناقص، وهو لم يبلغ في الذروة الثلث المعطل للنصاب ( 43 صوتاً) فكيف بالأغلبية المطلوبة (65 صوتاً)، وقد بات بعد إعلان النائب السابق وليد جنبلاط أن مرحلة معوض قد وصلت الى طريق مسدود، قرابة الـ (30 نائباً)، وواقعياً يبدو أن المأزق الرئاسي ليس ناجماً عن تعطيل جعجع، ولهذا لا يتهمه حزب الله بالتعطيل، بينما هو يتهم حزب الله بالتعطيل، وكأنه بات يمتلك أغلبية الـ 65 نائباً لمرشح يؤيده، ويقوم حزب الله بتعطيل النصاب لانتخابه، وجعجع وسواه يعلمون أن تعطيل النصاب الذي يجري بعد كل دورة انتخاب أولى، ليس ناجماً عن الخشية من انتخاب مرشح يملك 65 صوتاً، بل تثبيت لمبدأ الحاجة للحوار لإنتاج التوافق، أسوة بوظيفة التصويت بورقة بيضاء، وبينما يرتبك جعجع وحلفه بين تبني نصاب الـ 65 صوتاً والتهديد بتعطيل نصاب الثلثين (86 صوتاً)، يسعى حزب الله وحلفاؤه لخلق فرصة لتأمين نصاب الـ 86 صوتاً وأغلبية انتخابية بـ 65 صوتاً، عبر التوافق.
– الصحيح أن أولوية اللبنانيين هي برئيس يحقق الاستقرار لا رئيس يصيبه بالاهتزاز، ورئيس يدير الحوار ويبني له جسوراً، لا رئيس يبني الجدران ويهدم الجسور بين اللبنانيين، والجسور مطلوبة بين الرئيس وكل اللبنانيين، ومنهم القوات، لكن منهم أيضاً حزب الله، ومثلها يبني الجسور مع الدول العربية، ومنها السعودية، لكن منها سورية أيضاً. أما البرامج فهي مهمة الحكومات ومن خلفها الأغلبية النيابية التي تنتج الرئيس، وليست من مهام الرئيس.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى