مقالات وآراء

زيارة الرئيس الأسد إلى سلطنة عُمان دلالاتها السياسية والإنسانية

‭}‬ جمال بن ماجد الكندي
جاءت زيارة الرئيس السوري الدكتور بشار الأسد إلى سلطنة عُمان مفاجئةً للعديد من المتابعين والمحللين في الشأن السوري، بسبب تزامنها مع الوضع الحرج والحساس الذي تمرّ به سورية من تبعات الزلزال المدمّر الذي ضرب مناطقها الشمالية قبل أسبوعين.
هذه الزيارة صُنِّفَتْ بأنها زيارة عمل، أيّ أنها لغاية معينة وضرورية كون الرئيس بشار الأسد لا يخرج كثيراً في زيارات خارجية معلنة، وهذه هي الزيارة الثانية للرئيس السوري لدولة عربية منذ بدء الأزمة السورية عام 2011.
وقبل أن نحلل دلالات الزيارة سياسياً وإنسانياً نبيّن لماذا سلطنة عُمان كانت وجهة الرئيس الأسد في هذا التوقيت بالذات، وهل سيكون لها دور معيّن في حلحلة التباينات السياسية، وتقريب وجهات النظر مع البيت الخليجي والعربي تجاه سورية؟
جواباً لهذه الأسئلة نرجع قليلاً إلى الوراء ونستذكر الأزمة السورية عند وجود العنصر المسلح فيها الذي كان يقاتل الدولة السورية، فنرى أنّ العديد من الدول في المنطقة دعمت هؤلاء المسلحين مع تنوّعهم الفكري المختلف، فكانوا يختلفون في التوجه العام مع توحد الغاية مع بعضهم البعض، ومع من يدعمونهم مالياً، وسياسياً، وعسكرياً، وإعلامياً هو في إسقاط الحكومة السورية.
سلطنة عُمان كانت سياستها مغايرة لكثير من دول المنطقة في الشأن السوري، فهي لم تقم بدعم أيّ فصيل سياسي أو عسكري على حساب الدولة السورية، وكانت تقول هذا شأن سوري داخلي ولا بدّ من حله عبر البيت العربي، وكانت أقرب إلى منطق الحكومة السورية لكي لا يكون السيناريو السوري سابقة لأيّ دولة في التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى تحت ذرائع مختلفة. سلطنة عُمان لم تقطع علاقاتها مع الحكومة السورية وظلت سفارتها مفتوحة في دمشق، والسفارة السورية مفتوحة في سلطنة عُمان.
سلطنة عُمان هي الدولة الخليجية الوحيدة التي زار وزير خارجيتها السابق يوسف بن علوي دمشق والتقى الرئيس بشار الأسد.
هذه النقاط الثلاث هي التي كانت تحدّد لنا بوصلة العلاقة السورية العُمانية بأنها كانت ثابتة، ولم تتغيّر بسبب الأزمة السورية، فكانت سلطنة عُمان أكثر الدول العربية، وطبعاً الخليجية، قدرة على إيصال وجهة النظر السورية للعرب. ولا ننسى زيارة وزير الخارجية السوري الدكتور فيصل المقداد إلى سلطنة عُمان في شهر آذار/ مارس 2021.
هذه المعطيات هي موقف سلطنة عُمان تجاه الأزمة السورية، والزيارات التي حصلت بين سلطنة عُمان وسورية على المستوى الوزاري تكشف لنا بأنّ سلطنة عُمان هي الوجهة السورية المناسبة لخلق تقارب خليجي عربي تجاه سورية، وطي صفحة الماضي، ومحاولة بناء سياسات جديدة تجاه الدولة السورية، خاصةً بعد كارثة الزلزال المدمّر الذي ضرب مدنها الشمالية، فتكون المصالحة عبر البوابة الإنسانية.
الذي ذكرناه من مواقف لسلطنة عُمان حيال الأزمة السورية هو المفتاح الذي يرشدنا لماذا تتصدّر عُمان دائماً إيجاد الحلول السياسية في المنطقة، والأمر بات معروفاً لدى كثير من المتابعين للسياسة الخارجية العُمانية، التي عُرفت بالإطفائي الذي يحاول ضمان الأمن في المنطقة، وإنزال من يتسلق أعلى الشجرة، ولا يعرف كيفية النزول منها، أو لا يريد النزول منها بسبب الكبرياء السياسي. هنا يأتي دور سلطنة عُمان في حلحلة الأزمات السياسية والعسكرية بسبب موقفها السياسي تجاه فرقاء الأزمات السياسية والعسكرية في المنطقة.
من هنا ندخل في دلالات هذه الزيارة والتي كما قلنا تصنف بزيارة عمل، فنحن نستنتج أهميتها في مدلول الوقت، فالوقت يخبرنا بأنها مهمة وتحمل في طياتها مبادرات ومقاربات وتغيّرات في الاصطفافات السياسية التي كانت ضدّ سورية وقت ذروة أزمتها الداخلية، عندما كان ما يقارب 75% من الأراضي السورية خارج نطاق سيطرة الحكومة، واليوم تغيّر الحال وأصبحت غالبية المناطق السورية تحت سيطرة الحكومة ما عدا بعض المناطق في الشمالي الغربي والشمالي الشرقي، وحادثة الزلزال ربما تسرّع في بلورة اتفاق سوري تركي بمباركة عربية، خاصة مع وجود مصالحة تركية مع دول عربية كانت على غير وفاق معها بعد محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا عام 2016.
إنّ دلالات الوقت لزيارة الرئيس السوري لسلطنة عُمان تكمن في حساسية الوضع السوري إنسانياً وسياسياً وعسكرياً، لذلك فالزيارة تحمل عناوين كثيرة لا نعلمها، ولكنها مهمة وتصبّ في مساعدة سورية للتقارب مع بعض الدول الخليجية الفاعلة في المنطقة، وإيجاد حلول وسط ترضي جميع الأطراف، وربما كانت الأزمة الإنسانية التي حصلت للدولة السورية هي من ستسارع في إيجاد صيغ تقارب سوري خليجي عربي عبر البوابة الإنسانية.
هنا تأتي الدبلوماسية العُمانية في تحقيق هذا الأمر، وهو رجوع سورية إلى الحضن العربي، وفق تفاهمات ترضي الجميع، طبعاً هو تحليل ولا أحد يملك المعلومة الكاملة لسبب الزيارة غير أنها زيارة عمل، ولكن الذي ندركه أنّ زيارة الرئيس بشار الأسد إلى سلطنة عُمان في هذا الوقت الحساس تحكمها معطيات معينة يعرفها الجميع، ونحن كما قلنا نملك التحليل لا المعلومة، وما علينا إلا الانتظار، ولكن الذي نعلمه يقيناً أنّ سلطنة عُمان لم تكن فقط صندوق بريد بين المتخاصمين سياسياً وعسكرياً، بل كان لها الدور في إبداء الاقتراحات الفعّالة والبناءة لحلّ مشاكل المنطقة، والتاريخ يشهد لها بذلك.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى