أولى

ماذا يريد هؤلاء الزائرون؟

‭}‬ سعادة مصطفى أرشيد*
يزدحم شرقنا بالأحداث المثيرة وعلى كلّ صعيد، ولكن زيارة رئيس الأركان الأميركي للمنطقة وخاصة الشمال السوري قد تكون الأكثر خطورة في أبعادها ومراميها، وكانت قد سبقتها زيارات لكلّ مسؤولي الصف الأول في الإدارة الأميركية. ترتبط هذه الزيارة بملفات سورية وتركية والأكراد، ثم بالملف الإيراني والعراقي بالطبع في الملف الفلسطيني ـ «الإسرائيلي» ولقاء شرم الشيخ القريب (العقبة 2).
في الملف الأول تشعر واشنطن بالقلق من التقارب السوري التركي وبذلت وتبذل جهوداً لعرقلته، وتريد الاستمرار في حرمان الدولة السورية من نفطها الذي تسرقه الجماعات المدعومة من واشنطن، وهي بعد أن استفزت الأكراد بأقصى ما استطاعت وأصبحوا على ما يبدو عاجزين في هذه المرحلة عن تقديم المزيد، أخذت تبحث عن صيغة جديدة تضع فيها الأكراد على مقاعد الاحتياط وتدعم بدلاً منهم واجهات عشائرية على طريقة الصحوات العراقية، بحيث تخدم هذه العشائر بشكل عابر لحدود سايكس بيكو بين الدولة السورية والدولة العراقية، وتقطع الطريق البري الواصل بين طهران والحشد الشعبي من جهة وبين دمشق والضاحية الجنوبية من جهة أخرى.
التفاهمات السورية ـ التركية التي قطعت أشواطاً واسعة وسوف تصبّ في مصلحة دمشق وأنقرة (أردوغان) على حدّ سواء، فهي تساعد الدولة السورية على إعادة فرض سيادتها على أرضها والأتراك الذين سحبوا الكثير من مجموعاتهم وشاركوا في العمل على سحب مجموعات أخرى وترحيلها إلى بلادها أو إلى حيث يجدون لهم عملاً، ومنهم جماعات الإيغور ذات الأصول الصينية، وعلى الخروج مع الحفاظ على ماء الوجه من المأزق الذي تورّطت به حين راهنت على سقوط الدولة السورية والحصول على أجزاء منها.
تريد واشنطن استمرار استنزاف كلّ من سورية وتركيا، بما يُذكّر بموقفها من الحرب العراقية ـ الإيرانية التي خرج منها الفريقان خاسرين، وترى أنّ الانفراج السوري ـ التركي من شأنه أن يساعد أردوغان في معركته الانتخابية الأخطر للبقاء في مقعد الرئاسة، حيث يمرّ أردوغان بأوقات صعبة. فالشعب الذي استفاد من سياسات أردوغان على مدى عقدين من الزمن أصبح يميل إلى تجربة مختلفة وذلك بغضّ النظر عن إنجازاته، وجاء الزلزال ليضيف إلى متاعبه ضرورة العمل على إعادة بناء ما تدمّر وإسكان وإطعام ملايين المتضرّرين والمهجرين من الزلزال بمن فيهم السوريون المقيمون في تركيا، رفع الزلزال وتداعياته من التضخم وأثر سلباً على سعر صرف الليرة التركية، وفوق ذلك أعلنت ستّ من القوى المعارضة الرئيسية عن تحالفها واتفاقها على مرشح مشترك للتنافس مع أردوغان، في هذا الوضع الصعب قد يكون إنقاذ أردوغان قد أصبح بيد دمشق الأمر الذي لا تريده واشنطن ورئيس أركان جيوشها.
الملف الثاني إيران ومسائل أربع: المشروع النووي والمشروع الصاروخي والعلاقات مع روسيا والمشاركة في الحرب مع أوكرانيا وأخيراً أذرع إيران الممتدة من باب المندب إلى غزة وما بينهما، حاولت واشنطن وتل أبيب استثارة المجتمع المدني وقضايا الحريات والمرأة في إيران، ولكن الدولة استطاعت سريعاً معالجة هذه المسألة، فلجأت واشنطن وتل أبيب إيقاع الأذى في إيران عبر عمليات أمنية معقدة استطاعت أن تنال من أهداف دقيقة وأضرّت بهيبة الدولة مؤقتاً وأرهقتها، ولكنها لم تكن ذات تأثير على إيران من النواحي الاستراتيجية التي بقيت على ما هي عليه…
في هذه الأيام تذيع أوساط محافظة في واشنطن بالتنسيق مع تل أبيب أنّ إيران لم يعد يفصلها إلا أيام قليلة عن امتلاك القنبلة الذرية أو عناصرها، وأنّ مخزونها من اليورانيوم المخصب يفوق بعشرة أمثال المسموح به من قبل وكالة الطاقة الذرية. وتزيد الأخبار في مبالغات ـ نرجو أن تكون صحيحة حول القدرة الفائقة للمنظومات الصاروخية الإيرانية وحول صفقات الأسلحة المتطورة والفتاكة التي حصلت عليها إيران من روسيا بعد مبادلتها بالطائرات المُسيّرة. «إسرائيل» تسعى لتوريط واشنطن ودول البترودولار في حرب مع إيران وازداد هذا السعي مع وصول نتنياهو إلى سدة الحكم من جديد، وهو الذي كان قد عطل العمل في عهد حليفه ترامب بالاتفاق الذي أبرمته طهران مع إدارة أوباما- بايدن أثناء حكم الثنائي، عادت «إسرائيل» من جديد للنفخ في نار الحرب خاصة مع ما تشهده من حالة شقاق وانقسام أصابت عمق المجتمع «الإسرائيلي»، وذلك أمر قد لا يمكن تجسيده إلا بحرب خارجية تورّط بها تل أبيب واشنطن والخليج، هذا فيما تميل الإدارة الأميركية للاستمرار في سياسات الحصار والإرهاق والتفرغ للحرب الروسية الأوكرانية والصين، زيارة الجنرال الأميركي توحي بأنّ بلاده ترى أنّ احتمالات المواجهة محتملة وإنْ كانت لا تحبّذها. الملف الثالث هو المرتبط بالأوضاع في فلسطين ومسارات الصراع، ففي حين تعاني السلطة من الجمود وتآكل دورها السياسي لصالح وظيفتها الأمنية، تريد الحكومة «الإسرائيلية» الإسراع في حسم الصراع تجاه المسائل العالقة وكحدّ أدنى السيطرة على القدس وتقاسم المسجد الأقصى وضمّ مناطق c كما حدّدها اتفاق أوسلو وهي البالغة 60% وهي التي تمثل 22% من أرض فلسطين الانتدابية، بمعنى أن تكون حصة الفلسطيني من فلسطين بحدود 9% بالطبع ودون سيادة حقيقية، لا ترى واشنطن من بأس في حسم الصراع كما تريد الرؤية الإسرائيلية، خاصة إنْ حظي ذلك بقبول إقليمي وهو أمر غير مستبعَد وإنْ استطاعت الخطط المعدة في قمة العقبة أن تنجح في ضرب المقاومة وما سيعدّ وتتمّ مراجعته في قمة شرم الشيخ (العقبة 2) وما جرى عصر الثلاثاء في مخيم جنين نموذجاً، رمضان على الأبواب وقد يكون الاختبار الحقيقي. كلّ زيارة لمسؤول أميركي هي مدعاة للشرّ وهذه ليست استثناء.
*سياسي فلسطيني
مقيم في الكفير ـ جنين ـ فلسطين المحتلة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى