الوطن

الشارع يشتعل وقطع طرقات بالجملة احتجاجاً انهيار مُريع لليرة والدولار تجاوز كلّ الحدود ودعوات لتحرُّك نقابي سريع «المركزي» يُقرّ متأخِّراً بقدرته على لجم التدهور واتهامات لسلامة بالتلاعب

تصدّر الانهيار المُريع والخاطف لليرة اللبنانيّة أمام الدولار الأميركي الذي تجاوز في ارتفاعه كلّ الحدود فوصل إلى سعر 140 ألف ليرة، من دون أيّ مبرِّر اقتصادي أو مالي مفاجئ، اهتمام الأوساط السياسيّة والاقتصاديّة والشعبيّة، ما دفع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة إلى الإعلان عن تدخّل المصرف لشراء الأوراق النقديّة اللبنانيّة وبيع الدولار نقداً على سعر صيرفة بـ 90,000 ل.ل، مقابل كلّ دولار، مُقرّاً بقدرته على ذلك، ما طرح علامات استفهام حول تأخرّ «المركزي» بهذه الخطوة وإن كانت لا ترفع العملة الوطنيّة من الحضيض الذي وصلت إليه.
وتوازياً مع قرار المركزي، قرّرت المصارف تعليق إضرابها اعتباراً من اليوم. أمّا على المستوى الشعبي، فقد غصّت الشوارع أمس بالمحتجّين على انهيار سعر صرف الليرة اللبنانية أمام الدولار وتردّي الأوضاع المعيشيّة والارتفاع الكبير لأسعار السلع الاستهلاكيّة الرئيسة.
وأقفل محتجّون أوتوستراد أنفه باتجاه بيروت بالإطارات المشتعلة، فيما قُطع أوتوستراد الجية بالاتجاهين عند مفرق المسار. وقطع محتجّون الطريق عند ثكنة بنوا بركات في صور خطّ الناقورة قبل المستشفى اللبناني – الإيطالي بالإطارات المُشتعلة. وكذلك فعل شُبّان في طريق البداوي الدولي الذي قُطع في الاتجاهين وقد أعاد الجيش فتحها لاحقاً.
وكان المحتجّون قد قطعوا الطريق عند مفرق أوتوستراد البداوي الجديد، بعدما وضعوا شاحنات وسيّارات وإطارات وحاويات نفّايات في وسطه، ما تسبب بازدحام خانق لحركة السير في المنطقة وفي الطرقات الفرعيّة البديلة.
وأفادت «غرفة التحكُّم المروري» أن السير قُطِع عند مستديرة العبدة في عكّار، فيما عمد عدد من المحتجين إلى قطع طريق السويقة الجسرين في طرابلس بحاويات النفّايات والحجارة، ورددوا هتافات تطالب بإيجاد حلول سريعة قبل فوات الأوان.
وقطع أهالي بلدة بريتال شرقيّ بعلبك الطريق الدولي بالاتجاهين وذلك بعد أن أقفل أصحاب الفانات الطريق الدولي عند دوّار الجبلي بإتجاه بيروت احتجاجاً على رفع تكلفة النقل وعدم تحمّلهم أعباء النقل وغلاء أسعار المحروقات.
كما قطع أهالي بلدة الجديدة الزيتون الطريق الدولي بإتجاه حمص بعلبك بالاتجاهين.
… أخيراً «المركزي» يتدخّل
وقرابة المساء أعلن حاكم «المركزي» في بيان، أنّه «بناءً لقانون النقد والتسليف وللمواد 75 و83 وبناءً لموافقة دولة رئيس الوزراء ومعالي وزير المالية، عن إجراء عمليّة مفتوحة ومستمرّة لشراء الأوراق النقديّة اللبنانيّة وبيع الدولار نقداً على سعر صيرفة. يُحدّد سعر صيرفة ب 90,000 ل.ل، مقابل كل دولار ابتداءً من 21 آذار 2023»، مشيراً إلى أنّه «يُمكن للجمهور أن يُسلِّم الليرة النقديّة إلى الصرّافين من فئة «أ» أو إلى المصارف العاملة ويتسلّم الدولار بعد ثلاثة أيّام» و «تُسجَّل كلّ العمليّات على منصّة صرفة. و يُمكن للمصارف التي تعود عن إضرابها المشاركة في هذه العمليّة».
وأوضح «أنّ الهدف من هذه العمليّة هو الحدّ من ارتفاع سعر صرف الليرة في السوق الموازية والمحافظة على قيمة الودائع بالدولار المحليّ».
وفي بيان لاحق، أشار سلامة إلى أن «القرار الذي اتخذناه اليوم جاء لسحب كلّ الليرات اللبنانيّة من السوق»، وقال «إن مصرف لبنان لديه القدرة على ذلك»، مؤكّداً «إصراره على تنفيذ هذا القرار لمصلحة قدرة المواطنين الشرائيّة».
وبعد بيانيّ سلامة، أعلنت جمعيّة المصارف، أنّه «بمناسبة بداية شهر رمضان الكريم وتسهيلاً لأمور المواطنين كافّة وعلى ضوء الاتصالات الجارية مع السلطات المعنيّة لمعالجة الخلل في المرفق القضائي والمرفق التنظيمي، تُقرِّر جمعية مصارف لبنان تعليق الإضراب ومتابعة اتصالاتها بالسلطات المعنيّة، على أن تتخذّ موقفاً على ضوء النتائج العمليّة لهذه الاتصالات، وذلك ابتداءً من صباح يوم غدّ (اليوم)».
وفي موازاة ذلك، استغرب رئيس الهيئات الاقتصاديّة الوزير السابق محمد شقير في بيان «عدم وجود أيّ ردة فعل من قبل السلطة الحاكمة والقوى السياسيّة إزاء ما يحصل من انهيار اقتصادي ومالي ونقدي ومعيشي دارماتيكي خطير، وبلوغ سعر صرف الدولار 140 ألف ليرة»، معتبراً أنّ ذلك «يظهر للأسف استسلام هذه السلطة والقوى السياسيّة لهذا الواقع المرير والمصير المأسوي، وهذا أخطر ما يُمكن أن يشهده لبنان على الإطلاق».
وحذّر من أنّ «الوطن يتجّه نحو الارتطام الكبير والشعب بجميع فئاته، بات معذّباً ومقهوراً ومذلولاً وضائعاً»، سائلاً القوى السياسيّة «هل هذا هو لبنان الذي تريدون؟ مهما كانت طموحاتكم وأهدافكم، هل هي أهمّ من مصير وطن وحياة اللبنانيين ومعيشتهم ومستقبلهم؟».
أمّا أمين الهيئة القياديّة في «حركة الناصريين المُستقلين – المرابطون» العميد مصطفى حمدان فكتب على مواقع التواصل الاجتماعي «أكبر عمليّات تبييض أموال بساعات، رياض سلامة فتح الغسّالات بتلاعب سعر الصيرفة مليارات الدولارات ذهاباً وإياباً من دون رقيب»، معتبراً أنّ «مردود الفوضى الماليّة والرعب الاجتماعي الاقتصادي، إفادة مطلقة للقوى المذهبيّة والطائفيّة المهيمنة على مصير البلد والميقاتي مسؤول عمّا يجري مسؤوليّة كاملة».
ووجّه المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان نداءً حذّر فيه اللبنانيين من أنّ «اللعبة دوليّة وخطيرة جداً، والمشروع الدولي قنبلة موقوتة وهي الآن بقلب هيكل لبنان، والبلد مفتوح على أخطر فتنة، واللعبة النقديّة أميركيّة بامتياز، والعين على تقسيم وتفتيت وجنائز وكوارث لإنهاء وجود لبنان، فالحذر الحذر».
أضاف «اليوم البلد على المذبح والمطلوب من بعض القيادات التاريخيّة بهذا البلد أن تأخذ دورها التاريخي لإخراج لبنان من مقتل الفراغ الرئاسي، وندائي اليوم نداء ضمير ووجدان يجمع كلّ آلام هذا البلد ومرارة تاريخه وأوجاعه لإنقاذ هذا البلد المصلوب من فتنة الفراغ الرئاسي».
واستهجنت نقابة محرِّري الصحافة في بيان «سكوت المسؤولين أو من تبقّى منهم حيال التدهور المتسارع للأحوال سواء على المستوى النقدي أو المعيشي، حتى بات اللبنانيون في المجاعة التي سوف تتسّع دائرتها، وسط تجاهل مريب من قبل هؤلاء المسؤولين والدول الشقيقة والصديقة».
أضافت «ويبدو أنّ لغة المناشدة لم تعد تُجدي مع المعنيين، فيما البلاد أصبحت فريسة المافيات على أنواعها في كلّ القطاعات اللصيقة بحياة المواطنين، والمتصلة بلقمة عيشهم. وفي ظلّ تواصل انحدار الخدمات الصحيّة والاستشفائيّة»، داعيةً «الاتحاد العمّالي العام، نقابات المهن الحرّة، الهيئات الاقتصاديّة إلى الاجتماع في أقرب وقت، وإقرار خطّة تحرّك عاجلة وإطلاق انتفاضة شعبيّة تنطلق من برنامج إصلاحي شامل، يوقف هذا التدهور ويُنتج سلطة جديدة تكون قادرة على إحداث تغيير نوعي يفضي إلى الإنقاذ الذي يحتاج إليه لبنان».
وأشار «المرصد الأوروبي للنزاهة في لبنان» إلى أنّ الانهيار الذي تشهده الليرة مقابل الدولار الأميركي في بيروت كبير جداً ويستدعي التوقّف عنده»، مشدّداً على أنّ «المسؤوليّة الكبرى تقع على الحكومة وعلى حاكم مصرف لبنان رياض سلامة المُلاحق في العديد من دول العالم بتهم الاختلاس وتبييض الأموال والإثراء غير المشروع والتزوير واستعمال المزوّر».

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى