أخيرة

نافذة ضوء

ثورة النهوض وضوح
‭}‬ يوسف المسمار*
إن حقيقة ثورة النهوض واضحة، ومبادئها واضحة، وغايتها واضحة ومؤيديها واضحون، ورافضيها واضحون، وإن الأصدقاء واضحون والأعداء واضحون ولا يُخفى كل هذا الوضوح إلا على الذين مُسخوا في عقولهم ووجداناتهم وضمائرهم وباتوا هياكل خالية فارغة من كل ما يميّز الإنسان عن غيره من بهيمة أو جماد.
إن أجيال المستقبل تنادي، والتاريخ ينتظر ليسجّل. فسقوط بغداد ما كان إلا توطئة لسقوط دمشق، وسقوط دمشق معناه سقوط بغداد وبيروت والقدس وعمان، وبسقوط هذه الحواضر يسقط العالم العربي سقوطه النهائي وتسقط العروبة الى الأبد، ولا معنى بعد ذلك لرسالات إنسانية مسيحية ومحمدية وعربية وحضارية في هذا الوجود.
لكن بغداد لم تسقط بل أسقطت من أراد لها السقوط، وجيّش العالم لإسقاطها فكانت السد المنيع الذي حفظ دمشق من السقوط، فحفظت بيروت والقدس وعمان وجميع حواضر العروبة، وبانت لأصحاب البصائر السليمة فكرة العروبة الواقعية الصحيحة التي تقول بإنشاء جبهة عربية منيعة من الشعوب العربية السيدة الحرة المستقلة تكون سدا في وجه المطامع الاستعمارية البغيضة وليس جامعة الكيانات الهزيلة التابعة المستعبدة التي تجمع الأنذال والعملاء والخونة والمأجورين.
لقد صدق ذلك السوري العظيم أنطون سعاده الذي قال:
«متى كانت المسألة مسألة العالم العربي تجاه غيره من العوالم فنحن السوريين صدر العالم العربي وترسه وسيفه وحماة الضاد ومصدر الإشعاع الفكري في العالم كله».
وهو نفسه القائل في رده على الرومانسيين المغرضين والغوغائيين «نحن لا نقول بالوحدة العربية بل نعمل لها». وشتان شتان ما بين فعالية القول والتبجح وفعالية العمل والتنفيذ، ولذلك «سواء أفهمونا أم أساؤا فهمنا، فإننا نعمل للحياة ولن نتخلى عنها» وسوف يستمر نهجنا في الحياة:
بغير ِ سمّونا لا شيء يسمو فمنا للسما فقط العبورُ
وأفقُ سمائنا أبداً تسامي سماءٌ تنطوي وسما تثورُ
وما رام التسامي غيرُ حر ٍ بعطرِ دمائه امتزج الأثيرُ
وأرقى من سما في الأرض قومٌ يطالُ طموحُهُمْ ما طالَ نورُ
هُمُ القومُ الألى ثاروا وضحوا لينتصرَ المقدّسُ والطهورُ
إن الثورة التي اقتنعنا بصلاحها لأمتنا، وآمنا بها، واخترنا العمل بمضامينها بمطلق وعينا وكامل إرادتنا، والجهاد لانتصارها بكل ما وهبتنا الحياة من قوى، هي ثورة النهضة.
إن حقيقة ثورتنا هي ثورة الأحرار الأمناء التي لا مكان في صفوفها للمتخاذلين والأذلاء والخونة والمتلاعبين بالعواطف، هي حركة صراعية تسير دائماً الى الأمام حاملة مشاعل الهداية والتقدم والرقي والكرامة لأجيال الأمة، وواضعة حداً لعهود التخلف والذل والمهانة ومجددة ثورة المسيح الهادي والثائر على الطقسية اليهودية والذي جاء ليدمر تراثها اليهودي الخرافي الوثني خافقاً صوته عبر العصور:
«ما جئت لألقي سلاما بل حرباً. ويل لكم أيها الكتبة والفريسون المراؤون».
واضعين نصب أعيننا الآية القرآنية الحكيمة القائلة التي تقول: «ولتجدنَّ أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود…».
ورافعين شعار هداية الأجيال للأجيال:
«ليس لنا من عدوٍ يقاتلنا في حقنا وديننا ووطننا إلا اليهود…»، وكل من يساند اليهود في عدوانهم أو يعتدي على حقنا وديننا ووطننا.
ولسوف تستمر أجيالنا تصارع بكل ما فيها من قوة مدى الزمان حتى يتغير التاريخ ويستقيم مجراه السليم العادل.
بهذا الوضوح وبهذه العقيدة وبهذا الإيمان وهذه العزيمة لا بد من الوضوح الذي شدد عليه أنطون سعاده:
«الوضوح – معرفة الأمور والأشياء معرفة صحيحة، هو قاعدة لا بد من اتباعها في أي قضية للفكر الإنساني والحياة الإنسانية».

*باحث وشاعر قومي مقيم في البرازيل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى