أولى

لماذا غضبت واشنطن من قرار أوبك بلاس؟

– للمرة الثانية على التوالي تصاب واشنطن بالإحباط من جراء قرار تتخذه “أوبك بلاس” بتخفيض الإنتاج وما يترتب عليه من زيادة الأسعار، خصوصاً أنّ القرار يأتي بقيادة سعودية روسية مشتركة، حيث تحمّلت كلّ منهما مسؤولية تخفيض إنتاجها نصف مليون برميل يومياً بينما تحمّل سائر الأعضاء مجتمعين أكثر من نصف مليون برميل يومياً بقليل.
– القرار الذي أعلنت واشنطن أنه خطوة مؤذية للاقتصاد العالمي وتبعتها وكالة الطاقة الدولية ببيان مماثل لا يبدو بعيداً عن البصمات الأميركية، هو تعبير عن أنّ الرياض ومعها دول النفط العربية وخصوصاً الخليجية، تعتبر أنّ الأولوية الحاكمة لقراراتها النفطية هي مصالحها، بعد عقود كانت الأولوية تقوم على ما يسمّى مصلحة السوق، وكانت تلك التسمية تمويهاً للانضباط بالمصالح والحسابات الأميركية.
– أيّ تقييم للعلاقة الأميركية السعودية واستطراداً الأميركية الخليجية يفضي الى ثلاثة محاور تمنحها الأهمية الاستراتيجية، المحور الأول هو السياسات النفطية لدول الخليج وانضباطها بالسقوف الأميركية انطلاقاً من أنّ إمساك واشنطن بسوق الطاقة عبر دول الخليج شكل على الدوام أحد أدوات السطوة الأميركية في العالم، ولا تخفي واشنطن في تحديدها للأهمية الاستراتيجية لعلاقتها بالخليج وتحديد سياساتها الشرق أوسطية، القول انّ النفط والطاقة يشكلان أبرز أسباب هذه الأهمية.
– المحور الثاني هو اعتبار دول الخليج منطقة حيوية اقتصادياً وثقافياً لدمج “إسرائيل” في المنطقة، عبر مشاريع التطبيع، واعتبار التطبيع مع السعودية حلقة محورية في تصفية القضية الفلسطينية وتأمين شبكة أمان لكيان الاحتلال على حساب الحقوق الفلسطينية وخارج حسابات التسوية التي كانت تضمّنتها المبادرة العربية للسلام التي أطلقتها السعودية وتبنتها قمة بيروت العربية عام 2002.
– أما المحور الثالث فهو الموقع الحساس قومياً وجغرافياً ومذهبياً ومالياً وأمنياً لدول الخليج في مواجهة إيران، منذ انتصار الثورة الإسلامية فيها عام 1979 وتحوّلها تدريجياً الى قاعدة مواجهة لمشروع الهيمنة الأميركية في المنطقة، ولدعم قوى المقاومة بوجه كيان الاحتلال، وعلى هذا الرهان قامت حرب العراق على إيران بتمويل وتشجيع خليجي وخصوصاً سعودي، والسعي لتحويلها الى حرب عربية فارسية، ثم منذ الغزو الأميركي للعراق بمباركة عربية وخليجية خصوصاً وبقيادة سعودية، والرهان على إشعال فتنة مذهبية في المنطقة، وصولاً الى الحرب على سورية بصفتها من وجهة نظر أميركية وخليجية حرباً في مواجهة ما يسمّونه بـ “الهلال الشيعي”، والمقصود محور المقاومة الذي تشكل فلسطين غير الشيعية قاعدته الرئيسية وبوصلته.
– الواضح أنّ واشنطن تنظر بعين القلق للخطوة السعودية في سوق النفط، لاجتماعها مع توجهات سعودية متلاحقة توّجها الاتفاق الثلاثي السعودي الإيراني الصيني، وما رافقه من إشارات واضحة لوجود نوايا سعودية بالتموضع على مسافة المصالح بين موسكو وبكين وواشنطن، من جهة، والتموضع خارج مسار التطبيع مع كيان الاحتلال ومسار التصعيد المذهبي إقليمياً، وهذا يعني اتساع الفجوة الفاصلة بين موقع السعودية والسياسات الأميركية في المنطقة.

التعليق السياسي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى