نقاط على الحروف

تهافت التهافت…
 إلقاء الحجة واجب

ناصر قنديل

– عندما نناقش مواقف التيار الوطني الحر من الاستحقاق الرئاسي، فنحن نفعل ذلك من باب الحوار، أي الانطلاق من قناعة قوامها أن المشتركات التي جمعتنا لا تزال ذات قيمة في تفكير التيار وقياداته وكوادره، ولأننا لا نريد أن نصدّق أنها كانت مجرد عناوين قابلة للاستبدال عند خلاف تكتيكي مثل الاستحقاق الرئاسي، وشرط بقائه خلافاً تكتيكياً هو أن لا يتحول بلغة التحدي والعناد والأنا السياسية إلى سبب للانقلاب على قواعد الخيارات الاستراتيجية، ذلك أن التيار يقدّم خلافه مع حزب الله رئاسياً، تحت شعار أن الحزب لم يعط الشأن الداخلي المتمثل بعنصري الإصلاح والتوافق الجامع مساحة كافية في خياره الرئاسي، لكنه يضيف أنه يقول ذلك دون التقليل من حجم أهمية موقف المرشح الرئاسي من المقاومة ودرجة الثقة بقدرة المرشح على الثبات على هذا الموقف، كما قال قادة التيار مراراً، ويقول إنه ليس صحيحاً أن المرشح سليمان فرنجية هو الوحيد الذي يمكن أن يحقق هذا الشرط المطمئن للمقاومة، طالما أن رئيس التيار النائب جبران باسيل غير مرشح، كما جرى في حوار رئيس التيار النائب جبران باسيل مع الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في الصيف الماضي.
– هذا يعني أن التيار هو صاحب الحديث عن الرئيس الإصلاحي والجامع توافقياً، وليس حزب الله، وأن هذه هي مآخذ التيار على ترشيح الحزب الوزير فرنجية، وأنه عندما يتجه التيار لتبني ترشيح ما، فيجب أن نتوقع أنه لن يقع بما اتهم الحزب بالوقوع به، ونحن هنا نناقش وفقاً لمعايير التيار لمفهوم “الإصلاحي” الذي يحظى بالتوافق الجامع ويمثل مصدر اطمئنان للمقاومة، دون أن نتبناها، ولذلك لا يمكن أن يردّ التيار على تطبيق معاييره على أي مرشح يتبناه هو، بالقول لكن مرشحكم ليس أفضل، ذلك أن حزب الله وضع مفهوماً مختلفاً للرئاسة والإصلاح عن مفهوم التيار. وهذا في علم الكلام إلقاء الحجة، وليس قبولاً بالمنطق الكامل المقابل، لأن تقييم الوزير فرنجية ومواقفه أو صفاته الإصلاحية ليست هي موضع النقاش، بل التسليم جدلاً بصحتها من وجهة نظر التيار يهدف لمناقشة خيارات التيار البديلة ودرجة احترامه لهذا المعيار الذي حاكم فرنجية على أساسه.
– كانت مآخذ التيار على ترشيح فرنجية خمسة، الأول أنه جزء من المنظومة الحاكمة التي رعت المحاصصة وشاركت فيها وأن علاقته برئيس مجلس النواب نبيه بري تشكل مصدر قلق على صعيد النظر لكيفية إدارة الدولة، والثاني أن فرنجية لا يحقق التوافق الجامع بغياب تأييده من كتل نيابية وازنة، والثالث أنه لا يملك تمثيلاً مسيحياً وازناً يكفي لتقديمه لرئاسة الجمهورية وهو المنصب الأول الذي يمثل المسيحيين في الدولة، والرابع أنه لا يملك فرص الفوز بالرئاسة بسبب حجم المعارضة التي سوف يواجهها داخلياً وبدعم خارجي، والخامس أنه بسبب دعمه من حزب الله سوف يتسبب بمعارضة دولية وعربية تزيد من عزلة لبنان والحصار المفروض عليه، وأنه يملك صفة واحدة من الصفات التي يسعى التيار لوجودها في المرشح الذي يمكن أن يحظى بدعمه وهي تأييده للمقاومة وطمأنته لها.
– من الممكن فهم موقف التيار على قاعدة الانسجام مع الذات، لأنه لم يتقدّم بترشيح رئيسه، رغم أن هذا الترشيح يقول إن هذا مرشح يطمئن المقاومة وإصلاحي ويمثل مسيحياً قوة كبرى، ذلك أن سائر الشروط غير متوافرة، كمثل عدم إمكانية تحقيق التوافق الجامع وتفادي الفيتوات الخارجية وتوفير فرص الفوز، ولذلك كان التيار يستطيع البقاء منسجماً مع نفسه لو أقدم على طرح ترشيح شخصية تحقق ما يمثله فرنجية من طمأنة للمقاومة، وتلبي صفات إضافية من سلة مآخذ التيار على فرنجية، إذا تعذر توافرها جميعها في شخصية واحدة، لكنه لم يفعل، ليس لأنه لا يرغب، بل لأنه وجد ذلك مستحيلاً، لأن المرشحين الذين يملكون حيثية مسيحية وازنة أربعة، وفرنجية أحدهم، وكل الباقي سيأتي بدعم كتل وازنة وليس بالاستناد إلى حيثيه خاصة، تفوقها حكماً حيثية فرنجية، ولن يكون ممكناً مقارنتهم بـ فرنجية في مجال طمأنة المقاومة، وسوف تبقى القدرة على الإجابة عن أسئلة مثل التوافق الجامع وفرص الفوز وتجاوز الحصار والقطيعة معلقة.
– خلال الشهور الماضية بقي التيار بلا مرشح لهذا السبب، اكتشاف أن المعايير التي وضعها لرفض فرنجية تشكل قيوداً يصعب إيجاد مرشح يستطيع تجاوزها. وبدأت التطورات تظهر أن مسيرة ترشيح فرنجية تتقدم في تجاوز العقبات التي قال التيار إنها عوائق لقبول ترشيحه، خصوصاً على صعيد ثلاثة عناصر، الإحاطة الخارجية التي تخطت مرحلة القلق من الحصار والقطيعة لتفتح آفاق مرحلة إيجابية في الانفتاح العربي والدولي، وفرص التوافق الداخلي الذي بدأت ملامحه تتسع ولو لم يبلغ المدى اللازم والمطلوب، وفرص الفوز التي ظهر أنها تتقدّم، ولو أنها لم تبلغ بعد مرحلة ضمان أغلبية الخمسة وستين صوتاً اللازمة لانتخاب الرئيس.
– هذا التقدّم في وضع فرنجية، نتج عنه تفكك الجبهة المقابلة لحزب الله التي تقودها القوات اللبنانية والتي نشأت لكسره وليس لكسر فرنجية، كما قال قادة القوات اللبنانية علناً، فخرج الحزب التقدمي الاشتراكي من هذه الجبهة في قراءته للتطورات الجارية في المنطقة وملاقاة التموضع السعودي الجديد، ملتقياً مع التيار في الوقوف على الحياد، في ظل انسداد الطريق واقعياً أمام فرضية طرح بديل يحقق نصاباً أعلى في المواصفات من وجهة نظر التيار، فالتقيا تحت شعار لا لرئيس يصطفّ مع حزب الله أو ضده، عبر أولوية الدعوة للتوافق الذي يشمل الجميع، وصارت الأمور بين خيارين رئيسيين في الرئاسة، فرنجية أو الفراغ، فكان سعي القوات لتعويض تفكك جبهة المواجهة مع حزب الله عبر الاستعداد للتفاوض غير المباشر وتحت تهديد التشكيك الدائم بانعدام الثقة، مع التيار، سعياً للتوصل الى مرشح مشترك، لتعويض خروج الاشتراكي وعدد من النواب المستقلين من جبهة المواجهة مع حزب الله. وكان السؤال هل يمكن الجمع في مرشح واحد بين صفة طمأنة المقاومة وكسرها، وبين صفة العداء للمنظومة الحاكمة والانتماء إليها، وبين السعي للتوافق الجامع وكسره؟
– من حق التيار أن يقول لمن يسألونه عن كيف يتبنى ترشيح وزير المالية السابق في حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، أن مَن يؤيد فرنجية والرئيس نبيه بري والرئيس نجيب ميقاتي، لا يجب أن تكون لديه مشكلة مع أزعور، لكن السؤال لمن يقول إن لديه مشكلة مع بري وميقاتي وفرنجية والسنيورة، كيف لا يكون لديه مشكلة مع أزعور؟ وما هو السبب الذي يجعل الذي يرفض بري راعياً مفترضاً لفرضية عهد فرنجية أن يقبل ما يعلم أنه حقيقة رعاية السنيورة لحقيقة عهد أزعور، وما هو السبب الذي يرى ضعف تمثيل فرنجية مسيحياً ولا يرى انعدام تمثيل ازعور، لأن السؤال ليس عن تمثيل الكتل المسيحية المؤيدة بعد انضمامها للتأييد، بل عن سبب الانضمام هنا ورفضه هناك بداعي أصل التمثيل، وكيف يمكن لغياب التوافق الجامع أن يسري هنا ولا يسري هناك؟ والسؤال الأهم أين أصبح شرط رئيس يطمئن المقاومة أكثر من فرنجية او مثله، والعراب السياسي للمرشح هو الرئيس السنيورة الذي يعرف التيار مواقفه عن كثب خلال حرب تموز 2006؟ وإذا كان فرنجية من ضمن المنظومة الحاكمة والمحاصصة، أليس النظام المالي الذي يمثل السنيورة مثل رياض سلامة عقله وروحه، هو الأب الروحي للمنظومة؟
– هذا الكلام للنقاش وإثارة التفكير، طالما أن التيار لم يعلن بعد قراره النهائي، وربما يناقش التيار وتكتل لبنان القوي النيابي اليوم هذا الأمر، أملاً بأن تتاح للمعنيين قراءة هذا المقال قبل النقاش، وبعد القرار سنقرأ ونناقش أيضاً، ونقول من حق التيار طبعاً أن يقول إنه قرّر تبني ترشيح ازعور رسمياً، وهو يعلم أن لا توافق جامعاً حوله ولا فرص فوز تنتظره، لكن في هذه الحالة يكون من الأفضل انسجاماً مع الذات واحتراماً للعقول، القول إن التيار قرر الانتقال إلى جبهة تقودها القوات اللبنانية عنوانها السعي لكسر حزب الله، لأن لا وظيفة أخرى للترشيح، وكسر حزب الله ليس مشروع التيار بل مشروع القوات، حتى بعين الواقعية السياسية، والتحالفات دائما تطرح سؤال مَن يستعمل مَن، وإذا نظرنا لحلف التيار وحزب الله بعين الصدق لا يمكن أن نتحدّث عن استعمال أحد لأحد، لكن طالما أن حلف القوات والتيار عابر لمحطة واحدة ووسط التشكيك بصدقية التيار من طرف القوات، يصبح السؤال مشروعاً، هل تنجح القوات هذه المرة باستعمال التيار؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى