أولى

استحالة لوموند اميركية لا فرنسية

ينصرف كل طرف في لبنان للدفاع عن حصته من الطبقة السياسية فيضعها في منزلة الملائكة والقديسين، ويروّج وينشر ويتصرف على أساس أن الآخرين عندما يخالفونه الرأي يصيرون شياطين وفاسدين. فالإبراء يصير غير مستحيل إذا اقتضت الضرورة السياسية التقاطع، ويمكن للمنظومة أن تصير حزب الله وحركة أمل فقط، ويخرج منها الآخرون، وتصير 17 تشرين عند التغييريين امتداداً لـ 14 آذار دون أن يرفّ لهم جفن وما قالوه عن شعار “كلن يعني كلن”، ولا 14 ولا 8، ولذلك تبدو مغامرة غير مضمونة النتائج أن يخرج أحد ليردّ على جريدة اللوموند التي وصفت الطبقة السياسية اللبنانية بالإجماع بالفساد والخفّة وضعف المسؤولية، لأن كل طرف يحني رأسه أمام الإهانة ويقول إنه غير مقصود بها، وإن المقصود هم سائر أطراف هذه الطبقة السياسية.
نحن هنا لا نقدّس أحداً في الطبقة السياسية ولا نعتبر أن أحداً منها ينتمي إلى صنف الملائكة والقديسين، لكننا نسأل هل يحق لصحيفة اللوموند في معرض الحديث عن الدور الفرنسي تجاه لبنان، اتخاذ موقف التعجرف والتعالي تجاه “طاعون لبناني” و”ترياق فرنسي”، بينما في النقاش الداخلي الفرنسي كلام عن خفة الرئيس الحالي وفساد الرئيس السابق وتفاهة الرئيس الأسبق، والقضية الموصوفة بالمهمة المستحيلة، وهي الخروج من الاستعصاء الرئاسي في لبنان، ليست مستحيلة، لأن الحلّ لها يحتاج إلى وضوح رؤية، جوهرها القول للمعنيين في لبنان، إن الفراغ باقٍ ما دام الفريقان الرئيسيان يملكان قدرة تعطيل النصاب، وإن الخروج من هذا الفراغ وقف على أحد خيارين، الحوار طلباً لتوافق ينتهي برئيس شبه إجماع أو مرشحين متفق على قبول نتائج المنافسة بينهم دون تعطيل النصاب، وإذا بقي الحوار مرفوضاً فإن الاحتكام للانتخابات النيابية المبكرة هو البديل الذي تلجأ إليه الديمقراطيات، حتى لو لم تكن هناك ضمانات بتغيير التوازنات التي تحكم المجلس، وثمة أماكن جرت فيها الانتخابات المبكرة أربع مرات ولم تنتج حكومة، لكنها في الخامسة فعلت، ومَن لا يريد الانتخابات المبكرة ليس أمامه سوى الحوار والسعي للتوافق الذي ينتهي برئيس شبه الإجماع أو بمرشحين ضد التعطيل.
الحديث عن المهمة المستحيلة، والفساد واللامسؤولية اللبنانيين، عجرفة فرنسية بخلفية غربية، ومصدرها انزعاج أميركي من فشل مشروع انقلاب 14 حزيران، الذي كان مصمماً لتجميع 65 نائباً وأكثر للمرشح جهاد ازعور، والمراهنة على اعتصام نيابي يلي ذلك لانتزاع الدورة الثانية التي تتوّجه رئيساً، وخيبة الأمل الأميركية مفهومة، ولو حدث ما برمج للانقلاب الدستوري لكانت المهمة بنظر اللوموند مشرّفة وتعبيراً ديمقراطياً أصيلاً.

التعليق السياسي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى