مانشيت

الكيان ينتقل من حرب على إيران إلى تهديد لبنان والتلويح بضرب غزة… وينتهي باقتحام جنين / المقاومة تواجه ببسالة وتكتيكات المناورة بهدف إطالة المعركة وإفشال أهدافه وفتح باب التحوّلات / غزة تستعدّ للدخول في المواجهة وفق توقيت غرفة عمليات جنين… وتوقيت المحور في غزة /

كتب المحرّر السياسيّ
يدرك كيان الاحتلال أن التسليم بالمعادلات المحيطة به تعني الاستسلام للتآكل الذي يصيبه من الداخل ويعمق أزماته وانقساماته، ويعيد طرح مأزق القدرة على البقاء بصفته مأزقاً وجودياً على السطح، فما حوله هو تنامي حضور وقدرات محور المقاومة مجتمعاً وقواه متفرّقة، وصناعة معادلات وحدة الساحات داخل فلسطين، ووحدة الجبهات بين فلسطين والمحور، وتدرك حكومة بنيامين نتنياهو أن كل ما وعدت به مهدّد بالتبخر، ووجودها بالتالي مهدّد بالسقوط، فما تمّ في آخر شهر رمضان من الاستسلام لتهديدات المقاومة وقبول حظر دخول المستوطنين إلى المسجد الأقصى، وما فرضته معادلة معركة ثأر الأحرار، وما تشهده الضفة من فشل أمني للجيش والمخابرات ومن تنامي روح المقاومة وحضورها، واستهداف متزايد للمستوطنين، أسقط نظريات ايتمار بن غفير حول الميليشيا التي تحمي، وقد وقف بن غفير يصرخ طلباً لتدخل الجيش، وأسقط معه نظريات بتسلئيل سومتريتش عن إنشاء مئات المستوطنات لبعثرة جغرافيا الضفة، بعدما ارتفع صراخ المستوطنين طلباً لحماية الجيش ودعوة الجيش الى تجميع المستوطنين لتوفير الحماية لهم، ولذلك تلاقت الحكومة المأزومة مع لحظة قراءة الجيش للحاجة الملحّة لفعل شيء يوقف التدهور.
شهد الشهر الماضي تصريحات وبالونات اختبار عن ضربة لإيران تحت عنوان ملفها النووي، وعن ضربة من نوع مختلف تستهدف سورية وقوى المقاومة فيها، وعن حرب محدودة مع لبنان، ومثلها مع غزة، لكن التدقيق في كل هذه الفرضيات أوصل قيادة الكيان إلى أن الرهان على المجيء من الأكبر إلى الأصغر رغم أنه أشد فعالية في ترميم الردع، لكنه فوق طاقة الكيان، فمن جهة إيران تستعرض صواريخها الجديدة، سورية ترسل رسالة مشفرة برأس صاروخيّ يصل إلى النقب، والمقاومة في لبنان تجدّد رسالة مناورة العبور، وغزة تذكر بثأر الأحرار، فبدأ التراجع عن السقوف العالية للكلام، وعاد الحديث لحملة عسكرية على الضفة، ثم صارت حملة على جنين.
بدأت الحملة وحصدت عشرة شهداء حتى منتصف ليل أمس، وشارك فيها عناصر نخبة جيش الاحتلال وعشرات الدبابات والطائرات المسيّرة والطوافات والدبابات، والحصيلة اعتراف بأن هناك الكثير مما يجب فعله حتى يمكن الحديث عن نجاح العملية، خصوصاً بعدما نجحت جنين بتظهير عبواتها وصواريخها وقدرتها على إسقاط الطائرات المسيّرة خلال الأيام التي مضت.
الاحتلال مستعجل كي لا تخرج الأمور عن السيطرة، والمقاومة في جنين تناور وتجيد استعمال عامل الزمن، لإطالة أمد العملية، بما يفشل العملية ويمنعها من تحقيق أهدافها، ويفتح الباب أمام التحولات الكبرى، وقادة المقاومة في جنين يؤكدون أنهم يسيطرون على الموقف، ويديرون معركتهم ببرود أعصاب وتحكم بالمسارات واقتصاد بالموارد، وتدبّر على درجة عالية من الاحترافية، واحدة تجمع كل الفصائل في إطار عملي واحد تديره غرفة عمليات واحدة.
قوى المقاومة في غزة على جهوزيّة كاملة للتدخل، وقرارها محسوم بأن لا مجال للتسامح مع ترك الاحتلال ينجح بخطته في جنين، وبالتالي في الضفة الغربية، لكن قبل ساعة الصفر للتدخل، يجب أن يترك المجال للضفة أن تدخل على الخط، ولجنين أن تستنفد وقتها في إفشال العملية، وغرفة العمليات المشتركة في غزة على اتصال بغرفة عمليات المقاومة في جنين لتقدير الموقف، وساعة الصفر عند جنين، وفق مبدأ وحدة الساحات، وفي المنطقة محور المقاومة مستنفِر، وعند التزامه بوحدة الجبهات، لكن ذلك يتوقف على تقدير الموقف في غرفة عمليات غزة بالحاجة للتدخل، وهو أمر ينتظر مدى قدرة الاحتلال على مواصلة المواجهة وتوسيع نطاقها، أولاً بترك الأمور تصل إلى تدخل غزة، ولاحقاً بترك الأمور تصل إلى تدخل محور المقاومة.
مشهد جنين خطف الأضواء عن المشهد اللبناني الداخلي فتراجع حضور الملف الرئاسي الى أدنى المراتب بينما كان اللبنانيون يتابعون تداعيات حادثة القرنة السوداء، وعيونهم على ما يجري في جنين وما يمكن أن يتبعه في المنطقة.
وخطفت جريمة بشري الأضواء المحلية في ظل مخاوف سياسية وأمنية من تداعيات وأبعاد هذه الجريمة وما إذا كانت منفصلة عما يجري من أحداث في لبنان والمنطقة أم مرتبطة بها، وما إذا كانت بداية للانفلات الأمني المنتظر بعد إقفال أبواب الحلول للأزمة الرئاسية بعد الجلسة الـ12 للمجلس النيابي التي انتهت بفشل جديد، واصطدام المبعوث الرئاسي الفرنسي بجدار المواقف السياسية الصلبة.
وعلمت «البناء» أن سلسلة اتصالات واجتماعات جرت وتُجرى على مدار الساعة بين مرجعيات وقيادات سياسية ودينية وأمنية وقضائية لاحتواء غضب الشارع من خلال العمل على ثلاثة مسارات:
الأول سياسي – روحي لقطع دابر الفتنة وأي ارتدادات للجريمة على المستوى الوطني.
وفي سياق ذلك أعلن رئيس بلدية بقاعصفرين – الضنية بلال زود، في بيان «الحداد عن روح الفقيدين هيثم ومالك طوق من أبناء جيراننا في بشري، في بلدة بقاعصفرين، وإغلاق المؤسسات الرسمية فيها، وتنكيس الأعلام على مبنى البلدية».
الثاني قضائي عبر إجراء تحقيق شفاف لتحديد المسؤوليات وكشف المجرمين وكل المتورطين في الحادثة النكراء.
وأفيد أن قاضية التحقيق الاول في الشمال، سمرندا نصار، التي تتولى التحقيق شخصياً في حادثة القرنة السوداء، استدعت المدير الطبي لمستشفى بشرّي الحكومي، الدكتور إبراهيم مقدسي، للتحقيق معه اليوم على خلفيّة التصريح الذي أدلى به الأحد الماضي.
الثالث قانوني – عقاري للبحث عن حلول للخلاف العقاري بين المنطقتين على القرنة السوداء وترسيم الحدود بينهما. ويتكفّل محافظ الشمال ورؤساء البلدية والمراجع الأمنيين المعنيين حل هذا الأمر.
واستبعدت معلومات لـ«البناء» فرضية قنص الشابين من آل طوق التي سوّق لها البعض لتوجيه أصابع الاتهام الى أهالي بقاعصفرين – الضنية، موضحة أن أحد الضحايا لا ينتمي إلى حزب القوات اللبنانية بل مؤيّد للنائب وليم طوق.
ولفتت أوساط مطلعة لـ«البناء» الى أن أهالي بقاعصفرين – الضنية منفتحون على أي حل يضمن إنهاء الخلاف العقاري مع بشري، ويؤدي الى إحلال السلم في المنطقة ويرفضون جرهم الى الفتنة، لكن لن يتنازلوا عن حقوقهم العقارية تحت هول وضغط الجريمة وقوة الأمر الواقع ووضعهم في موضع الاتهام بالجريمة.
وتُحذّر مصادر سياسية شمالية من طابور خامس استثمر على الخلاف بين المنطقتين لتحقيق مآرب سياسية وفتنوية تصبّ في صالح أعداء الوطن لضرب أمنه واستقراره وتخدم مشروع الفدرالية وغيرها من الطروحات التقسيمية، مشيرة لـ«البناء» إلى أن الحادثة المستنكرة بغضّ النظر عن الأسباب، ليست منفصلة عن ما يجري من أحداث في لبنان والمنطقة لا سيما الاعتداءات الإسرائيلية على سورية والتهديدات الإسرائيلية للبنان على خلفية التوتر في مزارع شبعا وكفرشوبا. محذّرة من المواقف التي تستثمر على الفتنة ووقوع المزيد من الأحداث المشابهة، أو الاعتداء على أحد من أبناء الضنية.
وكانت بلدةَ بشري وفي ظل أجواء من الحزن والحداد شيّعت الشابين هيثم ومالك طوق، وشهدت إقفالاً عاماً للمحال التجارية والمؤسسات السياحية.
ودعا البطريرك الماروني مار بشارة الراعي «لترسيم الحدود في منطقة القرنة السوداء وإنهاء الفتنة، كما دعا لكشف الفاعل أو الفاعلين في جريمة قتل هيثم ومالك طوق والاقتصاص منهم».
ولفت الراعي خلال عظته من كنيسة السيدة في بشري، الى أننا «نؤمن بالدولة ونعرف حدودنا ونعرف القاتل وهذه ليست مجرد حادثة». وأوضح بأن «شباب بشري يعلنون دائماً استعدادهم للحل، ونحن جميعاً تحت سلطة القانون العادل».
وأكد النائب وليام طوق، بعد مراسم دفن الشابين هيثم ومالك طوق في بشري، على أننا «لا نفرط بدم شهدائنا ولا نساوم على كرامة أرضنا وأهلنا، ودعوتنا الى ضبط النفس لا تعني التساهل او التفريط بدم هيثم ومالك طوق».
بدوره، أكد النائب فيصل كرامي أن «لا قلق على الوحدة الدّاخلية والسلم الأهلي في ظل الوعي الذي يتحلى به الجميع الذين رفضوا الفتنة، ولجأوا الى الأجهزة الأمنية والقضائية». وبالنسبة إلى إنضاج الفراغ الرئاسي من خلال افتعال قلق أمني، قال كرامي في حديث إذاعي «إذا كان هذا الامر صحيحاً فقد دفناه في مهده». ومن جهة أخرى، طالب الحكومة بـ»حل الخلافات العقارية في الجرود»، منتقداً سياسة التمييع، مضيفاً «لا يمكن المراهنة دائماً على وعي الشعب من دون تقديم الحلول وندعو إلى عدم استباق الأمور في انتظار التحقيقات»، رافضاً الربط بين حادثة القرنة السوداء والملفات الخلافية بين بشري والضنية.
كما لفت النائب طوني فرنجيه عبر «تويتر» الى أن «رهبة الموت لا يعلوها أي صوت، وحكمة أهلنا في بشري في التعاطي مع مصابهم الأليم يجب ان تُلاقى بتحقيق جديّ شفاف وسريع جداّ يُحدد المسؤوليات ويظهر الفاعلين ويحقق العدالة. الرحمة لـ«هيثم» و«مالك» طوق والتعازي الحارة لذويهم ولأهلنا في بشري».
على صعيد الاستحقاق الرئاسي لم يسجل أي جديد بانتظار عودة مبعوث الرئاسة الفرنسية جان ايف لودريان الى لبنان والمتوقعة منتصف الشهر الحالي وسط ترقب لما سيحمله في جعبته من مقترحات أو دعوة الأطراف السياسية للحوار.
وتشير معلومات «البناء» الى أن «الملف الرئاسي سيتحرك قبل الزيارة الثانية لمبعوث الرئاسة الفرنسية جان إيف لودريان الى بيروت، وسيشهد لبنان حراكاً ديبلوماسياً عربياً وسعودياً بموازاة التحرك الفرنسي الذي سيتفعل أكثر خلال الفترة المقبلة، ومن غير المستبعد أن يزور مسؤول سعودي يرجّح أن يكون مستشار الديوان الملكي نزار العلولا لبنان بموازاة مساعٍ يقوم بها السفير السعودي في لبنان وليد البخاري باتجاه بعض المراجع السياسية المعنية.
إلا أن مصدراً نيابياً رجح لـ«البناء» أن يطول أمد الفراغ الرئاسي بسبب تعقيدات داخلية وخارجية، ولارتباط الملف اللبناني بملفات عدة في المنطقة لا سيما السوري واليمني والمفاوضات الأميركية – الإيرانية حول الملف النووي فضلاً عن التطورات العسكرية على الحدود الجنوبية مع فلسطين المحتلة وفتح الصراع على مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والغجر. ودعا المصدر جميع الأطراف إلى إعادة النظر بمواقفها والتنازل عن مصالحها السياسية والشخصية والتجاوب مع الحوار وتلقف المبادرة الفرنسية والمساعي التي يقوم بها الرئيس الفرنسي ماكرون بالبحث عن تسوية رئاسية تضمن انتخاب رئيس للجمهورية بأوسع توافق وطني وتشكيل حكومة جديدة قادرة على لجم الانهيار بالحد الأدنى وملء الشغور في المؤسسات الأمنية والقضائية والنقدية لا سيما في حاكمية مصرف لبنان والمجلس العسكري.
وجدّد رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد، على «دعوته للحوار والتفاهم من أجل إنجاز الاستحقاق الرئاسي بأسرع وقت»، معتبراً أن «ذلك هو المعبر المتاح وطنياً ودستورياً في ظلّ عدم إمكانية أيّ فريق أنّ يؤمن وصول مرشّحه بمعزل عن تعاون الفريق الآخر».
وقال رعد، خلال حفلٍ تأبيني أقيم في بلدة جبشيت: «عندما ندعو الجانب الآخر للحوار إنّما ندعوه بموجب دستوري فضلاً عن الموجب الوطني والأخلاقي في حين نواجه دائماً بالطعن في النيات وتحميل دعوتنا ما لا تحمله وذلك تضليلاً للرأي العام وافتراءً علينا».
وسأل «من لا يريد الحوار ماذا يُريد؟ انه لا يريد رئيساً، بل يريد فراغاً يطول واستقواء بأجنبي يتوهم أن يدعم تعنّته».
على صعيد آخر، نفت مصادر مقربة من السراي الحكومي لـ«البناء» أن يكون رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي طلب صلاحيات استثنائية لاتخاذ قرارات بملفات هامة كالتعيينات إذا طال أمد الفراغ الرئاسي، مشيرة الى أنه عندما كانت الحكومة أصلية لم يطلب هذا الأمر فكيف هو الحال اليوم.. وشددت على أن ميقاتي يقوم بتصريف الأعمال وفق ما ينص عليه الدستور لا أكثر ولا أقل.
وأبلغ ميقاتي وفق مصادر إعلامية الوزراء بنيته تحديد جلسة قريبة لمناقشة مشروع قانون الموازنة على طاولة مجلس الوزراء.
وكشف وزير الأشغال علي حمية أن «إيرادات المطار تناهز نحو 250 مليون دولار «كاش»، ولكن نحن إدارة عامة وكل الإيرادات يتمّ تحويلها إلى الخزينة العامة وتنفق الأموال على سد عجز الموازنة، ورواتب القطاع العام والمتقاعدين والعسكريين والمدنيين والإدارة عامة، وجزء منها يذهب لكهرباء لبنان».
على صعيد آخر، أوضحت مفوضيّة الإعلام في الحزب التقدمي الاشتراكي في بيان، «أما وأنّ الحكومة اللبنانية غائبة في سُباتها بحثاً عن صلاحيات هنا وهناك، يبدو أنها لم تتنبّه لحقيقة أنّ العدو الإسرائيلي قضم الجزء اللبناني من بلدة الغجر المحتلة دون حسيب أو رقيب. وإذا كانت اهتمامات الحكومة كبيرة طبعاً بالملفات المحلية من التربية والصحة والاتصالات التي تتولاها ببراعة وحرفية، فهل لها أن تمنح بعضًا من وقتها للحدود الجنوبية وتتخذ ما يلزم من إجراءات لمنع وضع أراضٍ لبنانية تحت احتلالٍ تم تنفيذه تحت أعين الجميع».

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى