نقاط على الحروف

آخر محاولات ترميم الردع بمباركة أميركية: جنين ومعادلة وحدة الساحات ووحدة الجبهات

ناصر قنديل
– منذ تشكيل حكومة بنيامين نتنياهو الجديدة التي يشغل المتطرفون الجدد مكانة حاسمة فيها، وهناك سعي حثيث على كل المستويات لتظهير نجاح الحكومة ومن خلالها مؤسسات الكيان وخصوصاً الجيش في تحقيق إنجاز على مستوى استعادة قدرة الردع، وتغيير قواعد الاشتباك مع المقاومة. وقد حددت الحكومة الجديدة علناً ما ترغب في تغييره من قواعد الاشتباك، ويبدأ من منح المستوطنين حرية التجول والتحرك في المسجد الأقصى أولاً، وإعادة النظر بالتعامل مع الحركة الأسيرة ومكتسباتها وأدواتها النضالية ومنها الإضراب عن الطعام ثانياً، وفرض بيئة آمنة لتوسيع الاستيطان في الضفة وتوجيه ضربات قاسية لقوى المقاومة في جنين ونابلس خصوصاً ثالثاً، وإنهاء حضور حركة الجهاد في غزة وفرض قواعد تساكن مع حركة حماس تقوم على مقايضة أمن الحياة في غزة بالصمت عن ما يجري في القدس والضفة.
– حتى الآن أخفقت الحكومة في تحقيق أي من هذه الأهداف، فلا نجحت في فرض معادلة جديدة حول الأقصى، ولا نجحت بفصل غزة عن الضفة والقدس، ولا زالت تحاول البحث عن مدخل لفرض قواعدها في المواجهة في الضفة الغربية، بينما بدا أن مستقبل التعامل مع الحركة الأسيرة بعد استشهاد الشيخ خضر عدنان صار مرتبطاً بمصير المواجهة الدائرة حول غزة والضفة، وكما هو واضح يعرف قادة الحكومة أن ما جرى في جنين خلال المواجهات الأخيرة أثبت عقم الرهان، حتى بدا أن كل خطاب بتسلئيل سموتريتش وايتمار بن غفير مهدد بالسقوط، مع عمليات جنين ونابلس الأخيرة، التي أظهرت أن الميليشيات التي بشّر بها بين غفير لتوفير الأمن في الضفة مجرد وهم سخيف،
(التتمة ص6)
حيث الجيش المنظم والمجهّز والمدرّب يعجز عن السيطرة على الوضع في جنين وحدَها، بينما بدت مشاريع سموتريتش الاستيطانية القائمة على نشر مئات المستوطنات الصغيرة في جغرافيا الضفة، في مهب الريح مع عمليات نابلس على المستوطنين، وطلب حماية الجيش للمستوطنات، ودعوات الجيش إلى تجميعهم في المستوطنات الكبرى لتتسنّى له حمايتهم.
– بعد عملية اغتيال قادة الجهاد الإسلامي في غزة، كان على قيادة جيش الاحتلال إعادة تقييم قواعد الاشتباك التي فرضتها العملية، والتي جاءت بعكس توقعات الاحتلال، حيث نجحت الجهاد باحتواء الضربة وفرضت حضور سلاحها الصاروخي بقوة، وكانت حماس من خلفها ومن خلفهما محور المقاومة، وفقاً لما أعلنه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله عن أنه «اذا اقتضت الضرورة أن نقوم بخطوة أو خطوات فلن نتردّد»، وصار التساكن مع المعادلة الجديدة في القدس التي فرضتها الأيام العشرة الأخيرة من شهر رمضان، ومثلها التساكن مع معادلة غزة الجديدة، ومعادلة الضفة الجديدة، إعلان سقوط حكومة نتنياهو تفكك قوى التطرف الجديدة، التي بشرت أنها فاتحة زمن جديد في تعامل الكيان مع الأزمة المتمادية تحت عنوان، تآكل قدرة الردع، وأنها تملك حلولاً لهذه الأزمة.
– كان متوقعاً أن يقع الاختيار على جنين كمسرح لعملية واسعة، تشكل أبرز اختبار لأهم فرصة، يمكن لنجاحها أن يشكل مدخلاً لفرض واقع جديد في الضفة، حتى لو كانت الكلفة مرتفعة، ومن الضفة يمكن الانتقال الى معادلتين جديدتين في ملفي القدس والأسرى، وعزل غزة عن الدخول على خط المواجهة، والرهان على توافر ظروف جديدة تتيح تعزيز عزل غزة، واستطراداً ومن بعدها عزل محور المقاومة عن المشهد الفلسطيني. ولهذا حشد الاحتلال قواته واتخذ قراراً بالمخاطرة، وتحمّل الخسائر، ومن الواضح انه حظي بمباركة أميركية مبنية على الحاجة لفرملة الانهيار المتسارع في الهيبة السياسية لواشنطن على حلفائها في المنطقة أمام تعاظم قوة محور المقاومة وحضور روسيا والصين وتراجع الحضور الغربي في المعادلات الدولية والإقليمية.
– السؤال الرئيسي الذي قرّرت قيادة الكيان السياسية والعسكرية اختبار الجواب عليه عملياً، هو: هل يمكن عزل العملية العسكرية الواسعة على جنين عن معادلة وحدة الساحات، أي كامل الضفة والقدس وغزة، ومن خلالها عن وحدة الجبهات، وخصوصاً جبهة لبنان، ولذلك وجه رسائل وتهديدات وربط ملفات نزاع، واعلن جهوزية الانخراط في حرب متعددة الجبهات، وهذا كله بمباركة أميركية، لكن المعادلة التي تحكم المشهد هي ببساطة كما يلي، الجهوزية قائمة، ولن تنتظر غزة تصفية المقاومة في الضفة والاستدارة نحوها، والضفة لن تنظر تصفية المقاومة في جنين والاستدارة نحوها، ومحور المقاومة لن ينتظر تصفية المقاومة في غزة والاستدارة نحوه، لكن الأمور لم تعُد كذلك من زاوية نظر محور المقاومة وقواه، فقد بات لبنان وحده كافياً بمقاومته لإصابة الكيان بالرعب، وباتت غزة دون شراكة محور المقاومة قادرة، بل فصيل مثل الجهاد وحده قادر، على إعادة إنتاج معادلة الردع مع الكيان، لذلك لا تسرع بقرار الدخول على خط المواجهة، لأن هذه فرصة لاختبار مدى قدرة الضفة دون دخول غزة على الخط، على صناعة معادلة ردعها، ومدى قدرة جنين منفردة على صناعة معادلة الردع، أي إصابة الاحتلال ومخططاته بالفشل، لأن هذا طريق لتدحرج من نوع آخر، يفتح طريق نشوء مناطق محررة في الضفة تشبه مسار تحرير غزة، لكن عندما يحتاج الوضع منع الانهيار بالتدخل، فالقرار متخذ، في غزة كي لا تُسقط جنين، وفي محور المقاومة كي لا تسقط غزة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى