مقالات وآراء

القيادة ثقافة وذوق وأخلاق… وقوانين صارمة

سارة السهيل

تعكس قيادة السيارت في دول العالم شرقاً او غرباً ثقافة شعوبها ومفاهيمهم التاريخية او تعكس مدى اهتمامهم بالآخرين وحمايتهم وأمانهم اوأنانيتهم المفرطة.
وما بين قيادة السيارة في بريطانيا شمال الطريق، ويمينها في معظم بلدان العالم تختلف سيكولوجية القيادة، بل انّ قيادة المرأة للسيارة تختلف في ظروفها عن قيادة الرجل، ووفقاً لدراسة إحصائية دولية في الولايات المتحدة أجريت مؤخراً، فإنّ نسبة 70 بالمئة من نساء العالم تهوين قيادة السيارة داخل المدينة، بينما الرجل يحب القيادة على الطريق السريع، وقد أكد علماء النفس بأنّ المرأة تكون أكثر حرصاً وخوفاً من الدخول في مغامرات السرعة الكبيرة بالقيادة خلاف الرجل الذي يفضّل السرعة في القيادة، كما انّ المرأة تشعر بأمان أكثر وهي تراعي قيادة السيارة ضمن “سرعات” أمان يحدّدها خبراء المرور في مختلف أنحاء العالم حفاظاً على سلامتها وأمنها، بينما الرجل يشعر بالملل والضيق من قيادة السيارة في المدن ويرفض التقيٌّد بـ “السرعات” ومراعاة القوانين المرورية لذلك يهوى القيادة على الطرق السريعة.
تتباين ثقافات الشعوب في القيادة وسلوكياتها بين بلد وأخر، ويُرجع بعض البريطانيين قيادة السيارة شمال الطريق الى نظرية منذ العصر الروماني حيث يستخدم المحاربون اليد اليمنى، بينما يمتطون ظهور الجياد من اليسار. كما انّ الجيوش الرومانية كانت تسير إلى يسار عربات الحرب، وهو التقليد الذي توارثه البريطانيون حتى اليوم بالرغم من شدة صعوبة اختبارات قيادة السيارة والحصول على رخصة في بريطانيا تحقيقاً لقيادة سليمة تحمي الأوراح وتحقق السلام،
وفي كثير من البلدان تستطيع ان تحكم على شعوبها من قيادتها ورغم انّ بعض البلدان لديها قوانين مرورية صارمة إلا أنّ ثقافة القيادة نفسها قد ترتبط بنوازع النفس البشرية من الأنانية والمصلحة الشخصية على مصالح الآخرين، فمثلاً تجدهم لا يستخدمون الإشارات الضوئية ولا يلتزمون بها. والسير بالعكس في الشوارع الفرعية كذلك الوقوف أمام المحال التجارية حيث تقف السيارات عرضاً على بعد حوالي عشرة أمتار من الرصيف، فكلّ واحد يخاف أن تقف خلفه سيارة تمنعه من الخروج عندما ينتهي من التسوّق.
المنظور الثقافي للالتزام بقواعد المرور ومستجدات انظمة أمنها مثل أحزمة الأمان وغيرها، نجد النسبة تتفاوت بين بلد وآخر، الى حدّ دفع أربعة سائقين أميركيين للقول بعدم دستورية مثل هذا القانون استناداً الى استجابة محكمة النقض بولاية “الينوي” عام 1969 برفض قانون إلزام سائقي الدراجات النارية بارتداء الخوذات ورأت أنه تقييد للحرية الشخصية، ومع ذلك رفضت المحكمة اعتراض السائقين على أحزمة الأمان ورفضت المحكمة احتجاجات الأميركيين الذين استجابوا لتطبيق هذا القانون بعد شهرين فقط من إطلاقه رغم رفضهم له،
بينما تمّ فرض غرامة 75 دولاراً على من لا يلتزم بأحزمة الأمان في صربيا، ورغم رفض السائقين لها إلا انهم كانوا يتحايلون على القانون فيضعون الأحزمة على أكتافهم فقط ولا يربطونها، وكذلك الحال مع السائقين في مصر يفعلون الشيء نفسه تهرّباً من الغرامة وظناً منهم أنهم تحرّروا من القيود رغم أنها قيود نافعه لهم.
فهناك شعوب تحترم القوانين وقواعدها تحقيقاً للمصلحة العامة او الخاصة وهناك دول فيها مستويات الالتزام بالقوانين منخفضة.
بلادنا العربية تعاني بشكل أساسي من زيادة حوادث السيارت والموت على الطرق السريعة نتيجة جنون السرعة وعدم الالتزام بالسرعات المقررة على الطرق السريع، فالأردن يشهد حوداث سير مروعة يومياً، ومعظم حوادث السير تحدث نتيجة التحدث في “الموبايل” أثناء القيادة.
ووفقاً لإحصائيات عام 2021 فقد وقع 160 ألف حادثة سير نتج عنها 1800 إصابة بليغة.
أعتقد أنّ أزمات المرور في العراق والأردن ومصر وبعض دول الخليج تعكس عدم الانضباط المروري، والإهمال في مراجعة (معاينة) السيارات قبل الشروع في قيادتها، في حين حياة الإنسان أهمّ من المركبة ومن “الجوال”. علينا غرس ثقافة حماية أرواح الأبرياء عبر قيادة سليمة قد تتطلب من السائق اكتساب مهارات الصبر للتعوّد على القوانين المرورية اللازمة وتغليظ عقوبة المخالفات لشروط السلامة المرورية حماية للانفس البشرية أغلى ما خلق الخلاق على الكوكب الأرضي،
وفي ظني انّ القيادة هي فنّ وذوق وأخلاق وانّ القيادة ما هي الا مرآة عاكسة لشخصية الإنسان، وهي أيضاً مترجم لتربيته في بيته في طفولته وأيضاً تعكس كيف استطاع هذا الشخص تطوير نفسه والعمل على تعديل سلوكه وأخلاقياته، فالإنسان يتربّى في بيته على أخلاقيات وقيم وربما ينسى الأهل بعضها تجاهلاً او سهواً وربما لا يملكون التمام والكمال من القيم ليزرعونها كاملة في أبنائهم، لكن الطفل نفسه كلما يكبر يضيف لنفسه مهارات وسلوكيات جيدة ويتعلم كيف يطور من نفسه وذاته، وكلّ هذا يظهر في تعاملاته اليومية ومنها قيادته للسيارة او اي نوع من المركبات، فـ كثيراً ما “أصفن” في الشارع مستخدمة دراستي لعلم النفس وفراستي التي ورثتها من القبيلة وأركز في تحليل أخلاقيات وشخصيات البشر فكم أفرح عندما أجد من يراعي غيره ويعطي المجال للمركبات الأخرى بالمرور، وكم أتفاءل حين أجد من يترك لغيره مساحة كافية للاصطفاف بجانبه دون ان يأخذ المساحة كاملة، وكم أشعر بالفخر كلما وجدت إنساناً يقود عربته بصبر وينتظر السيارات لتعبر أو إذا كانت السيارة التي تسير أمامه بطيئة ربما تقودها فتاة ما زالت تتعلم او رجل كبير في السن او شخص يشعر بالخوف او المرض.
لماذا لا نشعر بالآخرين ونفكر بغيرنا؟
فالأنانية وقلّة الذوق منفّرة للأفراد وتعطي انطباعاً سيئاً عن البلد بأكمله إذا أصبحت ظاهرة.
كم هو تعيس ذاك الشخص الذي يقود سيارته غير مبالٍ بمن حوله.
لفت نظري في بيروت سائقو الدراجات النارية بأنواعها وشعرت بالحزن الشديد على لبنان بلد الجمال والأناقة، وتساءلت كيف لهؤلاء ان يشوّهوا جمال الطبيعة الخلابة ويعكّروا مزاج المقيم والسائح، فكانت تجربتي بالقيادة مربكة بسبب هذه الدراجات التي لا تراك (هم فعلاً لا ينظرون إليك بالمعنى الفعلي والضمني)، وعلمت انّ القانون معهم مهما فعلوا! فالحق على قائد السيارة ليس عليهم، فعلمت قيمة القيادة في الأردن. إلا انّ القيادة في بريطانيا تبقى هي الأسهل والأجمل، وأردد دوما انّ الأعمى في بريطانيا اذا قاد مركبته سيصل سالماً الى بيته،
وسألت نفسي هل من الممكن ان تكون الدول التي كانت تحت الاحتلال البريطاني سابقاً أكثر التزاماً بالقانون وأكثر نظاماً من الدول التي كانت خاضعة للاحتلال الفرنسي؟ أتوقع ذلك، ليس فقط فكرة الاحتلال البريطاني والفرنسي وإنما أيضاً الأفكار القبلية التي ترسخ فكرة احترام الناس والتعامل بالأصول لها تأثير،
وأيضا الاعتبارات الدينية المسلمة والمسيحية والديانات السماوية عامة التي تحرّم التعدّي على حقوق الآخرين وإزعاجهم، بل تحث على مساعدة الناس وتفضيلهم عن النفس وفكرة العطاء فينعكس كلّ هذا على القيادة،
فالقبلية والتعاليم الدينية تنعكس على سلوك المجتمع ولكن حلّ محلها في دول العالم الأول القوانين والعقوبات التي أصبحت مع الوقت عادة وجزء لا يتجزأ من حياة الفرد والشعوب،
أتساءل هنا أين القسوة في التعامل مع المخالفين في قوانين السير والمرور حتى تنضبط الأمور في مسارها الصحيح؟
كتابة الرسائل على الـ “واتس اب” ومتابعة الـ “فيسبوك” ووسائل التواصل الاجتماعي بأنواعها والردّ على الهاتف وإجراء المكالمات من أكثر مسبّبات الحوادث المرورية، فمتى يفهم الناس هذا؟
ومع انتشار المخدرات والكحول نجد انّ بعض الحوادث كانت بسبب التعاطي أثناء القيادة او تحت تأثير الكحول،
والأَمَرّ والأضلّ سبيلاً الخناقات والمشاكسات والعناد بين الشبان أثناء القيادة والتحديات التي تؤدّي أحياناً الى الموت او حدوث إعاقة جسدية وإصابات خطيرة، وبعض الحوادث تحصل بسبب التعب ومواصلة القيادة دون راحة وهذا خطر كبير على السائق ومن معه او السيارات الأخرى.
ناهيك عن الشاحنات التي تقود باستهتار كبير رغم حجمها الضخم فهي لا تهتمّ لأنها ستدوس على جيرانها من السيارات وكأنها تدوس على نملة وتكمل طريقها بأمان،
او الحافلات التي تحمل أكثر مما يجب من أثقال وأوزان وبضائع وتنقلب على العربات المجاورة بسبب الحمل الثقيل وعدم التوازن.
ولن أنسى أبداً الطعام والشراب والحفلات التي تعقد في السيارات أثناء القيادة، والمضحك المبكي ذاك السائق الذي أحرق مركبته بسبب صنعه للشاي داخل مركبته على “بابور” الكاز كما يُقال له في اللهجة المحلية المصرية،
أما المفجع فهو قيادة الأطفال للسيارات، فعندما ترى في العراق أطفالاً بعمر 10 أو 12 سنة يقودون السيارات بينما يكون أهلهم فرحين وفخورين (هذا ابني يسوق، علّمته السياقة) “يا فرحة قلبي” طفل صغير كيف لا تخاف عليه وهو ما زال لا يدرك الحياة ومخاطرها، فالقيادة هي مصغر لمخاطر الحياة وما يمكن مواجهته في حياتك فهل هو جاهز نفسياً وجسدياً وفكرياً للتصدي لما يمكن ان يواجهه؟
ونعود ونقول انّ القيادة فن، والفن أصبح هابطاً، والقيادة ذوق والذوق أصبح في تدنٍ والقيادة أخلاق والاخلاق في انهيار.
فلنصلح الذوق والفن والأخلاق لتصلح القيادة
وليس فقط القيادة واللبيب من الإشارة يفهم…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى