مقالات وآراء

“الأمازيغ” حضارة موغلة في التاريخ وحضور ثقافي دائم

سارة السهيل

شعب “الأمازيغ” من أكثر الشعوب التي حافظت على موروثها الثقافي والحضاري الموغل في القدم بمحافظتها على لغتها، يقطنون في الصحراء المُمتدّة من واحة سيوة إلى المحيط الأطلسي”، وهم قبائل كثيرة متفرّقة، قسّمهم البعض إلى فرقتين، “البرانس” وهم أبناء برنس بن بربر، و”البتر” أبناء مادغيش الأبتر بن بربر، والبعض أرجعهم إلى سبعة أصول متفرّقة وهي “إردواحة”، “مصمودة”، “أوربة”، “عجيبة”، “كتامة”، “صنهاجة”، و”أوريغة”، ومآثرهم التاريخية لعصور ما قبل التاريخ تشهد عليها النقوش والصور الجدارية، والكتب التي ألّفها عنهم اليونان والرومان والعرب، ولغتهم الأصلية تعرف باسم “ثامازيغث” ويعيش الكثير منهم في المناطق الجبلية ببلاد المغرب العربي.
وللأمازيغ تقويم خاص بهم فيحتفلون برأس السنة الأمازيغية يوم 12 من السنة الميلادية، وجذورهم كما يذكر الطبري تعود الى ذرية مازيغ وبر أبناء يشقان ابن إبراهيم عليه السلام. أو كما ذكر ابن خلدون نقلا عن القديس أوغسطين قوله المأثور: “إذا سألتهم فالحين أصلهم سيجي كنعانيون”…

المعتقدات
كان الأمازيغ في العصور القديمة يدينون بعدد من العقائد، فكانوا يقدّسون الكهوف والصخور والجبال والعيون والأشجار والأنهار، وبعض الأجرام السماوية كالشمس والقمر والكواكب.
وكانت لهم آلهة وثنية أشهرها الآلهة “تأنيث” ربة الخصوبة وحامية مدينة قرطاج، وعبدها الفينيقيون باسم “نيت”، وعبدها الإغريق باسم “أتيت”، أثينا وسميت أعظم مدينة إغريقية باسم هذه الربة الأمازيغية، وتدين الأمازيغ بالديانات اليهودية والمسيحية والإسلامية وأكثر طقوسهم وأعيادهم مرتبطة بالفلاحة والحصاد ويحترمون الأولياء الصالحين اعتقاداً بأنهم يتمتعون بالبركة، فيقيمون على أضرحتهم قباباً يزورونها ويتقرّبون إليها بالأضاحي.
اشتهر البربر وهو الاسم الذي أطلقه الفينيقيون على الأمازيغ، بالقيم الأخلاقية كإكرام الضيف والغيرة على العرض والشمم والأنفة وحماية الذمار وبساطة المعيشة، وكان من البربر فحول من العلماء والشعراء والفلاسفة، ألّفوا في العلوم العربية والشرعية.

التقاليد الاجتماعية
المرأة عند الأمازيغ تتمتع بالحرية لدى الطوارق، وفي الهُغار وبالتقدير والاحترام لدى الشاوية الأوراس، وهي لا تحتجب لدى القبائليين، ما عدا نساء الطائفة التي تسمّى المرابطون أيّ المشايخ ورجال الدين، لأنّ كلّ قرية لها مرابطون يتكفلون بالشؤون الدينية (صلاة الجمعة والجنازة والأعياد)، ويحلّون النزاعات.
احتفظ البربر بعادة حرمان المرأة من ميراث الأرض والعقار مخافة أن تنتقل بالزواج إلى أسر أخرى، علماً بأنّ اخوتها من الذكور يكفلونها إذا هي أصبحت مطلّقة أو أرملة.
أما أعرافهم فتلزم أفراد القبيلة بنظام اجتماعي معين ولهم الحق في تعديلها. كأن تحدّد مبلغ الغرامة التي يجب دفعها في حالة تغيّب الفرد عن اجتماع أهالي القرية، أو في حالة دخول قطيع جاره إلى حقله وغيرها.
ومبدأ القرابة يلزم الولاء التام للجماعة، فكلّ فرد واجب التضامن والتعاون، كالسّخرة الجماعية (تيويزة) مجّاناً، مثل بناء الدار، وإيواء المسافرين وإطعامهم، ومنح الحماية للمستضعفين، والإنفاق على الفقراء والمساكين في مناسبة خاصة وتسمّى عندهم “ثيمشرط” وتتميّز بذبح الثيران وتوزيع لحومها، على نفقة الأغنياء والمغتربين العائدين إلى الوطن.

الآداب والفنون
أكثر كتابهم ألفوا إبداعهم بالعربية من أمثال ابن خلدون، مفدي زكريا ومولود قاسم ونايت بلقاسم وصالح خرفي وعثمان سعدي وأحمد الأخضر غزال وحنفي بن عيسى، ومنهم من أصدر مؤلفاته بالفرنسية في عهد الاستعمار، حتى بعد الاستقلال مثل مولود فرعون، ومولود العمري، وكاتب ياسين، وطاوس عمروش، ومن أشهر شخصياتهم يوغورطا، ويوبا الثاني، ويوسف بن تاشفين، محمد بنعبد الكريم الخطابي، زين الدين زيدان.
حافظ الأمازيغ على ضروب الشعرية الأمازيغية القديم حتى زماننا، ومن بينها النوع الغزلي المسمّى “إيزلي”، وكذلك “الأهليل” وهو قصيدة دينية ابتهالية، كما يعرف الشعر الأمازيغي أنواع أخرى كالقصائد الملحمية والسياسية والفلسفية، وتغلب الصبغة الشفهية على شعرهم، فهوشعر إنشادي أو غنائي.
وتُمثّل الرقصات الأمازيغية القديمة فناً أصيلاً، ومنها “تيسيت” التي يؤدّيها راقصان أو ثلاثة، و”أحويش” وهي رقصة جماعية مشهورة بالمغرب، أما في الجزائر فإنّ رقصة “الترحاب” ما زالت تمُارس في الاحتفالات العائلية أو القروية.
اما الموسيقى لدي الأمازيغ فشكلت أحد عناصر حفظ الهوية، فهي موسيقى قديمة الأصول امتزجت فيها تأثيرات متنوعة، ونالت هذه الموسيقى شهرة عالمية لوجود جاليات أمازيغية معتبرة في أوروبا والولايات المتحدة، وهناك فرق موسيقية تعكس أسماؤها الدفاع عن ثقافتهم من تهديد الزوال.
واحتفظت الثقافة الأمازيغية بفن الزخرفة الموغل في القدم، كما في نسيج الزرابي، وصناعة الخزف، والتي تتخذ أشكال رسوم هندسية تستعمل في أغلب الأحيان حروفا أبجدية التيفيناغ، بجانب الصناعات الحرفية من ذهب وفضة.

الأعراس
تعكس مراسم العرس الامازيغي تنوّعاً وثراء في شكل الملابس بحسب كلّ منطقة وتراثها، وتنوّعاً أدبياً بتنوع الأبيات الشعرية والتنوع في الأطباق، والرقص حتى العرس يشبه ساحة للفنون الجميلة.
العرس الأمازيغي، الذي يمتدّ لسبعة أيام يشهد يوم للحنّة وموكب العريس حيث يختار أهلها شاباً من أقاربها ليحملها الى فوق فرس وهي ملفوفة بأزار أبيض وعباءة من صوف، وتسير في موكبين تتخللهما اهازيج واغاني وتناول الطعام.

“بتات” العروسة
و”بتات البنت” هو من الزي الأمازيغي، والمعروف بقطعه المتنوعة، وتتألق العروس الأمازيغية يوم زفافها بالمجوهرات التقليدية المصنوعة من الفضة التي تكلف الوالدين الملايين كهدية لها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى