الوطن

ندوة فكرية في المكتبة الوطنية بدعوة من اللقاء الإعلامي الوطني حول كتاب ناصر قنديل «ثورة… مخاض أم متاهة؟ حسان دياب: حكومة فاشلة أم فرصة ضائعة؟»

المرتضى: إعادة الاعتبارَ لدور الفكر في قيامِ الأوطان وهو دورٌ نفتقدُه في لبنان
بعد تفشّي العصبيّاتُ القاتلة بعيداً عن العقل والمنطق وعن مصلحة الوطن والمواطنين

مشرفية: حكومة الرئيس حسان دياب حققت في أقلّ من ستة أشهر إصلاحات لم تكن أيّ حكومة قادرة على إنجازها لاعتبارات كثيرة…

قنديل: فشل حكومة حسان دياب وضياع الفرصة التي مثلتها قوامه الفشل في تغليب المشتركات على التناقضات بين الحلفاء الذين وقفوا وراء الحكومة

الهاشم: قدّم ناصر قنديل كتاباً هو كناية عن مرجع فريد بمواصفاته العلمية وسوف يصعب على الباحثين عدم الرجوع إليه

قصير: نحن بحاجة إلى قطب جاذب داخلي يحمل القوة والقدرة على التغيير وهذا لا يتمّ إلا من خلال تشكيل جبهة وطنية عابرة للطوائف


بدعوة من اللقاء الإعلامي الوطني أقيمت في المكتبة الوطنية ـ الصنائع ندوة فكرية حول كتاب «ثورة… مخاض أم متاهة؟ حسان دياب: حكومة فاشلة أم فرصة ضائعة؟» لمؤلفه رئيس تحرير «البناء» النائب السابق ناصر قنديل. تحدث في الندوة وزير الثقافة القاضي محمد وسام المرتضى، الوزير السابق البروفيسور رمزي مشرفية، الأستاذ الجامعي د. بسام الهاشم، الكاتب والباحث قاسم قصير، وقدّم المتحدثين وأدار الندوة الكاتب غسان جواد.
تقدّم الحضور الرئيس البروفيسور حسان دياب، وفد من الحزب السوري القومي الاجتماعي مثل رئيس الحزب الأمين أسعد حردان وضمّ عضو المجلس الأعلى د. جورج جريج وعميد الإعلام معن حمية وعميد العلاقات العامة د. فادي داغر ووكيلة عميد الإعلام رمزا خير الدين ومدير التحرير المسؤول في جريدة «البناء» رمزي عبد الخالق.
كما حضر الوزيران السابقان وديع الخازن ود. عدنان منصور، سفير الجمهورية الإسلامية في لبنان مجتبى أماني ممثلاً بمستشاره السياسي مهدي سليماني، مسؤول العلاقات الإعلامية في حزب الله الحاج محمد عفيف، الشيخ د. صادق النابلسي، يحيى المعلم ممثلاً المنسق العام للحملة الأهلية معن بشور، أمين الصندوق في نقابة محرري الصحافة اللبنانية علي يوسف، حسن النابلسي مدير مكتب العلامة الراحل الشيخ عفيف النابلسي، المنسق العام للقاء الإعلامي الوطني سمير الحسن وعدد كبير من أعضاء اللقاء والكتاب والخبراء والأساتذة الجامعيين ومدراء المواقع الالكترونية، وشخصيات سياسية وثقافية…
المرتضى
الكلمة الأولى كانت لوزير الثقافة محمد وسام المرتضى وقال فيها: يأخذنا هذا الكتابُ في عالم الأدب السياسي إلى مقامِ برزخٍ بين الرواية والاستراتيجيا، إذ هو مزيجٌ منهما متداخلٌ جدّاً، يدركُ من يقرأه أنّ الكاتبَ يعتمد فيه تحليل القضايا الاستراتيجيةَ بأسلوبٍ روائي، وسردَ الوقائع اليومية بلغة التحليل الاستراتيجي، من غيرِ أن يخفي في التحليل والسرد كليهما انحيازَه إلى الفكر كمنارةٍ تضيءُ عملية القراءة والكتابة والإدراك.
إنه كتاب يبدأ فيه التشويق القصصي من علامتي الاستفهام المزروعةِ أُولاهما وسَطَ العنوان، والثانيةُ في آخره، بما يحتويان من طباقٍ بلاغي ومعرفيّ، لا يلبث أن يكشفَ الصورة الحقيقية لهذا الشعب المتنقل بين المخاض والمتاهة، ولهذا الوطن المحكوم عليه حتى الساعة بالفشلِ والضياع. فإذا مضى الأستاذ ناصر بالقارئِ إلى عمق لجج الكتاب، أجلسَه على مركبٍ بمجذافَينِ من أسبابٍ ونتائج، أو إذا شئتم من خلاصاتٍ فكريةً قائمةٍ على رؤية خاصة لسير الأحداث، واستنتاجات نابعةٍ من الربط المنطقي بين ما يجري في الداخل وتطورات السياسة الدولية. من هذا المنظور يصبحُ الكتابُ نصّاً غير مكتمل، حتى تتمَّ قراءتُه لا بمفرَدِ صفحاتِه، بل بإيحاءاتِه المبثوثةِ بين السطور، وحواشيه الدولية والإقليمية، وإن لم تُكْتَبْ فيه على وجهٍ صريح، وبهذا يصيرُ القارئ شريكاً لا في قراءة الكتاب فحسب بل في كتابته أيضاً.
وسبب التداخل بين الرواية والاستراتيجيا يعود في أساسه إلى أنّ لبنانَ قد يكون من بين دول العالم البلدَ الوحيدَ الذي تنعكسُ فيه عشرات المعطيات والأحداث والتقلبات العالمية، في السياسة والأمن والاقتصاد، وتترك على صفحة مائه طلاسمَ من حَراكٍ مدوٍّ، لا يُحْدثُ فرقاً في أغلب الأحيان، كأنه جَعجَعةٌ بلاِ طِحْنٍ كما يقولون، إلا ما كان من أمر انتصاره على الإرهابَين الصهيوني والتكفيري. وفي هذا الصدد يكفي أن نرصد في الكتاب عشرات المرّات التي تمّ فيها ذكرُ المقاومة وحزب الله لنستدلَّ مُستَدْرَجينَ بنباهةِ الربط المتقَن الى مجموعة من الوقائعِ المتداخلةِ معهما كمشروع الشرق الأوسط الجديد والملف النووي الإيراني ومفاهيم الطائفية والتكفير وانعكاسات ذلك كلِّه على النظام اللبناني الهش.
ولأنّ أيّ حدث داخلي لا يخلو من تأثيرات الإقليم والعالم فيه، فقد حدا ذلك بالكاتب في مسار موقفه الفكري التحليلي إلى ما يشبه الالتزام بمَقولتَين أَوردهما في الكتاب: الأولى أنّ لبنان دولة لم تولد بعد، والثانية معادلة جورج نقاش “نَفيان لا يصنعانِ وطناً”.
إنه إذاً وطن لا يزال جنيناً قيدَ المخاض. سلطاتُه تعسرُ ولادتُها. وما تجربة حكومة الرئيس حسان دياب، التي هي محور الكتاب، إلا دليلٌ على ذلك، يشبه ما نمرُّ به اليوم وما مررنا به كثيراً عبر تاريخنا الوطني. فدولة الرئيس دياب وُضِعَت حكومته بين مطرقة الإفلاس وسندان إصلاحات مفتَرَضة يعرف واضعوها أنّ الحصار الذي كانت معالمه قد بدأت بالظهور سيحول دون تطبيقها، وسيفضي ذلك إلى انهيار حتمي للدولة وتهشيم للنظام والكيان معاً. ولقد صوّب الأستاذ ناصر بدقة على هذه المسألة ملمِّحاً إلى أنّ دولاً غربية غَذَّتها عن سابق تصميم، تحضيراً لانفجار الأوضاع الذي حصل في وجه الرئيس حسان دياب.
وقال الوزير المرتضى: يُعيدنا الفصل الحادي عشر إلى ملاحظتي السابقة التي أشرتُ فيها إلى أنّ قراءة الكتاب استِكمالٌ لما لم يُكتَب فيه. فهو فصلٌ يعقّد المعادلة ولا يلغيها، لأنه يسبغُ عليها قيمة مضافة تتمثلُ في أنّ هذا الفصل هو الكتاب جلُّه في الكتاب كلِّهِ. وفيه يظهر الرئيس الدكتور حسان دياب مُحاوِراً للكاتب حول ديالِكتيَّةِ النجاح والفشل التي أرهقت الكاتب على حدّ تعبيره في بداية الفصل. ديالكتيّة لم يكن يُعيرُها دولة الرئيس أهمية تُذكَر لا إسقاطاً لأهميتها إنما لضيق الوقت والتباس المنهجية. ضيقُ الوقت لأنّ السلطة لا تحتمل التقييم إلا بعد انحسارها، والمنهجية لأنّ معايير رئيس حكومة أكاديمي تختلف عن معايير آخر من داخل النادي السياسي التقليدي. وقد أشار الأستاذ ناصر إلى ذلك بوضوح، وقد نتج عن ذلك كلِّه ضياعُ الـ 97 بالمئة من الإنجازات بين الأكاديمي من جهة والسياسي من جهة أخرى.
ويُنصِفُ الكاتب الرئيس حسان دياب بسؤاله: “ماذا لو” في الفصل الثاني عشر، قبل أن يُقِرَّ بِضياع الثورة وتركِها المواطنين في دوامة حلقة مفرغة “بين المتاهة التي لا نهاية لها، والمخاض الصعب والمؤلم لولادة وطنهم بصورة جديدة، يبنون فيه دولة تليق بآمال أبنائهم وحقوق أحفادهم بحياةٍ كريمة». إنها الولادة التي يجب أن تصحّح في ذاكرة اللبنانيين صورة الثورة التي بدأت من أجل الرغيف وانتهت إلى ألوانٍ شتى من التعصّب والضياع. هذه الولادة لا يمكن أن تتحقق إلا بالمُواطَنة وَمُثاقفة الدولة، أيّ الإيمانِ بها ثقافةً جامعةً للتنوّع اللبناني لا مكاناً للزَّبائنية والخوفِ المفترض من فائض قوة هنا وتناقص قوة هناك، لأنّ الدولة لا تُبنى على الخوف ولا على التنصل تحت ذريعة خوفٍ لا مبرّر له على الإطلاق.
نحن أَيتها السيدات والسادة في مرحلة المخاض أو البرزخ الواقع بين الثورة والمتاهة على ما ورد في عنوان الكتاب. لكنه مخاضٌ عسرٌ شديدُ الآلام، لأنَّ كلّ شيء في لبنان مصنوع خارجه، ومربوط بالتسويات، ومرهون بالتفاهمات التي قد تتأخر فتطولُ المتاهة.
أتمنى عزيزي الأستاذ ناصر أن يكون حسن ظنك بالتغيّرات العالمية والإقليمية على ما ذكرت تفاعلياً تَساكُنِيّاً في بلدنا، أيّ بانِياً لمزيد من الجسور بين لبنان ولبنان أولاً وبينه وبين عمقه الاستراتيجي. وحتى ذلك الحين نأمل، في غَمرةِ السباق بين الانفراج والانفجار، أن يتمعّن البعض جيداً في مقولة كيسنجر “لبنان فائض جغرافي” لِنستدركَ ونتّعظ قبل طرح صِيَغٍ على الكيان والنظام تحقق هذه المقولة لا سمح الله فنحوِّل أنفسَنا إلى فائض تاريخي ضائع في الذاكرة.
وبالحديث عن الخوف وما يُحاك للصيغة والكيان، لا يمكنني الاّ أن أتوقف عند ما أدلى به مؤخّراً الرئيسُ الفخري لجامعة الكسليك، الأب الدكتور جورج حبيقة، وسبقه اليه قبلاً كلٌّ من ميشال شيحا في كتابه «فلسطين» والمفكّر الصهيوني مائير كاهانا؛ الأب الدكتور جورج حبيقة يؤكّد كما شيحا وكاهانا على أنّ إسرائيل سابقاً وراهناً، تعتبر أنّ لبنان المتنوّع يمثّل الصورةَ النقيضَ لها ومصدرَ خطرٍ على تركيبة كيانها ولذلك عملت وسوف تبقى تعمل على إزالة لبنان من خلال القضاء على الصيغة اللبنانية؛ ونحن بدورنا، كوزارة ثقافة في الجمهورية اللبنانية، نؤكّد على الدوام أنّ مشكلتنا كلبنانيين مع إسرائيل لا تختصر في أنّ الأخيرة تمثّل الباطل الذي اغتصب أرض فلسطين، بل وأيضاً لأنّها تطمع في أرضنا وثرواتنا وتسعى للقضاء على وطننا لأنّه بتنوّعه وعيش المعيّة الذي يميّزه ويمثّل سببه الموجب يشكّل النقيض لعنصريتها ويسقط أخلاقياً ومعنوياً المبرّرات الواهية لاستمرار وجودها في فلسطين الحبيبة، ولهذا ترى إسرائيل أن لا رسوخ لها في هذه المنطقة الاّ بالقضاء على النموذج اللبناني الذي يناقضها.
نعم أيها الأحبّة هذه هي إسرائيل، عدوٌّ متربّصٌ بلبنان، تستهدف هي ومَن خلفها التنوّع والوجود المسيحي تحديداً، ولا يظنّن أحدٌ أنّها مجرّد مصادفةٍ استيلاد كلّ هذه الأزمات في لبنان، والضخ الإعلامي الذي يرمي الى تيئيس المسيحيين وتخويفهم وحضّهم على الهجرة المتزامن مع ضخٍّ لتثبيت النزوح عندنا، إنّه مشروع إسرائيل ومشروع من يسعى الى ترسيخ وجود إسرائيل، إنّه استنساخٌ لمشروع دين براون وإرسال البواخر في السبعينيات لحمل المسيحيين عليها الى بلادٍ أخرى بعد إيهامهم كما اليوم بأنّ النموذج اللبناني ميؤوسٌ منه وبأنّ المكوّن المسلم ينوي ابتلاعهم وإلغاء حضورهم وبأنّ عليهم أن يعمدوا إمّا الى السعي الى التقسيم تحت عناوين ملطّفة كالفدرلة أو الى الهجرة والتفتيش عن حياةٍ لهم في الغرب. والتصدّي أيّها الأحبّة لمشاريع الشرذمة هذه لا يكون الاّ بالوعي والوحدة الوطنية والإجماع على إجهاض المكائد الاسرائيلية وحفظ مقدّرات ردعها وأهمّها مقاومتنا الشريفة الأبيّة.
ويا أستاذ ناصر، قلتَ إنّ ما يجبُ النقاشُ فيه هو المنهجُ لا جدولُ الأعمال، وهذا المنهجَ فلسفيٌّ بطبيعتِه لأنه يسعى إلى «بناء دولةٍ تساوي بين مواطنيها بعيداً عن تمايزاتِ الأعراق والأديان، دون الوقوع في استبدال طائفية صريحة بطائفية تختفي خلف قناع الديموقراطية». فأنت بهذا القول تعيدُ الاعتبارَ إلى دور الفكر في قيامِ الأوطان وفي قيامتِها من أزماتِها. دورٌ صرنا نفتقدُه في لبنان بعد تفشّي العصبيّاتُ القاتلة فيه تفشّياً سريعاً مريعاً، بعيداً عن العقل والمنطق، لا بل حتى بعيداً عن مصلحة الوطن والمواطنين.
أدامك الله قنديلاً يستنار به في حُلْكةِ هذا الليل. والسلام.
مشرفية
وألقى الوزير السابق البروفيسور رمزي مشرفية كلمة استهلها بالقول: ليس سهلاً أن يتحدّث الإنسان عن نفسه، إذ ذاك يكون قد وقع في نرجسية لا تلاقي ترحيباً من الناس.
والنفس هنا، ليست شخصاً بعينه، وإنما حكومة، يمكن وصف أعضائها، وأنا منهم، بأنهم مجموعة مغامرين، أصابتهم مسحة أمل بأنهم قادرون على إنقاذ البلد من انهيار لم يكن ظاهراً حجم الهاوية التي وقع فيها.
لذلك، أترك للأساتذة الكرام، مسألة تقييم التجربة، التي سلّط عليها الضوء الصديق المبدع الأستاذ ناصر قنديل، بأسلوب تجاوز مسألة التأريخ، إلى صياغة تشريح كامل لواقع لبنان، والظروف الموضوعية التي حكمت تسمية دولة الرئيس الدكتور حسان دياب لتشكيل الحكومة، ثم قدّم إحاطة شاملة للوقائع السياسية التي طوّقت محاولات الحكومة لتحقيق إصلاح بنيوي، وتعمّق أكثر في تفسير الظروف التي أدت إلى استقالة الحكومة.
في هذا السياق، أستطيع القول إنّ الأستاذ ناصر قنديل وضع بين يدينا، وللتاريخ، وللمستقبل، قراءة سياسية عميقة جداً لتركيبة البلد، وطريقة حكمه، ودور القوى السياسية فيه، وحجم تأثيرها على القرار السياسي، والإصلاحي، وقدرتها على إدارة دفّة البلد في الاتجاه الذي تريده، وبالتالي، عدم قدرة أي مشروع إصلاحي على التطبيق من دون شراكة كاملة للقوى السياسية فيه.
ربما هنا تحديداً، يعتبر الأستاذ ناصر، أنّ حكومة الرئيس دياب جاءت في سياق منطقي لانسداد واجَه القوى السياسية التي بدت أنها تخشى حراك الشارع في ما كان يُسمّى ثورة أو انتفاضة 17 تشرين، لكن من خارج السياق السياسي والتوازنات التي ما كانت لتسمح بتسمية رئيس من خارج تلك القوى. وربما يعتبر الأستاذ ناصر أنّ تسمية الرئيس دياب ثم تشكيل الحكومة، كان يمكن أن ينجز تحوّلاً كبيراً في مسار البلد على مستوى الإصلاح وعلى مستوى وقف الانهيار والبدء بتطبيق خطة الإنقاذ، وأن الفرصة ضاعت والحكومة فشلت في تحقيق هذا التحوّل بسبب ما واجهته من داخلها، وأنّ القوى السياسية التي اختبأت خلف الحكومة عند تشكيلها، بسبب ضغط الشارع، تخلّت عن الحكومة سريعاً عندما شعرت أنّ الشارع لم يعد يشكّل خطراً عليها.
لكن، ومن داخل التجربة، يمكنني التأكيد، أنّ تلك الحكومة حققت في أقلّ من ستة أشهر، إصلاحات لم تكن أيّ حكومة قادرة على إنجازها، لاعتبارات كثيرة، من بين أبرزها أن القوى السياسية لن تقوم بإصلاحات تقلّص من دورها ونفوذها ومصالحها في تركيبة البلد. وهنا تحديداً جوهر ما واجهته حكومتنا التي لم يكن رئيسها، الرئيس دياب، ولا وزراؤها، يريدون شيئاً لأنفسهم، وهو المعيار الذي حدّده دولة الرئيس دياب لحظة تكليفه بتشكيل الحكومة.
ومن داخل التجربة أيضاً، يمكنني التأكيد أن أي حكومة، ومهما بلغ حجم المظلة السياسية التي تحميها، لم تكن تستطيع أن تحقق في 6 أشهر ما حقّقته حكومتنا، في ظل ظروف استثنائية وغير طبيعية.
لقد واجهنا في أسابيع قليلة انهياراً اقتصادياً حاداً جداً ومتراكماً منذ عشرات السنوات، ووضعنا خطة إنقاذ مالية واقتصادية واجتماعية ومعيشية، في خلال أسابيع معدودة، وكان يمكن لهذه الخطة أن تضع البلد على سكة الإنقاذ الفعلي، وأن يخرج من حالة التخبّط في السياسات المالية التي كانت متبعة، وأن يتوقف الانهيار المتسارع.
لكن.. بكل أسف، كنا نصارع الواقع السياسي المتجذّر، ولم ننتبه إلى أن أحلامنا بالإنقاذ هي كوابيس لكثيرين يتضرّرون من الإصلاح.
لقد واجهنا في أسابيع قليلة، جائحة كورونا التي هزمت دولاً عظمى، لكننا نجحنا في احتوائها بنسبة عالية.
لقد وضعنا العديد من الإصلاحات، في مختلف القطاعات، وهي على الورق، أصبحت من استراتيجيات الدولة اللبنانية، لكنها تحتاج إلى قرار سياسي لتطبيقها.
وهناك الكثير الكثير من التحديات التي عملنا على احتوائها، فنجحنا أحياناً وأحبطتنا العقلية السائدة في أحيان أخرى.
من هنا، أستطيع يا أستاذ ناصر، أن أؤكد أنّ حكومة الرئيس الدكتور حسان دياب لم تكن تجربة فاشلة، وإنما كانت فرصة ضائعة، وهي، ستبقى في ذاكرة اللبنانيين كنموذج مضيء، حتى لو حاولوا تشويه صورتها وسمعتها، كما فعلوا ويفعلون في تزوير الأرقام المالية التي تتغيّر بين يوم ويوم ولسان وآخر.
ثبت بالدليل وبالوقائع، أنّ ما قالته وفعلته تلك الحكومة كان صائباً، وأنّ حملة التشويه والتضليل لرمي كلّ الانهيار عليها هو مجرّد أكذوبة لا يمكن أن تستمر طويلاً.. واليوم، مع انتهاء ولاية حاكم مصرف لبنان نهاية هذا الشهر، سيكتشف اللبنانيون أكثر فأكثر كم كان الرئيس دياب محقّاً في رؤيته للتعامل مع الأزمة المالية.
لن أطيل أكثر، لكني لا أستطيع القفز فوق الاستمرار ببث الأضاليل وتشويه الحقائق، وبالتالي، تحمّل دولة الرئيس دياب هذا الظلم في تقييم تجربته التي أنصفها الأستاذ ناصر في كتابه، بنسبة عالية، وكان أميناً وصادقاً في الحكم على تلك الحكومة.
أتوجه بالشكر الجزيل إلى الأستاذ ناصر، الذي أزال كثيراً من الالتباسات في تقييم تجربة حكومة مواجهة التحديات برئاسة دولة الرئيس الدكتور حسان دياب.
الهاشم
وقال الدكتور بسام الهاشم: أما بعد، فقبل عقدين من الزمن، كنت أنا وناصر قنديل ـ مع حفظ الألقاب ـ في السياسة، على مقلبين متقابلين. فهو كان من الوجوه السياسية والإعلامية والفكرية البارزة في أوساط التركيبة الحاكمة الموالية لنظام الوصاية السوري، وأنا، كأحد مؤسسي التيار الوطني الحر (الذي كان قدري أن أغادره، كما يعرف بعضكم ولا ريب، سنة 2018)، كنت من المناضلين ضدّ هذه التركيبة. وكان الأستاذ ناصر يشكل بالنسبة إليّ قطباً جاذباً بسحر بيانه؛ ولكنه كثيراً ما كان، في آن، يستفزني بقوة منطقه في الدفاع عن قناعات كانت مع قناعاتي يومها على طرفي نقيض.
ولكن بعد خروج الأخوة السوريين من لبنان، ربيع 2005، وحلول المصالحة المعروفة ما بيننا، وبعد ذاك، توقيع وثيقة 6 شباط 2006 بين التيار وحزب الله، التي ـ للمناسبة ـ كنت من الذين أسهموا طويلاً في التمهيد لها، بالانفتاح على الحزب والتواصل معه، انقلبت ما بيننا العلاقة إلى منقلب آخر، فتعمّق انبهاري بشخصية الأستاذ ناصر، وسعة إحاطته، فضلاً عن قوة حجته، في تناول الأمور التي يتناولها محللاً ومناقشاً. ولكنه بات لا يستفزني. لا بل صرت، كلما استمع إليه أو أقرأه، أشعر برغبة في الاستزادة.
والحقّ أن ما أقوله هكذا عن الرجل بصورة عامة، أقوله أيضاً اليوم، وبوجه الخصوص، عن مؤلف الكتاب الذي نجتمع حوله اليوم: «ثورة… مخاض أم متاهة؟ حسان دياب: حكومة فاشلة أم فرصة ضائعة؟» هذا الكتاب اللافت بأكثر من ميزة اشتمل عليها، سواء من حيث المبنى أم من حيث المعنى، وسواء لجهة عمق التحليلات والبناء عليها لاستشراف المستقبل، أم لجهة متانة التوثيق وشموله، مشفوعةً بفرادة مفرداته (ولكنه أيضاً لافت ـ وأستميح الأستاذ الكبير عذراً لقولها ـ لجهة الطول المفرط، أحياناً غير قليلة، لجمَله وتكثف الأفكار فيها، اللذين أجبراني، والله يشهد، على قراءته مرتين بهدف التأكد على نحو يقيني من دقة تلمّسي لمقاصده.
موضوع الكتاب وتصميمه
في ما يتعلق، بدايةً، بموضوع الكتاب، هو، كما يتضح من عنوانه بلا عناء، ما شكّلَته من ظاهرةٍ سياسية ووطنية غير مسبوقة في تاريخ لبنان، حكومةُ الرئيس حسان دياب التي وفرت ثورة 17 تشرين الأول 2019 الفرصة، أصلاً، لاختيار رئيسها من خارج النادي التقليدي لرؤساء الحكومات، وتالياً لتشكيلها من غير السياسيين المحترفين، ولكنها لم تعمِّر طويلاً. وقد شاء المؤلف الكتاب محاولة للإجابة عن سؤال مزدوج، وهو بشقّيه:
ـ أولاً، هل كانت هذه الحكومة (التي مرّت كالنيزك، كما يقول الفرنسيون) مجرد حكومة، حكومة كسائر الحكومات، وفشلت في بلوغ أهدافها، أم كانت بالعكس فرصة للتغيير وضاعت علينا؟
ـ وثانياً، في خلفية هذه الحكومة، ماذا عن الثورة التي تسبّبت بتشكيلها: هل كانت في جوهرها مخاضاً (أيّ حراكاً من شأنه إحداث تغييرٍ ونقلةٍ إلى الأمام)، أم بالعكس، متاهة (أيّ حركة تدور حول نفسها بلا نتيجة سوى إعادة إنتاج ما هو قائم)؟
والحقّ، إلى ذلك، أنّ ما قصده المؤلف من وراء دراسة هذه الظاهرة لم يكن حصرَ النظر فيها من أجلها هي فحسب، بل توثيقَها وفكَّ أحجياتها كظاهرة، وصولاً إلى استخلاص العبَر منها في نص يبقى للأجيال المقبلة مرجعاً يمكن الرجوع إليه والإفادة منه لتحاشي الوقوع في ما بات تقليداً عندنا، وقوامه تكرار التجارب نفسها، بدون أن نتعلم منها شيئاً.
وهذا تالياً، ما من أجل الوصول إليه، امتد الكتاب مدى 333 صفحة، من أصلها ملحق من 80 صفحة اشتمل على سبع وثائق مهمة صادرة عن الرئيس دياب وحكومته، وفي طليعتها خطة التعافي المالي التي تمّ وضعها ولكن استحال كلياً تنفيذها، بالإضافة إلى أربعة وثائق من إعداد المؤلف، هي جميعاً على صلة بمواضيع حساسة تطرق إليها الكتاب. وقد توزع النص الواقع في ما تبقى من صفحاته (حوالى 250 صفحة) ـ عنيتُ نص الكتاب بحدّ ذاته ـ على سبعة عشر فصلاً، بالإضافة إلى تقديم من حوالى 6 صفحات.
كما جاءت الفصول هذه موزعة على ثلاثة أبواب. وقد تمحور أولها (5 فصول) حول سعي إلى تقصي طبيعة الظاهرة المعنية بالبحث (أي حكومة الرئيس دياب ومن ورائها ثورة 17 تشرين)، وصولاً إلى معرفة ما إذا كان فحواها مخاضاً بالمعنى الذي سبق تحديده، أم متاهة. وفيما تمحور الباب الثاني (7 فصول) حول تفكيك مكونات الظاهرة هذه، وتحرّي أسبابها البعيدة، فمحاولة معرفة هل كان ما انتهت إليه مجرد فشل أم بالأحرى ”فرصة ضائعة“، وقد تمّ تجميع المكونات المشار إليها تحت عناوين من مثل ”الدولة العميقة“، و”دولة المصارف“، و”الثورة العميقة“، و”نظام الفقاعة“، و”الثورة المغدورة“، إذا بالباب الثالث والأخير (5 فصول أخرى) يذهب إلى أبعد من هذا كله. وقد تجاذبه في هذا السياق السير في وجهتين متعارضتين: إحداهما تربط الظاهرة بسياق التكوين التاريخي المتناقض (بين المخاض والمتاهة) للبنان الوطن والكيان السياسي، لتحرّي مدلولاتها بالنسبة إليه؛ وأخرى تحاول بناء توقع لما يمكن أن يعقب حالة المراوحة في الانهيار القائمة اليوم في البلد، من بين احتمالات ثلاثة ممكنة وهي: التصعيد الثوري، والمزيد من الغور في المتاهة، والبقاء في المراوحة (مع ترجيح هذا الاحتمال). وقد أستعين، للمناسبة، في توصيف هذه الاحتمالات وتعيين شروطها بنموذج نظري مستمدّ من علم الزلازل، ولا يخلو من الإغراء؛ غير أنّ المجال لا يتسع الآن، وللأسف، للاستفاضة بشأنه.
فعلامَ بالتالي انطوى الجواب الناتج من هنا، عن السؤال المزدوج الذي كان تحديداً، كما سبقت الإشارة، الحافز على القيام بهذه الدراسة؟
جواب مزدوج عن السؤال المزدوج، لقد كان باختصار التالي:
في ما يتعلق، أولاً، بما سُمّي ثورة 17 تشرين، كانت بالفعل في أساسها ثورة أصيلة نابعة من عمق الوجدان الشعبي اللبناني، تهدف إلى مكافحة الفساد والفاسدين في البلد؛ ولكن سرعان ما تمّ اختراقها وحرفها عن هذا الهدف الوطني الذي لا جدال في أحقيته نحو محاولات مشبوهة (تحرّكها في الخفاء الولايات المتحدة وإسرائيل) للنيل من حزب الله، وشيطنته وإضعافه، وذلك بالتواطؤ ما بين اثنين هما، حسب معجم المؤلف: ”الدولة العميقة“ و”الثورة العميقة».
أفيُسأَل، والحال هذه، بدايةً من هي ”الدولة العميقة“؟ هي، برأي الأستاذ قنديل، مصرف لبنان والمصارف، بالإضافة إلى السفيرة الأميركية والبطريرك الماروني، وجبهة نيابية عابرة للكتل (ومن أعلامها: جورج عدوان وابراهيم كنعان ونقولا نحاس وياسين جابر وإيلي الفرزلي)، فضلاً عن بعض الإعلاميين والتلفزيونات (أل بي سي، أم تي في، الجديد، وسواها)، ورموز الثورة البدلاء، الذين تولى الإعلام هذا تصنيعهم ليحتلوا واجهة الثورة (وبعض هؤلاء صاروا نواباً في انتخابات أيار 2022).
أما ”الثورة العميقة“، التي، للمناسبة، ليست بعيدة عن ”الدولة العميقة“، والتي ينسب المؤلف أبوّتها وأمومتها أساساً إلى جيفري فيلتمان، وبعده إلى ديفيد شينكر، وديفيد هيل، وباربرا ليف (ص 131)، فهي تضمّ، إلى هؤلاء، كل ما تمّ وضعه بتصرفهم من أموال (بمليارات الدولارات) وأدوات ومجموعات وأجهزة لاستخدامها في التحويل الآنف ذكره لهدف الثورة من مكافحة الفساد والفاسدين إلى النيل من حزب الله وشيطنته (ومن هذه الوسائط المساعدة، كما يضيف المؤلف، ”جمعيات الثورة“ وتلفزيوناتها، والمحقق العدلي في تفجير مرفأ بيروت، فضلاً عن مجمل القوى والأجهزة المتكونة في العالم لوضع نظريات الحرب الناعمة ومخرجاتها، من ثورات ملونة، وحركات مطالبة بحقوق المثليين، وما شاكلها، موضع التنفيذ.. وكل ذلك لمصلحة إسرائيل.
أما في ما يتعلق بالشق الثاني من سؤالنا المركزي، أيّ الشق المتعلق بحكومة الرئيس دياب، فقد جاء الجواب عنه بأنها كانت في الحقيقة لا حكومةً فاشلة، بل فرصةً ضائعة: حكومة من خارج العلبة جعل اختيار رئيسها، أولاً، ومن ثم تشكيلها على يده مُمكنين، الظرف الاستثنائي الذي أوجدته ثورة 17 تشرين. وأما الأسباب الحقيقية، والعميقة، لضياع الفرصة المتمثلة فيها، فهي أعطاب بنيوية ما زالت ماثلة في صلب تكويننا المجتمعي الهش في المحافظة على لحمته بوجه الضغوط التي قد يتعرّض لها، وجوهرها استمرار مجتمعنا، كما كان منذ ما قبل إعلان دولة لبنان الكبير، مركباً من طوائف لا تناضح مجتمعياً ما بينها، فضلاً عن كونها، في معجم المؤلف، مراكز الاستقطاب السياسي الأساسية فيه.
بالمختصر المفيد، يعنيني الإقرار، بأنّ ما تمكَّن ناصر قنديل من تقديمه لنا في كتابه الذي اجتمعنا حوله اليوم إنما كان، برأيي، في موضوعه، كناية عن مرجع فريد بمواصفاته العلمية (موضوعيةً، ودقةً في المنهج التحليلي، وإحاطةً، وجودة للتوثيق) سوف يصعب على الباحثين مستقبلاً عدم الرجوع إليه في توثيق أيّ عمل بحثي سواءً حول الظاهرة المعنية أم حول هذا الجانب أو ذاك من جوانبها. وصحيح أنه كانت لي على هذا الكتاب، في الشكل، ملاحظة تتعلق بطول جملته وتكثف الأفكار فيها أحياناً كثيرة. ولكن هذا مجرد مأخذ شكلي من غير الصعب على المؤلف تداركه في أيّ طبعة جديدة قد تحصل للكتاب مستقبلاً.
هذا في ما يتعلق بالشكل. أما على صعيد المضمون، فمع أني بالإجمال موافق على ما ذهب إليه الأستاذ ناصر من نسبة أبوة ”الثورة العميقة“ وأمومتها إلى الولايات المتحدة وإسرائيل، والقول بتصنيع رموزها ”المفبركة“ من قبل الـ NGOs، وأجهزة المخابرات، لا أشاطر البتة الأستاذ ناصر قناعته المعبّر عنها مراراً بين دفتي الكتاب، ببراءة المقاومة، أقله من الإسهام في تحويل الثورة إلى ما تحوّلت بالنتيجة إليه، أيّ من حراك شعبي صادق ضدّ الفساد والفاسدين إلى حراك مشبوه لنخب مصنَّعة، يستهدف النيل من حزب الله وشيطنته. ولي، على صحة ما أدّعيه من هنا، دليل في ما عوملنا به من قبل المقاومة وأجهزتها، وخصوصاً وسائل الإعلام المقرّبة منها، أنا وكثيرون مثلي من محبّيها (عنيتُ محبي المقاومة) الذين شاركوا في هذه الثورة، من تجاهل، لا بل من تنكّر. فقد كان، في النهاية، بإمكان المقاومة فتح الأقنية التلفزيونية والإذاعات التي تخصّها، أو لها مونة عليها، أمام الثوار غير المشكوك بخلفياتهم، من أمثالنا، لتمكينهم من تظهير الوجه الآخر، أيّ الحقيقي، للثورة، لو كانت تنوي فعلاً تسهيل إنجاحها. ولكن حسابات سياسية خاصة كانت لحزب الله، تجاه كلّ من حليفيه، حركة أمل والتيار الوطني الحر، حالت ـ كما يتضح ـ دون ذلك.
ولكن هذه ليست ملاحظتي الوحيدة على الكتاب، لجهة المضمون. بل أضيف إليها ملاحظة أخرى، تقع من جهتها في باب التحفظ وحسب، من قبلي، وليس في باب الاعتراض. ففي تشخيصه للأسباب البعيدة المسهّلة أبداً لتحوّل الثورة إلى متاهة فيما المصلحة الوطنية العليا كانت لتكمن بالأحرى في استمرارها مخاضاً، يذكر الكتاب البنية المنعوتة بالطائفية لمجتمعنا باعتبارها السبب الأكثر حسماً في هذه الوجهة. وهذا ما أوافق عليه من جهتي بدون أيّ تحفظ. ولكن ما أتحفظ عليه هو، بداية، الاستمرار بتسمية المشكلة المعنية بالطائفية، فيما الأصحّ هو تسميتها ”الطوائفية“ بما تعنيه من فرز للبنانيين إلى طوائف غير متناضحة. ولكني لا أكتفي بذلك، مصراً على ضرورة الذهاب إلى أبعد: إلى التسليم بأنّ تجاوز الطوائفية لا يكون بمجرد فعل إرادي ينحصر في تغيير (من أين يأتي؟) للقناعات، بل بتغيير لقواعد بناء الخلية الأولى للمجتمع، أساسه على الأقلّ فتح المجال، إلى جانب التعدّد القائم في منظومة الأحوال الشخصية وقوانينها المذهبية، أمام قانون مدني ـ على الأقل اختياري ـ يكون متاحاً للذين يشاؤون من اللبنانيين اعتماده لبناء أسرهم على قاعدته.
قصير
بداية أودّ أن أشكر المناضل والزميل العزيز الكاتب والإعلامي والباحث الأستاذ ناصر قنديل واللقاء الإعلامي الوطني لدعوتهما لي للمشاركة في هذه الندوة الحوارية الهامة ومع هذه الشخصيات الوطنية الكريمة.
الكتاب صدر قبل أسابيع قليلة عن دار الفرات وقد أقيم حفل إطلاق له في المكتبة الوطنية ولكنه لم يحظ حسب ملاحظاتي بنقاش موضوعي وعلمي رغم أهميته وما تضمّنه من معلومات ومعطيات حول الواقع اللبناني ولا سيما حول ما سُمّي ثورة أو حراكَ أو انتفاضة 17 تشرين الأول في العام 2019 وما تلاها من تطورات وأحداث وأهمّها تشكيل حكومة الرئيس الدكتور حسان دياب وتجربتها الصعبة.
وأنا أتذكر أنه عندما كان الدكتور حسان دياب يناقش البيان الوزاري لحكومته في البرلمان ولقيَ معارضة شديدة من بعض النواب قال كلمته الشهيرة: أعلم أنني أمسك بكرة النار وأسعى لمنع اشتعالها أو للتخفيف من آثارها، فإذا نجحت أُشكر على ذلك، ولكن كرة النار موجودة اليوم، وفي هذه اللحظة وكنت أستمع الى كلمته في منزل الأهل، رفعت والدتي وهي المرأة التي تجاوزت الثمانين وغير المسيّسة، يدها الى السماء ودعت الله ان يعين الدكتور حسان دياب على هذا الحمل الثقيل .
أما الصديق العزيز ناصر قنديل (أبو عيسى) فتعود معرفتي به الى أيام السبيعنات من القرن العشرين عندما كان يوزع جريدة «صوت الشغيلة» في شوارع الضاحية الجنوبية حاملاً هموم الناس والمواطنين ومقدّماً نموذجاً مميّزاً للمثقف والمناضل العضوي، ومنذ ذلك الوقت وأنا أتابع مسيرته النضالية والإعلامية والسياسية في كلّ مراحلها وليس المجال اليوم لتقييم هذه التجربة، بل سأركز على كتابه الجديد.
هذا الكتاب الهامّ والنقدي ينضمّ إلى عدد قليل من الكتب والدراسات التي تحدثت عن الحراك الشعبي في تشرين الأول من العام 2019 وأهمّها الكتاب الذي صدر منذ عدة أشهر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات العامة وأشرف عليه الدكتور خالد زيادة والكاتب محمد ابو سمرا، وبعض الدراسات التي أصدرها المركز الاستشاري للدراسات والتوثيق وأحدها البحث الهامّ للدكتور حسام مطر عن مواقف الشباب اللبناني، إضافة لدراسات ومؤتمرات عقدت من قبل مراكز دراسات لبنانية وعربية وأجنبية ومنها دراسة مهمة للدكتور بسام الهاشم حول الطوائف والطائفية في لبنان.
وأهمية كتاب الأستاذ ناصر قنديل أنه يتناول الأحداث برؤية شاملة مرتبطة بقراءة التاريخ اللبناني والأوضاع الإقليمية والدولية إضافة لكونه أجرى لقاءات مباشرة مع صانعي الحدث من مسؤولين لبنانيين وخصوصاً الدكتور حسان دياب والمعاون السياسي للأمين العام لحزب الله الحاج حسين الخليل وشخصيات أخرى.
والكتاب رغم حرصه على الدفاع عن تجربة الدكتور حسان دياب وحكومته لكنه يقدّم قراءة نقدية وهامة لهذه التجربة وخصوصاً أسباب الفشل والمتعلقة بالصراع الواضح بين حركة أمل والتيار الوطني الحر، كما يقدّم الكتاب أسئلة وإشكالات مهمة على دور حزب الله وعلاقته بالنظام السياسي اللبناني ومشروع التغيير.
والكتاب من أربعة أبواب و17 فصلاً وهو يستعرض كلّ التطورات السياسية التي حصلت منذ الحراك الشعبي أو الانتفاضة في 17 تشرين الأول وما سبقها من تطورات وأسباب فشل حكومة الرئيس سعد الحريري واستقالتها ومن ثم كيفية تشكيل حكومة الرئيس حسان دياب ودورها وهو يتضمّن وثائق عديدة ومهمة عن الحراك الشعبي والجهات التي شاركت فيه وعلاقاتها الداخلية والخارجية.
لكن الجانب الأهمّ في الكتاب أنه يقدّم قراءة نقدية للواقع السياسي اللبناني والحاجة إلى مشروع تغييري جديد قائم على أساس المواطنة ورفض الطائفية والمذهبية والحاجة لإعادة النظر بدور لبنان وعلاقاته الخارجية ودوره الاقتصادي.
ويضفي الأستاذ ناصر قنديل على نصوص الكتاب أبعاداً اجتماعية وفكرية وفلسفية وهو يظهر تطور أسلوبه بعيداً عن النمط المعروف عنه في حواراته ومقابلاته ذات الأسلوب التعبوي او الأيديولوجي وإضافة إلى حرصه الكبير على الموضوعية وعدم اتخاذ مواقف مسبقة وتقديم تجربة نقدية لكلّ الواقع السياسي وحتى لمن يعتبرهم من الحلفاء والأصدقاء.
وهذا الكتاب المهمّ والجريء والنقدي يستحق الحوار والمناقشة وان يُستفاد مما تضمّنه من معلومات وأفكار وطروحات للبحث مجدّداً في الواقع السياسي اللبناني وكيفية الخروج من المأزق الحالي، نظراً لما تضمّنه من معلومات مهمة حول تاريخ لبنان ودور الطوائف والقوى الخارجية وكيفية تطور النظام السياسي ومحاولات التغيير المختلفة، وقد اثبت الاستاذ ناصر: انّ هناك مشكلة بنيوية في هذا النظام، وان كلّ محاولات التغيير والإصلاح التي حصلت لم تنجح لأنها أبقت على البنية الطائفية ولم تتجه لإقامة دولة المواطنة الحقيقية رغم انّ اتفاق الطائف تضمّن آليات معينة للذهاب الى دولة المواطنة لكنه لم يطبّق الى اليوم.
أما على صعيد تجربة الدكتور حسان دياب وحكومته فالكتاب استعرض كلّ التفاصيل المرتبطة بتكليفه والظروف التي أحاطت بذلك وكذلك حول تشكيل الحكومة وعملها والخطط التي سعت لتنفيذها والصراعات بين الحلفاء والتي أدّت الى الفشل في تطبيق تلك الخطط.
وهو يستعرض بعض الثغرات في أداء الرئيس الدكتور حسان دياب وخصوصاً على الصعيد الإعلامي وانْ كان ينصفه من ناحية قدرته على تحديد طبيعة المشكلة وخصوصاً في ما يتعلق بالسياسات المالية والاقتصادية وسعيه المبكر لإقالة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة والفشل في ذلك بسبب معارضة الرئيس نبيه بري لهذه الخطوة وسكوت حزب الله عن ذلك.
كما أنّ الكتاب يقدّم قراءة نقدية وموضوعية لثورة او انتفاضة او حراك 17 تشرين في العام 2019 والأسباب التي أدّت الى فشل هذه الانتفاضة مع تقديم معلومات تفصيلية حول توزع القوى المشاركة فيها وإشكالية العلاقة بينها وبين حزب الله والتي أدّت الى بروز هذا التناقض الكبير بينهما، رغم انّ الطرفين (الحزب والانتفاضة) كانا يريدان إصلاح النظام السياسي والاقتصادي والمالي، لكن الخلافات داخل الانتفاضة وتقديم المعركة ضدّ سلاح حزب الله او المقاومة ادّى الى هذا التناقض والصراع، إضافة الى عدم تفاعل قادة الانتفاضة مع الرئيس الدكتور حسان دياب وعدم التعاون معه لتنفيذ مشروع الإصلاح مما أفشل الانتفاضة وحكومة حسان دياب.
وإحدى ثغرات الكتاب انه لم يتعرّض مطلقاً لانفجار المرفأ وأسبابه وتداعياته وهو الحدث الأهمّ الذي أدّى إلى تسريع استقالة حكومة الرئيس حسان دياب مع انّ الحملة على الحكومة بدأت قبل ذلك وخصوصاً من قبل المؤيدين لها والمشاركين فيها.
ولكن الجانب الأهمّ في الكتاب وهو ما سأختم به مداخلتي وهو رؤية الأستاذ ناصر قنديل للحلّ المستقبلي وهو ما جاء في الصفحة 248 من الكتاب، ويقول قنديل:
« في الحرب والسلم صرف لفائض قوة لإنتاج قيمة مضافة وإعادة صرف اللقيمة المضافة لإنتاج فائض القوة، وإنتاج القيمة المضافة تحدّد قدرة ايّ قطب جاذب على الفوز بجولة جديدة من الاستقطاب التفاعلي، ولانّ القيمة المضافة الاهمّ تبقى فكرة الدولة القائمة على المواطنة، ولانّ الأقطاب الجاذبة التي تتشكل من حولها فوائض القوة عاجزة بنيوياً عن السير بلبنان نحوها لتجذرها في بيئات من الجغرافيا والديمغرافيا غير العابرة للطوائف، يبقى لبنان في المتاهة الأكبر والمخاض المفتوح حتى تتبلور في الجغرافيا السياسية قوة حاضنة بفائض قوة هائل تغيّر وجه الإقليم وتعيد تشكيل قواه وبناء مشروع اقتصادي عملاق يفرض إيقاع جدول أعماله بحيث يتشكل قطب جاذب لا يقاوَم تتجمّع حوله بقوة الجذب أقطاب جاذبة قديمة ويتغيّر اتجاه فعلها، ويتشكل بالحاصل اجتماع سياسي على قواعد جديدة وربما يمكن القول بثقة انّ سورية كانت ولا تزال البيئة الاستراتيجية التي تنضج فيها السياسة للبنان، هكذا في نظر الخارج المتعدّد التوجهات وهكذا في وعي او لا وعي اللبنانيين».
وهنا فليسمح لي الصديق الأستاذ ناصر قنديل ان أخالفه في الاستنتاج رغم أهمية المقدمة العلمية التي تحدث عنها، فنحن بحاجة الى قطب جاذب داخلي يحمل القوة والقدرة على التغيير وهذا لا يتمّ إلا من خلال تشكيل جبهة وطنية عابرة للطوائف وقد يكون حزب الله النواة الأساس لها، بشرط ان تحمل مشروعاً إصلاحياً متكاملاً انطلاقاً من اتفاق الطائف، ويمكن لهذ المشروع ان يساعد اليوم في إعادة تشكيل لبنان والمنطقة مع الانفتاح على التكامل الاقليمي الجديد في المنطقة بعد الاتفاق السعودي ـ الايراني وعودة سورية الى جامعة الدول العربية، فنحن قادرون على طرح مشروع التغيير والتاثير في المنطقة بدل ان نظلّ ملحقين بالخارج.
فأين هي هذه القوة التغييرية الحاملة لمشروع الإصلاح الحقيقي والمتكامل لبناء دولة المواطنة ذات السيادة الكاملة؟ وهل ستأتي فرصة جديدة كي ننقذ لبنان ونخرج من هذه المتاهة مع حكومة جديدة يرأسها الدكتور حسان دياب أو من يشبهه؟
شكراً لكم لاستماعكم وشكراً للصديق ناصر قنديل واللقاء الوطني الإعلامي على دعوتي لهذه الندوة الحوارية.
قنديل
أما صاحب الكتاب رئيس تحرير «البناء» النائب السابق ناصر قنديل فقد اعتبر في مداخلته الختامية للندوة، أن ما يجري حول مستقبل وضع الليرة وحاكم مصرف لبنان، يؤكد الاستنتاج الذي ثبّته في كتابه حول أنّ الدولة العميقة كانت ولا تزال في مصرف لبنان، الذي ثبت أنه أقوى وأكثر تجذراً في المعادلة الخارجية المحيطة بلبنان، من كلّ رموز الدولة ومؤسساتها، وأنه محور إشارات أخذ البلد الى الانفجار أو الانفراج، من خلال إمساكه بسعر الصرف، عبر السيطرة على مصير الفائض المحقق في ميزان المدفوعات بفعل تدفقات الاغتراب وتراجع الاستهلاك والاستيراد من جهة، وضخ الليرات المطبوعة بحاجة ودون حاجة من جهة مقابلة.
وأكد قنديل أنّ مطالبة حزب الله بالانضمام الى ثورة 17 تشرين والسعي لقياداتها لم تكن في مكانها، لأنّ في هذه الدعوة تجاهلاً لحقيقة قوامها فهم علاقة العصبية ببناء الدولة كما يقول المؤرّخ والفيلسوف العربي الكبير ابن خلدون، وإذا كان الضياع في مرجعية الدولة بعد الطائف عائداً إلى أنّ اتفاق الطائف بإقامة نظام الشراكة الطائفية ألغى العصبية القائدة التي مثلتها النخب الحاكمة في نظام ما قبل الطائف التي مثلتها النخبة المارونية، وذلك كان نتيجة طبيعية لعدم إخلاص هذه النخب للنص الجامع الذي قدّمه أسلافها كخطاب لتشكيل أمة، كما يقول ابن خلدون أيضاً، خصوصاً لجهة الموقف من كيان الاحتلال الذي جاء في النص التأسيسي للنخب المسيحية أنه النقيض الوجودي للبنان، وقد تمّ التخلي عن هذا النص وصولاً لقيام البعض بإزالة الحرم عن التعامل مع الكيان، لكن هذا يجب أن لا يعني للحظة أنّ الصعود الشيعي في المعادلة الديموغرافية وفائض القوة العسكري للمقاومة يسمحان بالقول إنّ ظروف تشكيل عصبية شيعية لبناء الدولة قد نضجت، وايّ تفحّص علمي يفيد بأنّ المقاومة لا تملك نصاب القدرة على التغيير، وهي في قالب ديموغرافي وجغرافي يمثله الشيعة، الذين لا يزال تأثيرهم المالي والمصرفي والتجاري والصناعي ودورهم في القطاع الجامعي والنقابي، عناصر لا تتيح لهم التحوّل إلى عصبية قائدة في الدولة.
وقال قنديل إنّ ما أظهرته ثورة 17 تشرين وتمّ شرحه في الكتاب، هو ثلاثة إمكانيات قابلة للتكرار، بدليل وقوعها، أوّلها أنّ حدوث الانفجار ممكن تأسيساً على فشل النظام السياسي اقتصادياً ومالياً، وعجز الجماعة السياسية عن إدارة الأزمة بالطرق التقليدية لتشكيل السلطة، وثانيها أنّ الثورة الشعبية العابرة للطوائف ممكنة الحدوث، وصولاً الى إحداث التوازن السلبي بين النظام والثورة، وبالتالي فإن فرصة وصول رئيس حكومة إصلاحي بقوة هذا التوازن ممكنة، والأهمّ ما اكتشفناه من أنّ مثل هذا الرئيس الإصلاحي الوطني المترفع عن العصبيات والمصالح والمنافع، موجود، وقادر على اكتشاف نخبة تشبهه تشاركه الحكومة، على الأقلّ في الوزراء الذين قام باختيارهم، والفرصة التي ضاعت، هي فرصة استثمار هذا الوجود للسير بخطة النهوض التي وضعتها الحكومة وكانت متاحة، لو لم تتشتت التحالفات التي استندت إليها الحكومة من جهة، ولو توافرت للثورة قيادة عاقلة ووطنية من جهة موازية.
وخلص قنديل الى انّ أبرز استنتاجين يقدّمهما المشهد المستمرّ منذ إفشال حكومة الرئيس حسان دياب كما يُحب أن نصف وضع حكومته، هما أولاً أنّ قانون التضاد الطائفي أقوى من قانون الجذب السياسي، وإذا كانت التبريرات المتبادلة بين حركة أمل والتيار الوطني الحر لتفسير التضادّ بينهما تحاول إنكار هذا الاستنتاج فماذا عما حملته مرحلة ما بعد صدور الكتاب وانتقال التضادّ إلى علاقة التيار الوطني الحر مع حزب الله؟
أما الاستنتاج الثاني، كما أكد قنديل، فهو أنّ تزامن الفراغ والفشل والعجز بصورة مديدة في النظامين السياسيين للكيان اللبناني وكيان الاحتلال، ليس مجرد صدفة، بل هو تعبير عن حقيقة كون نشوء الكيان ترجمة لوعد بلفور وتقسيم المنطقة الى كيانات في اتفاقيات سايكس بيكو، تمّ فرضهما بقوة موازين القوى، وقد تغيّرت هذه الموازين جذرياً، وكما لم يستطع النظام السياسي في الكيان التأقلم مع التراجع في ميزان القوة باتجاه العجز عن شنّ الحروب، فشل النظام السياسي في لبنان بالتأقلم مع التغيير المعاكس الذي مثله صعود المقاومة، ويكفي مثالاً ما يجري في مناقشة مواصفات رئيس الجمهورية الجديد، حيث يستكثر جزء وازن من البنية السياسية للنظام على المقاومة ان يكون الرئيس مصدر اطمئنان لها، بدلاً من أن يكون هذا مصدر إجماع.
وختم قنديل قائلاً إنه لا يزال متمسكاً بالاستنتاج الرئيس الذي فسّر به فشل حكومة حسان دياب وضياع الفرصة التي مثلتها، وقوامه الفشل في تغليب المشتركات على التناقضات بين الحلفاء الذين وقفوا وراء الحكومة، خصوصاً ثلاثي التيار الوطني الحر وحركة أمل وحزب الله، فإنّ المخرج الوحيد من الفشل الرئاسي القائم لا يزال رهن نجاح الحوار بين أطراف هذا الثلاثي في بلورة مقاربة موحدة تتجاوز الرئاسة الى شروط قيام ائتلاف نيابي داعم للعهد ويشكل نواة حكوماته، وفق برنامج يستجيب للأساسيات التي يمكن دعوة كثيرين من خارج الثلاثي للانضمام إليها، لأنّ التغيير في بلد لم ينجح بالتحوّل إلى وطن بالمعايير التاريخية الصحيحة، لا يزال ممرّه الإلزامي التسويات الطائفية الهادئة والتراكمية، طالما أنّ الطائفة لا تزال هي الجماعة السياسية الأصدق تمثيلاً.

 

قنديل يشكر الحضور: أملنا
ردّ الاعتبار للغة الحوار والثقافة

توجّه رئيس تحرير «البناء» ناصر قنديل بالشكر للحضور المحترم المشجّع في الندوة الفكرية لمناقشة كتاب «ثورة… مخاض أم متاهة؟ حسان دياب: حكومة فاشلة أم فرصة ضائعة؟»، وذلك رغم التوقيت الصعب في صبيحة يوم أحد وفي طقس حار.
وشكر قنديل في البداية اللقاء الإعلامي الوطني صاحب الدعوة للندوة والمنسق العام الصديق الاستاذ سمير الحسن، كما خصّ بالشكر دولة الرئيس حسان دياب الذي شرّف الندوة بالحضور، ووزير الثقافة القاضي محمد وسام مرتضى الذي احتضن الندوة في قاعة المكتبة الوطنية، وتقدّم بأطروحة قمة في البلاغة والمضمون، والوزير السابق البروفيسور رمزي مشرفية مشاركاً في النقاش بمداخلة قيّمة، والباحثين الدكتور بسام الهاشم والأستاذ قاسم قصير لمشاركتهما المليئة بالمعاني والأفكار والملاحظات البناءة، و للصديق الأستاذ غسان جواد الذي أضفى بإدارته للندوة روحً وحيوية.
وتوجّه قنديل بالشكر إلى رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي الأمين أسعد حردان ممثلاً بعضو المجلس الأعلى في الحزب الأمين د. جورج جريج وعميد الإعلام الأمين معن حمية وعميد العلاقات العامة د. فادي داغر ووكيلة عميد الإعلام رمزا خير الدين ومدير التحرير المسؤول في «البناء» رمزي عبد الخالق.
كما شكر قنديل الوزيرين الصديقين الشيخ وديع الخازن والدكتور عدنان منصور، وسعادة سفير الجمهورية الإسلامية في لبنان السفير مجتبى أماني لتمثيله بمستشاره السياسي مهدي سليماني، ومسؤول العلاقات الإعلامية في حزب الله الحاج محمد عفيف، والشيخ صادق النابلسي، والأستاذ معن بشور ممثلاً بالأستاذ يحيى المعلم، وأمين الصندوق في نقابة محرري الصحافة اللبنانية الأستاذ علي يوسف، والأخ حسن النابلسي مدير مكتب الراحل الكبير الشيخ عفيف النابلسي، وسائر الأساتذة الجامعيين والكتاب من الحضور، وكلّ الزملاء في اللقاء الإعلامي الوطني ومدراء المواقع الالكترونية، وسائر الزملاء في الأسرة الإعلامية، والزملاء في أسرة جريدة «البناء»، والشخصيات السياسية والثقافية، آملاً أن تكون هذه الندوة قد أسهمت، ولو بتواضع، في ردّ الاعتبار لمفهوم النقاش ولغة الحوار، وإعلاء شأن الفكر والثقافة في مقاربة الشأن العام، حيث لا يفسد خلاف في الودّ قضية.

… و «القومي» يبادله الشكر:
صاحب عقل نيّر مشبع بالمعرفة

وجه رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي الأمين أسعد حردان من خلال الوفد الذي مثله في حضور الندوة، كلمة شكر رداً على ما قاله رئيس تحرير »البناء« النائب السابق ناصر قنديل.
وجاء في الكلمة: نشكركم على اللفتة الكريمة التي خصّصتم بها الذين حضروا الندوة، لمناقشة مؤلفك الجديد »ثورة… مخاض أم متاهة؟ حسان دياب: حكومة فاشلة أم فرصة ضائعة؟« فهذه اللفتة تعبّر عن مناقبيتكم ورفعتكم.
والحقُ، أننا مدينون لكم بالشكر لأنكم صاحب عقل نيّر، مشبع بالمعرفة، ثقافة وموقفاً وانتماءً، وتبذلون جهداً جباراً لإحداث فرق في الحياة العامة الثقافية والوطنية، بهدف الوصول الى مجتمع المعرفة، والمعرفة في قاموسنا قوة.
يقول جان بول سارتر »المثقف هو موقف وليس مهنة، ونحن نقول إن تجتمع في شخصكم صفات الوطني والسياسي والإعلامي والمثقف بامتياز، فإنكم الموقف بعينه.
شكراً لكم وكلّ التقدير والاحترام

 

ندوة غنية ومميّزة جعلت للثقافة طعماً آخر

‭}‬ د. خديجة عبدالله شهاب*
لقد كانت الندوة أكثر من رائعة بحضورها الثقافي والسياسي والمتنوّع…
ورائعة بالمتحدثين الذين فصّلوا وشرحوا ونقدوا كتاب الأستاذ ناصر قنديل المعنوَن (ثورة… مخاض أم متاهة؟ حسان دياب: حكومة فاشلة أم فرصة ضائعة؟).
أدلى مدير الندوة الأستاذ غسان جواد بدلوه في هذا المضمار وسلّط الضوء على بعض محطات الرئيس حسان دياب، وعرّج على بعض الخطوط السياسية المستوحاة من الكتاب سريعاً.
وزير الثقافة القاضي وسام المرتضى وضع الكتاب في نصابه القانوني، وركز على الجوانب المهمة فيه والمفاصل الأساسية في حركة السياسة اللبنانية كما رآها الأستاذ ناصر.
اما الوزير رمزي مشرفية فقد نحا باتجاه الدولة العميقة التي هي عنوان رئيس في الكتاب وانطلق منها ليضع يده على جرحنا الطائفي الذي يحوُل ـ حسب رأيه ـ بيننا وبين بناء دولتنا العزيزة التي نتطلع إليها .
أمّا الدكتور بسام الهاشم فقد وضع الكتاب تحت مبضع النقد الأكاديمي وتحدث بحرقة عما آلت إليه ظروفنا الاقتصادية والسياسية، وركز على حركة الثورة التي انطلقت في 17 تشرين الأول من العام 2019. وأكد أنّ الكتاب ممكن أن يكون مادة تدريسية في جامعاتنا.
وقد توافق الدكتور الهاشم في محطات مع من سبقه من المتحدثين، وافترق عنهم في مواضع أخرى ما أثرى اللقاء وأغناه.
وختم الأستاذ قاسم قصير بإطلالة على المقاومة ودورها في توجيه دفة الداخل وتصويب بعض انحرافاته.
ومسك الختام كان مع الأستاذ ناصر الذي أوضح غير نقطة والهدف من الكتاب. فحكومة الرئيس حسان دياب كانت فرصة ضائعة في خضمّ الصراع الداخلي.
وعلى الرّغم من أنه يوم الأحد، ونحن في شهر محرم الحرام إلّا أنّ الحضور كان غنياً والندوة مميّزة .
فشكراً لك أستاذ ناصر، وشكراً جزيلاً لمعالي وزير الثقافة القاضي وسام المرتضى الذي جعل للثقافة معه طعماً آخر.
آملين أن تتكرّر هذه اللقاءات وهذه النقاشات، والكتاب يستحقّ القراءة مجدّداً، والمناقشة بطريقة مختلف…
* أستاذة في الجامعة اللبنانية

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى