نقاط على الحروف

كتاب مفتوح إلى الدكتور وسيم منصوري

ناصر قنديل

سعادة حاكم مصرف لبنان الاستثنائي في هذا الظرف الاستثنائي، مع وقف التنفيذ لبضعة أيام، تتسلم بعدها المسؤولية الكبيرة والخطيرة وعيون الداخل والخارج عليك، وعلى كل خطوة تقوم بها، وكل كلمة تتفوّه بها، ولكل خطوة وكلمة، ثمن في سوق الصرف، يقوّي الليرة أو يفتّ في عضدها، بما بقي لها من عضد، وقد نجحت بإرباك الجميع والمناورة على الجميع، طالما أنك قلت إن التلويح بالاستقالة كان لاستثارة الهمم ورفع السقف للحصول على الأدوات القانونية والتغطية السياسية اللازمتين لمواجهة التحديات الكبيرة بالحد الأدنى من المطلوب، وها أنت اليوم وقد ربحت أولى المعارك بجدارة، ولا يزال أمامك الكثير.
من موقع ما نعلم وخبرة سنوات ممتدّة لأكثر من أربعين، منها أزمة الثمانينيات، التي كتبت في أولها في صحيفة الحقيقة التي كنت رئيس تحريرها، وفي عام 1987 أن دولار بيروت سيقفز من 17 ليرة الى مئة ليرة، ما استدعى صدور بيانات، أهمها واحد من رئيس الحكومة آنذاك الصديق الدكتور سليم الحص، حماه الله، وثانٍ من حاكم مصرف لبنان يومها الراحل الصديق ادمون نعيم، يؤكدان الثقة بسعر الصرف، وما توقعته حول سعر الصرف عندما كان يقول الحاكم السابق، رياض سلامة عن الثقة بوضع الليرة، استطيع بثقة أن أقول لك إن الليرة هذه المرة تنتظر رعايتك لتكون بخير، والقلق عليها كان من بيت أبيها، ومن المتربصين، وإذا اتيح لها حامي حمى، يصدّ المتربصين فهي ستكون بألف خير.
تقول الأرقام إن لبنان تأقلم بتضحيات شعبه، وليس بفضل حاكم سابق، ولا بفضل بنك دوليّ ولا بفضل صندوق نقد دوليّ، مع فارق أن البنك الدولي وصندوق النقد الدولي اعترفا بوجود التأقلم، الذي وفر أسباب الاستقرار النقديّ بينما قام الحاكم السابق بنسبته لنفسه، والتأقلم نفسه جرى قبل ثلاثين سنة، وقام الحاكم السابق بنسبته لنفسه يومها، وجوهر التأقلم، الهجرة والتحويلات من جهة، والاستفادة من انخفاض الكلفة بتشجيع الإنتاج وتوسع نطاق السياحة، من جهة ثانية، وبالتوازي أعاد اللبنانيون ترتيب أولويات إنفاقهم بما ينسجم مع تراجع قدرتهم الشرائية، وفي الخلاصة هناك فائض تدفقات في العملات الصعبة، بأرقام كبيرة كان يتم التصرّف بها عبر منصة صيرفة لحساب المصارف والنافذين، ويكفي وقف هذا التلاعب، حتى يتكفل هذا الفائض بتحسين سعر الصرف، أو يتيح لمصرف لبنان زيادة احتياطاته، وهي غير الاحتياط الإلزامي للمصارف والذي يمثل أموال المودعين، الذي لن تكون بحاجة للإنفاق منه، وتكفي مراجعة الأرقام، ليظهر أن ثبات سعر الصرف لشهور، مع حجم تمويل قام به مصرف لبنان بقيمة تسعة مليارات دولار، دون أن تتأثر احتياطات مصرف لبنان، تأكيدات قاطعة بأن التدفقات الآتية تزيد عن حاجات السوق بهذه القيمة أو أكثر.
سعادة الحاكم، مع وقف التنفيذ لبضعة أيام، تعلم بالتأكيد أن تحويلات اللبنانيين من الخارج زادت من أقل من ستة مليارات دولار قبل ثلاث سنوات، الى أكثر من ثمانية مليارات دولار، طبعاً مع نزيف مئات آلاف اللبنانيين واغلبهم من الشباب الى الخارج، وأن عائدات السياحة زادت من مليارين الى ثلاثة فأربعة خلال ثلاث سنوات، وهي مرشحة هذه السنة لبلوغ ثمانية مليارات دولار، وقد بلغت ستة مليارات حتى الآن، وأن الصناعة قد زاد حجمها الى قرابة العشرة مليارات دولار هذه السنة، وأن الصادرات مرشحة لبلوغ الأربعة مليارات دولار، خصوصاً مع التسهيلات التي تترتب على تخفيض رسوم الترانزيت في سورية على البضائع اللبنانية، وزوال المناخات المتشنّجة في العلاقات العربية.
سعادة الحاكم المطلوب إدارة الفائض وإدارة النهوض، وليس إدارة العجز وإدارة التفليسة. فلبنان قابل للحياة، والمهم أن يستثمر المسؤول على إرادة اللبنانيين بالنهوض، وحاكم مصرف لبنان كان مفتاح الدولة العميقة التي أخذت لبنان الى الخراب والانهيار، بانتظار أن يكون حاكم مصرف لبنان الاستثنائي، مع وقف التنفيذ لبضعة أيام، من تشكيل رافعة يذكرها اللبنانيون بالخير، وأنت قادر على الكثير فلا تتردّد ولا تخضع للابتزاز، وكثيرون مثلنا مستعدون للوقوف إلى جانبك لردّ جوقات البوم التي تريد أن تنعق بالشر، وقد بدأت تبشّر بالويل والثبور وعظائم الأمور.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى