نقاط على الحروف

الكيان على طريق أوكرانيا: الهزيمة بسبب نقص القذائف؟!

ناصر قنديل
– لا تبدو واشنطن مستعجلة لإنهاء الحرب في أوكرانيا، طالما أنها تقاتل حتى آخر أوكراني، بل وحتى آخر أوروبي إذا اقتضى الأمر، وطالما أنه مقابل نزيف الدم الروسي لا ينزف الدم الأميركي، ولذلك لا يتوهّم الأميركيون ربح الحرب هناك، بل يكفيهم استمرارها طالما أن موسكو لن تقرر اجتياح كامل التراب الأوكراني فتدخل حرب استنزاف تعيد إنتاج ذكريات أفغانستان أيام الاتحاد السوفياتي، حيث بولندا قاعدة خلفية تلعب دور باكستان في الحرب الأفغانية، وطالما أن موسكو لن تذهب الى حرب نووية، إلا إذا بلغ التهديد لروسيا الخط الأحمر وهو لن يبلغ، وفي حال بقاء الحرب على وتيرتها الراهنة لا دور للسلاح النووي الروسي فيها، لإدراك موسكو أن لا رياح في هذه الحرب.
– تريد واشنطن استمرار الحرب فقط، لكنها تدرك أن أمامها عناصر تفوّق روسي يصعب التكافؤ معها، وجوهرها في السلاح التقليدي تفوّق السلاح الشرقي في الاعتماد على كثافة النار التي توفرها راجمات الصواريخ، بينما الراجمات الغربية وفي طليعتها منظومة هاي مارس هي منظومة مكلفة ولاستهداف أهداف منتقاة وليست مخصّصة لتوفير الكثافة النارية، اضافة لتفوق روسي حاسم في الصواريخ الاستراتيجية الدقيقة والطائرات المسيّرة، بحيث ان مجرد استمرار الحرب يتحول الى إنهاك لأوكرانيا، لكون الحرب تدور على الأرض الأوكرانية، والقصف يطال المدن الأوكرانية، والذين يموتون هم الأوكرانيون، بصورة قد لا تبقي جيشاً أوكرانياً، لذلك جرى السير بخطة ما وصف منذ خريف العام الماضي بالهجوم الأوكراني المعاكس أملاً بتحريك خطوط الجبهات كما حدث خلال الهجوم على خاركيف وتمّ تحقيق توازن معنوي وميداني في الحرب.
– ما مضى من شهور على مواعيد متعدّدة تم تحديدها لبدء الهجوم الأوكراني المعاكس، دون حدوث تغيير على خطوط القتال، يقول أحد أمرين، إما أن الهجوم بدأ ويستمر لكنه يصاب بالفشل، أو أنه عاجز عن البدء، وفي الحالين، فإن هذا يقول إن الجيش الروسي أعاد ترتيب أوضاعه بعد معركة خاركوف واستعاد التفوق الميداني الهجومي كما قالت معركة باخمونت، والدفاعي كما تقول معارك صد الهجوم الأوكراني المعاكس. وفي حال صد الهجوم من المعلوم أن خسائر المهاجم البشرية تكون أضعافا مضاعفة من المدافع الرابح، ما يعني انهيار الجيش الأوكراني وتفكك بنيته البشرية، وهو ما يقوله قادة كتائب مشاة من النخبة الأوكرانية عما حلّ بوحداتهم من خلال الهجوم الفاشل، حيث كشف تقرير بثته قناة سي بي سي الحكومية الكندية عن انهيار وشيك للجيش الأوكراني، من خلال حوار أجرته القناة مع أحد ضباط العمليات الأوكرانية، الذي وصف كيف يتمّ تدمير كتائب الجيش الأوكراني في ميادين القتال في الهجوم الأخير وتنعدم فرصة إعادة تكوينها وترميمها. وكشف الضابط الأوكراني عن تدمير الدبابات التي أرسلها حلف الناتو للجيش الأوكراني، وقال «إن الروس يستخدمون طائرات هليكوبتر حديثة في تدمير العربات الغربية المتقدمة من مسافة بعيدة، في حين أن مدى أنظمة «ستينغر» للدفاع الجوي المحمولة على الكتف لا يصل إلى بعد كافٍ لتدمير الأهداف الجوية»، وقال «لهذا مُني هجومنا بالفشل».
– صرّح قائد القوات المشتركة لحلف الناتو في أوروبا، الجنرال كريستوفر كافولي، أنه لم تكن هناك نجاحات ملحوظة في هجوم القوات المسلحة الأوكرانية، وقال كافولي إن “الهجوم المضاد الأوكراني لم يحقق نجاحًا كبيرًا بعد، وأن القوات المسلحة الأوكرانية تواجه صعوبات بسبب الدفاعات الروسية”. وحسب ما نقلت صحيفة “فاينانشيال تايمز”، عن القائد قوله: “القوات الروسية لديها ميزة هائلة”. بينما أعلن المستشار السابق لرئيس البنتاغون، العقيد دوغلاس ماكغريغور، أنه لم يتبق من الأسلحة للولايات المتحدة سوى ما يكفي لمدة أسبوع من القتال العنيف بسبب الصراع مع روسيا في أوكرانيا. وقال ماكغريغور في قناته على “يوتيوب”: “إمداداتنا العسكرية تنفد. سألني أحدهم، إذا كانت لدينا حرب كبيرة، فهل يمكننا التعامل معها؟”. فأجبت “حسناً، إذا استمرت لمدة أسبوع فقط، فعندئذ نعم”. وقال ماكغريغور: “القوات المسلحة الأوكرانية على وشك الانهيار. إنها محبطة تمامًا، وهناك عدد كبير من حالات الفرار الأوكراني للجانب الروسي ومن ساحة المعركة بشكل عام. يحاول الناس تجنب الخدمة العسكرية من أي نوع في أوكرانيا”.
– القضية وفقاً لخبراء الناتو، وصناع القرار في البنتاغون على رأسهم، هي قضية الذخائر، ووفقاً لأرقام الناتو والبنتاغون، تحتاج أوكرانيا لنحو 11 مليون قذيفة خلال عام للقتال ضد روسيا، وروسيا تستخدم ضعف هذا العدد ضد القوات الأوكرانية حسب بلومبيرغ. وبقياس القدرة الإنتاجية وحجم المخزون، روسيا مرتاحة لوضعها، بينما مجموع ما يستطيعه حلف الناتو بكل أطرافه وحلفائه لا يكفي لمواصلة الحرب، والذهاب لبناء خطوط إنتاج جديدة يحتاج إلى مدة بين 3-5 سنوات لتعويض الخلل، وهو استثمار هائل وخاسر في آن، لأنه سيفقد مبررات وجوده مع نهاية الحرب، وفيما تملك روسيا 60 ألف سبطانة إطلاق مدفعية وصاروخية لا تملك أوكرانيا بعد الدعم العربي أقل من عشرة آلاف سبطانة إطلاق مدفعي وصاروخي، وكل الحديث عن إرسال الدبابات والحاجة للطائرات، ليس إلا للتغطية على حقيقة أن المشكلة هي في نقص ذخائر المدفعية، ومحاولة الاستعاضة عن مدافع الهاوتزر بمدافع الدبابات او قنابل الطائرات، حتى أن إرسال القذائف العنقودية جاء بعد التحقق من أنها النوع الوحيد المتبقي في المستودعات الأميركية من قذائف مدفعية الهاوتزر الـ 155 ملم.
– نشرت صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية تقريراً يكشف أن كييف استخدمت خلال يومين من القصف قذائف من عيار 155 ملم، يتطلب إنتاجها شهراً كاملاً. ووفقاً لمصدر عسكري أميركي لم يذكر اسمه، فإن القوات الأوكرانية أنفقت هذه الكمية من الإنتاج في يومين من القصف. ونقلت الصحيفة عن القائدة في الجيش الأميركي، كريستين ورموت، قولها إنه “بينما يتم التخطيط لزيادة الإنتاج، يمكن للصناعة الدفاعية الأميركية حالياً إنتاج نحو 14000 قذيفة هاوتزر عيار 155 ملم شهرياً”. بينما نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” تقريرا أعده إريك شميدت وأدم انتوس ورونين بيرغمان وجون إيسمي وتوماس غيبونز نيف، قالت فيه إن الولايات المتحدة أرسلت مساعدات عسكرية لأوكرانيا من أسلحة خزنتها في “إسرائيل”، وتالياً لجأت واشنطن الى مخزونها في كوريا الجنوبية، وقامت بسحب معدل مئة ألف قذيفة من كل من المخزونين.
– أمس، كشفت مجلة جيش الكيان «يسرائيل ديفينس» عن ما وصفته بإنجاز هام في مجال بناء القدرة العسكرية والاستعداد للمواجهة المقبلة على جبهات متعددة، ليتبين أن المقصود هو التعاقد على خط إنتاج قذائف مدفعية الهاوتزر الـ 155 ملم، لإعادة بناء المخزون الذي تم إرساله إلى أوكرانيا، بينما يتحدث خبراء الجيش عن ان حزب الله سوف يطلق قرابة 1500 قذيفة وصاروخ يومياً في أي حرب مقبلة، وأن الرقم سيبلغ 10 آلاف قذيفة وصاروخ يومياً، إذا دخلت سورية وإيران وسائر الحلفاء على خط المواجهة، على قاعدة أن لدى هؤلاء الحلفاء ما يكفي لحرب تزيد عن مئة يوم بهذا المعدل اليومي، فإن المجلة تحدثت عن إنتاج 3300 قذيفة شهرياً، أي ما يعادل ما يتوقعه جيش الكيان من حزب الله في يومين فقط، وحال الكيان بشرياً ونارياً في الانحطاط والتفكك والضعف يسير على خطى أوكرانيا. وبعدما كانت القوة النارية مصدر تفوق الكيان، وكان التفوق المعنوي مصدر تعويض قوى المقاومة المقابل، صار محور المقاومة متفوقاً في كليهما، ومثلما تراقب عيون الكيان مشهد أوكرانيا وتدرسه عن كثب، تراقبه وتدرسه عيون وعقول المقاومين.
– فهل كنّا نتخيل حلول يوم يهزم الكيان ومن قبله حلف الناتو، بسبب نقص القذائف؟!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى