نقاط على الحروف

لبنان: نخب طائفية والأكثرية مذعورة من خطر الحرب الأهلية

ناصر قنديل

– يخطئ من يتصور أن ما تشهده وسائل التواصل الاجتماعي يعبّر عن المزاج الشعبي للبنانيين، ومن يتخذ حادثة الكحالة مثالاً للقياس يجب أن ينتبه إلى أن مجموع الحسابات المشاركة في تناول الحادثة وتقديم سردية طائفية متعصبة لها لا تتعدّى مئتي حساب، يقابلها مثلها عدداً حسابات مشوشة تناوبت على تبني مواقف لا تخلو من البعد الطائفي من جهة ومن الدعوة للتهدئة والتحذير من الفتنة من جهة ثانية، ومثلها حسابات تدعو للعقلانية وترفض الانجرار وراء التحريض الطائفي، لكن الفارق أن المجموعة الأولى كرّست حضوراً مكثفاً بلغ عند البعض أكثر من عشرين مشاركة يومياً، بينما المجموعة الثانية شاركت بحدود مرتين يومياً، والمجموعة الثالثة اكتفت بمعدل وسطي لمنشور واحد خلال أيام التوتر، لكن مقابل هذه المئات كلها، كان هناك آلاف اللبنانيين الصامتين المهمّشين الذين يكتفون بالدعاء أن يبعد الله خطر اندلاع أحداث أوسع، ويستذكرون شبح الحرب الأهلية، ويتمنون أن يتمكن الجيش اللبناني من السيطرة على الموقف، وهم يرتعدون خوفاً في منازلهم.
– ومثل هؤلاء أيضاً، الذين أرادوا اتخاذ مشهد التجمع في بلدة الكحالة مثالاً يبنون عليه تحليلاتهم للقول إن هناك شارعاً غاضباً من المقاومة ويحملونها مسؤولية عدم مراعاته، والاستنتاج أن المسيحيين في لبنان في شبه إجماع على الموقف الذي مثله خطاب ناشطي الكحالة المناوئين للمقاومة، خصوصاً عندما كان المهيمن على الخطاب السياسي موقفاً موازياً شمل القوات اللبنانية والكتائب والتيار الوطني الحر، قبل صدور موقف الرئيس ميشال عون والكنيسة عبر كلمة المطران بولس عبد الساتر، وجوهره مناقض كلياً، لجهة إعطاء الأولوية لوأد الفتنة، وليس لطرح قضية سلاح المقاومة كأولوية والدعوة الى حسمه عبر الشارع، هؤلاء لم ينتبهوا إلى أن كل الذين خرجوا الى شارع بلدة الكحالة كانوا بضع عشرات، لم يصلوا الى مئتي رجل وامرأة وشاب وطفل، في بلدة يبلغ عدد سكانها 15 ألف نسمة، ويبلغ عدد ناخبيها 4 آلاف، وبلغ أعلى تصويت تفضيليّ ناله مرشح على الانتخابات النيابية في دورة 2022 من أبنائها وبناتها 250 صوتاً.
– في لبنان كتلة من المهتمين بمتابعة الحياة السياسية تمثل أقل من 10% من بيئتها البلدية والطائفية، ومنهم 10% فقط ناشطون في هذه الحياة السياسية، وهم في كل طائفة منقسمون الى ثلاثة أقسام على الأقل، فهل يمكن لقياس الرأي العام بالاستناد إلى كيفية توزع مواقف 1% من الشعب فقط، بينما 50% على الأقل تقيم حساباتها على الرغبة بالعيش بسلام، وتشغلها هموم الحياة اليومية من كلفة الكهرباء المرتفعة الى تدني القيمة الشرائية لليرة، الى تأمين الطبابة والدواء والتعليم، ولسان حالها، الله يستر من الأسوأ، والله يفرجها علينا، أما الـ 49% فهي موزعة بين مَن هاجروا من البلد ومن يرغبون بالهجرة وينتظرون الفرصة، ويأتي من يقول إن لبنان عشية الحرب الأهلية.
– إذا أردنا التحدث بلغة التوزيع الطائفي، نستطيع القول بثقة إن السنة والدروز كانوا في حادثة الكحالة، رغم وجود مواقف مختلفة بينهم، بين مؤيد ومخالف لسلاح المقاومة، يؤيدون التهدئة والمعالجات السياسية ودعم الجيش، بينما الشيعة الذي يُجمعون تقريباً على دعم المقاومة وسلاحها، في شبه إجماع على تسهيل أي حل ينهي التوتر الذي يجمعون على اعتبار النفخ فيه مؤامرة ضد المقاومة وضد لبنان ومخاطرة بالسلم الأهلي لا يريدونه كمواطنين من موقع مصالحهم اليومية والحياتية والوطنية، ولا يريدونه من موقع تأييدهم للمقاومة ويقينهم بأن محاولة توريطها بنزاع مسلح في الداخل استهداف لها. وهذا المناخ العام يلاقي مواقف القيادات السياسية الوازنة في الطائفة، أما المسيحيون فيكفي القول إن موقف الرئيس ميشال عون والكنيسة المارونية، رغم المواقف المختلفة بينهما في قضايا كثيرة، كان موقفاً موحداً بخطاب الدعوة للتهدئة ورفض الانجرار للفتنة، تعبيراً عن مزاج شعبي عام يحسنان التقاطه لا يجاري خطابات أصحاب الرؤوس الحامية من كل التيارات.
– في لبنان لا تزال الطوائف تمثل الجماعات السياسية الفاعلة، لكن خطاب الحرب الأهلية والتحريض الطائفي في لبنان ليس له رصيد في الطوائف بخلاف ما جرى عام 1975.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى