أولى

شاحنة السلاح لمواجهة العدو «الإسرائيلي» والشحن الغرائزي الأعمى في مواجهة مَن…؟

‭}‬ أحمد بهجة*
ليست المرة الأولى (وقطعاً لن تكون الأخيرة) التي يتمّ فيها استغلال حادثة عرضية معيّنة لاستهداف المقاومة وسلاحها، على عكس ما يجب أن يكون في حال جرى تحكيم العوامل الوطنية والمصلحة العليا للبلاد وناسها.
لكن مع الأسف الشديد فإنّ ما نراه ونسمعه ليس أكثر من تحكيم الغرائز والعصبيات العمياء التي تدمّر ولا تبني، كما حصل طوال عقود ماضية لا سيما في فترة الحرب الداخلية حيث عاش اللبنانيون جميعاً مآسيَ القتل والتهجير والتدمير، ولم تنفع بشيء كلّ الشعارات الطائفية والمذهبية لجعل هذا «الكانتون» أو ذاك «فوق أيّ اعتبار»، بل ما حصل هو العكس تماماً إذ دمّرت تلك «الكانتونات» في مواجهاتها مع بعضها البعض أو في مواجهات متنقلة في داخلها على يد مُدّعي الحماية أنفسهم، الذين لا يزالون إلى اليوم يستخدمون الأساليب نفسها، ومع الأسف الشديد هناك من لا يزال يصدّقهم ويسير خلفهم، رغم كلّ ما خلفته سياساتهم من خراب ودمار في «مجتمعاتهم» ذاتها.
في كلّ بلاد الناس يقدّسون المقاومة ويكرّمون المقاومين، لكننا في لبنان ابتُلينا بمرض الطائفية والمذهبية، وهو المرض الفتّاك الذي قد يُفني لبنان إذا بقي المجال مفتوحاً للمحرّضين والنافخين في أبواق الفتنة هنا وهناك تنفيذاً لأجندات خارجية تريد استغلال كلّ سلبيات الداخل لاستهداف المقاومة التي نحتفل اليوم في 14 آب بالعيد الـ 17 لانتصارها في 2006 على العدو الإسرائيلي وعلى كلّ داعميه.
المقاومة في لبنان لم تطلب أيّ شيء لنفسها، بالعكس قدّمت انتصاراتها وإنجازاتها للبنانيين جميعاً، سواء ضدّ الإرهاب الإسرائيلي» أو ضدّ الإرهاب التكفيري، والكلّ يذكر خطاب النصر الذي ألقاه الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصرالله في بنت جبيل بعد إنجاز التحرير في العام 2000، حين أهدى الانتصار لكلّ الوطن، وأكد أنّ المقاومة لا تريد سلطة ولا مغانم. كما يذكر الجميع كيف تعاطت المقاومة مع العملاء سواء المنضوين في جيش لحد أو المتعاملين على مستوى فردي، إذ تركت هذا الملف للدولة بأجهزتها العسكرية والأمنية والقضائية، ولم تسجَّل ضربة كفّ واحدة في هذا المجال رغم أنّ الأحكام القضائية بحقّ هؤلاء كانت مخفّفة جداً قياساً بالجرائم التي ارتكبها العملاء (وهم من كلّ الطوائف والمذاهب) ضدّ أبناء المناطق التي كانت واقعة تحت الاحتلال (وهم أيضاً من كلّ الطوائف والمذاهب)، إذ لا دين ولا طائفة ولا مذهب للعميل إلا عمالته ونذالته وإجرامه.
لقد وَضعت المقاومة نفسها وإمكانياتها وتضحياتها على الدوام بتصرف الدولة اللبنانية، وهذا ما لمَسه الجميع في ملفّ الترسيم البحري جنوباً، إذ ما كان ليحصل هذا الترسيم ولا كان لبنان قادراً على استخراج نفطه وغازه من حقل قانا وغيره لولا المُسيّرات فوق كاريش، ولولا نشر الإحداثيات الدقيقة التي بيّنت للعدو الإسرائيلي أنّ مواقعه ومنصاته النفطية في كلّ الحقول الأخرى ما بعد بعد كاريش وصولاً إلى النقب هي في متناول المُسيّرات والصواريخّ الدقيقة والقبضات الجاهزة والقلوب الحاضرة في الميدان.
وها انّ اللبنانيين ينتظرون أن تبدأ في اليومين المقبلين أعمال الحفر والتنقيب في البلوك رقم 9، وهو ما يجب أن يكون موضع متابعة دقيقة من قبل المعنيين حتى لا يتعرّض لبنان لخديعة جديدة كما حصل في البلوك رقم 4 حين لم شركة «توتال» ومعها الشريكتان الإيطالية «إيني» والروسية «نوفاتك» عملها الذي بدأته في العام 2020، وأوقفت الحفر ولم تبلّغ وزارة الطاقة والحكومة اللبنانية بأيّ نتائج، إلى أن أقرّت في وقت لاحق بأنها تعرّضت لضغوط خارجية كبيرة لكي تتوقف عن العمل وتغادر لبنان.
وهنا نضمّ صوتنا إلى صوت الخبير الصديق الدكتور زياد ناصر الدين الذي دعا الحكومة اللبنانية للاستعانة بشركة من إحدى دول الشرق لتعمل كمراقب لنتائج أعمال الحفر في البلوك رقم 9.
في الخلاصة نقول إنّ بلدنا بحاجة إلى إنقاذ على كلّ المستويات، في السياسة والاقتصاد والاجتماع والمال والثقافة والتربية الوطنية والبيئة… ولا بدّ أن تكون الخطوة الأولى من معالجة الآفة الطائفية والمذهبية التي تبقى أصل العلة في كلّ الأوقات والأزمان…
وها هي نتائج التدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان تثبت مرة جديدة أنّ المشكلة في لبنان ليست في الطوائف والمذاهب بل بالفاسدين من كلّ الطوائف والمذاهب، إذ انّ الفساد مثل العمالة لا دين له ولا مذهب، والمشكلة هي في الشحن الغرائزي الأعمى وليست في شاحنة الكحالة التي كانت تنقل ذخائر تحتاجها المقاومة في سياق المواجهة مع العدو الإسرائيلي، وهذا عمل وطني وشرعي بموجب ما تنصّ عليه البيانات الوزارية للحكومات المتعاقبة منذ سنوات طويلة، وبالتالي تعالوا أيها اللبنانيون جميعاً إلى كلمة سواء، وإلى رحاب الوطنية الجامعة…
*خبير مالي واقتصادي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى