أولى

تقسيم السعودية والتحالف مع إيران

‭}‬ د. معن الجربا*
في خطوة غير مسبوقة من الإدارة الأميركية الحالية، تتحرّك أساطيل أميركا العسكرية نحو الخليج، في خطوة أثارت قريحة المحللين السياسيين والمهتمّين بالشأن العام باختلاف مشاربهم وتوجهاتهم الايدولوجية وانتماءاتهم السياسية.
البعض قال وقعت الواقعة وليس لوقعتها كاشفة فهذه نهاية إيران، وهذه المرة ليست ككلّ مرة. وبدأ الاحتفال والابتهاجات على وسائل التواصل الاجتماعي، والبعض الآخر قال إنّ أميركا غير مستعدة بشكل كاف الآن للدخول في حرب كبرى مع دولة بحجم إيران تملك ما تملك من خبرة في إدارة الحروب، وتملك ما تملك من إنتاج أسلحة اضطرت دولة بحجم روسيا أن تستعين بخبراتها وإنتاجها العسكري، قالوا بل انّ أميركا تريد القضاء على فصائل محور المقاومة المنتشرة في لبنان وفلسطين وسورية واليمن، وإنّ إيران قد تخلت عن هذه الفصائل بصفقة تاريخية مع أميركا.
وبتحليل الرأيين السابقين نجد انّ الرأي الأول القائل بأنّ أميركا جاءت لحرب كبرى تقضي على إيران قد سقط بعدما أعلنت أميركا منذ وصول أساطيلها العسكرية للخليج عن الإفراج عن مليارات الدولارات لصالح إيران، في خطوة واضحة للتهدئة مع إيران ورسالة علنية انّ مشكلتنا ليست معكم الآن.
أما عند تحليل الرأي الثاني فنجد أنه قد سقط أيضاً بعد خروج وزير خارجية إيران بعد ساعات من لقائه الذي استغرق 90 دقيقة مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في سابقة لم تحدث من قبل، وتأكيده على أنّ قضية فلسطين هي القضية الأولى للأمة العربية والإسلامية، وكما هو معلوم فإنّ فصائل محور المقاومة لم تنشأ الا من أجل المساهمة في تهيئة الظروف لتحرير فلسطين، لذلك فإنّ الرأي الثاني سيكون الى السقوط أقرب.
هناك رأي ثالث وعلى القيادة في المملكة العربية السعودية أن تأخذه على محمل الجدّ، ألا وهو انّ هذه الأساطيل لم تحضر للمنطقة إلا من أجل إسقاط القيادة الجديدة في السعودية، والتي أصبحت تتعامل مع أميركا من الندّ إلى الندّ، والتي توجّهت بشجاعة الى علاقات غير مسبوقة مع روسيا والصين ودول بريكس، القيادة التي تتجه الآن بخطوات كبيرة نحو ترتيب العلاقات نحو لمّ الشمل وتوحيد الأمة العربية والإسلامية في منظومة متناسقة.
خطة تقسيم السعودية الى خمسة كيانات نشرتها مراكز البحث الأميركية منذ سنوات طويلة وبشكل علني، فليس من صالح أميركا وجود دولة عربية بهذا الحجم وبهذه الإمكانيات الاقتصادية الكبيرة في المنطقة، خصوصاً بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وولادة النظام العالمي الجديد الذي يتمّ الآن العمل على تحقيقه على قدم وساق.
لذلك اعتقد أنّ اتفاقية الحياد بين السعودية وإيران لن تكون كافية، ايّ انّ ايّ اتفاقية حياد بين الطرفين بحيث ان ايّ طرف يتعهّد بعدم المشاركة في العدوان على الدولة الأخرى لن يكون كافياً، بل لا بدّ من اتفاقية تحالف استراتيجي ودفاع مشترك…
فأميركا كلّ ما تريده إذا قرّرت إسقاط القيادة الجديدة في السعودية وتقسيم الدولة هو حياد إيران ودول الخليج والمنطقة وترك الأمر بينها وبين السعودية وجهاً لوجه.
الكلّ يعرف أنّ دول الخليج لن تستطيع الدفاع عن السعودية، هذا إذا لم تجبرها أميركا على المشاركة في العدوان على السعودية. كذلك حياد دول المنطقة من العراق الى سورية واليمن سيكون غاية مُراد أميركا.
القيادة القديمة في السعودية تأخرت كثيراً في اكتشاف انّ أميركا هي العدو الحقيقي وتأخرت كثيراً في ترتيب العلاقات مع دول المنطقة العربية والإسلامية الفاعلة، لكن ما زال الأمل موجوداً بالله عز وجل وبوجود قيادة جديدة اتخذت خطوات شجاعة نحو كبح مخططات أميركا التي أصبحت واضحة لها، ونحو ترتيب البيت العربي والإسلامي…
*باحث سياسي سعودي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى