نقاط على الحروف

البوكمال خط أحمر

ناصر قنديل
– يتحدّث بعض السذج والأغبياء أو المشغلين من المهرّجين باستعلاء من موقع الانبهار بما يسمّونه هجوماً أميركياً معاكساً سوف يبدأ من السيطرة على مدينة البوكمال، في سياق خطة للإمساك بالحدود السورية العراقية، ويستند هؤلاء إلى الحديث عن عودة تنظيم داعش في البادية السورية، وعن تنظيم جماعات من الميليشيات التي تعمل تحت العباءة الأميركية في قاعدة التنف ومثلها عن تنظيم “قسد”، ويضيفون إليها الحديث عن الحشود الأميركية، ويقولون إن الدولة السورية منهكة بسبب الوضع الاقتصادي، والاحتجاجات الشعبية التي تشهدها محافظات سورية ويأتون بمثال السويداء. والخلاصة هي أننا أمام مرحلة سوف تنتهي بالإعلان عن السيطرة الأميركية على كامل خط الحدود السورية العراقية والسيطرة الأميركية على مدينة البوكمال.
– ينسى هؤلاء أن مدينة البوكمال كانت خارج نطاق سيطرة الدولة السورية والجماعات الرديفة والحليفة، حتى منتصف عام 2017، وكانت معقلاً لتنظيم داعش، وأن المعارك الضارية التي خاضتها سورية ومعها قوى المقاومة بدعم ومشاركة من إيران بشخص القيادي الشهيد الجنرال قاسم سليماني، تمّت تحت أعين الأميركيين، الذين قال رئيسهم يومها دونالد ترامب، إنه إذا كان ثمن نهاية داعش في البوكمال سيطرة إيران وحلفائها على المدينة الاستراتيجية فإن واشنطن تفضل بقاء داعش مسيطرة عليها. وبدأت عندها الغارات الجوية الأميركية على القوات المتقدّمة نحو مدينتي الميادين والبوكمال، من دون أن تتلقى القوات الأميركية أي رد فعل على قواعدها العسكرية في سورية والعراق، وواصلت القوات تقدّمها حتى فرضت تحرير المدينتين، ووضعت يدها على معابر حدودية بين سورية والعراق في طليعتها معبر البوكمال.
– بالمقارنة بين 2017 واليوم، تميل الكفة لصالح تجديد تثبيت البوكمال كخط أحمر عند سورية وقوى المقاومة، ولنتذكّر المشهد عام 2017 وحجم إنهاك سورية في حروب تشمل كل المحافظات، وقوافل الشهداء بالمئات كل يوم، والمعارك في قلب دمشق، والشعب منهك من قوافل التوابيت التي لا تتوقف، وروسيا تدعو للتريّث وعدم التورّط بالمواجهة مع القوات الأميركية، بينما داعش في ذروة الصعود، والقوات الأميركية تنتشر بآلاف العناصر تحت شعار معركة الرقة بوجه داعش، وطائراتها تقصف بالصواريخ الجيش السوري ومطاراته ومواقعه. والمحافظات التي يراهن عليها لحراك مناوئ للدولة السورية، مثل السويداء ودرعا خارج سيطرة الدولة السورية، والجماعات التي كانت تقاتل فيها هي التي تقود التحرّكات اليوم بعدما نالت العفو في إطار المصالحات والتسوية التي تضمّنت السماح بأداء الخدمة العسكرية في المحافظة، بينما كانت قوى المقاومة مستنزفة في معارك حلب والبادية، ودير الزور تحت الحصار، ودمشق مقطوعة عن الساحل، والغوطة شوكة في خاصرتها، حيث آلاف المسلحين، وتركيا ودول الخليج شركاء علناً في الحرب مالاً وسلاحاً ورجالاً من المتطرّفين المنتمين الى الإخوان والوهابية، ومؤسسات إعلامية تحرّض على مدار الساعة؛ وفي هذه الظروف الشديدة الصعوبة انتصرت سورية وقوى المقاومة وتحرّرت الميادين والبوكمال، وتدحرجت الانتصارات.
– ليس جديداً أن تدرك واشنطن الأهمية الاستراتيجية لمدينة البوكمال، كما لم يكن جديداً أن تدرك تركيا الأهمية الاستراتيجية لمدينة حلب، ولا هو جديد إدراك سورية وحلفائها للأهمية الاستراتيجية لكل من حلب والبوكمال، وعندما خيضت معارك هاتين المدينتين تمّ ذلك على خلفية الإدراك المتبادل لأهميتهما الاستراتيجية، ورمى كل من الطرفين المتقابلين كل ما يستطيعان، وكان ما تستطيعه سورية وحلفاؤها أقل مما تستطيعه اليوم، بينما ما تستطيعه واشنطن ومن كان يقاتل في صفها أو لحساب عداوة مشتركة ضد الدولة السورية أكثر بكثير ما يستطيعون اليوم؛ ولذلك فإن الخط الأحمر الذي كان قبل ستة أعوام تحت اسم البوكمال على خريطة سورية، أصبح مزدوجاً اليوم، والمعادلة الجديدة هي أن محاولة احتلال البوكمال تكفي لتشعل حرباً كبرى في المنطقة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى