مقالات وآراء

نقص المناعة الداخلية ودُعاة الفتنة…

‭}‬ نمر أبي ديب
بعيداً عن سياسات الاصطفاف الطائفي والتعبئة في بُعديها السياسي والعسكري، كشفت الأحداث الأخيرة التي شهدتها منطقة الكحالة عن نقص في جهاز المناعة الداخلية، التي وضعت «لبنان» مع كامل مكوناته الداخلية ومقدراته الحزبية وحتى السياسية على حافة الانهيار، والدخول العسكري الأمني وحتى السياسي في «أتون الفتنة المدمرة» عند أيّ احتكاك داخلي أو خلاف سياسي يمكن أن يلامس في أبعاده الاستراتيجية حدود الطوائف التي باتت تشكل في حدّه الأدنى خطوطاً حمراء وجودية تعود بـ لبنان مع أيّ تجاوز أمني عسكري حتى سياسي إلى زمن «الصدام الطائفي» الغير مبرّر اليوم في زمن الانتصارات والتحوّلات الجيوسياسية التي تشهدها المنطقة…
انطلاقاً من نتائج ومفاعيل «الصدام الطائفي» الذي خسر من خلاله «لبنان» كلّ لبنان، جميع امتيازات ومؤثرات «سويسرا الشرق»، التي كانت تمثل إضافة إلى حقبات استثنائية من التراكم الإيجابي، العصر الذهبي للدولة اللبنانية، العصر المنبثق من أبعاد فكرية / ثقافية وطروحات رسمت من خلالها الأحزاب اللبنانية برامجها السياسية بعيداً عن العصبيات الداخلية ولغة التجييش، التي اعتمدتها مكونات لبنانية لم يُكتب لها بقاء الهيكلية الحزبية خارج إطار الخطاب المذهبي ومشاريع التقسيم التي تلوح اليوم كما الأمس في أفق المراوحة السياسية التي ينتهجها «الفريق التقسيمي» الغير قادر على تخطي أحلام الفدرلة، أو الخروج السياسي من مفاعيل الخطاب المذهبي الضامن للحيثية التمثيلية من جهة، وللتموضع الدائم والاستراتيجي ضمن «العباءة الطائفة» التي دفعت كما لبنان أثماناً باهظة في محطات عديدة مفصلية وما زالت، نتيجة «مشاريع غير قابلة للحياة» ورهانات أكَّدَت فيها التجارب الميدانية على حقائق استراتيجية عديدة من بينها، عمق الهوة الفاصلة في الأمن والسياسة بين التعايش الفعلي الحقيقي، ومندرجات الخطاب الشكلي الفاقد «للحسّ الوطني»، وأيضاً للمصداقية الحزبية التي سقطت بـ كامل ازدواجيتها الداخلية على مسار المصالح الفئوية الضيقة مع اختبار المنعطف العسكري الأول، في مشهد استثنائي بامتياز، لم ولن ترتقي من خلاله النتائج إلى مستوى المصلحة الوطنية، التي دخلت بـ دورها بعد الخروج السوري من لبنان نفق الفوضى المدمّرة للحياة السياسية، وأيضاً لمجمل العوامل المساعدة والمساهمة في تجاوز الاستحقاقات الأساسية، السياسية منها حتى الدستورية المتعلقة بتشكيل الحكومة، التعيينات، إقرار الموازنة وصولاً إلى ما تشهده الساحة اللبنانية من فراغ رئاسي مرفق بتطورات أمنية وعسكرية وضعت الجميع على مقصلة الحقيقة الصعبة التي أراد البعض من خلالها تشويه الحقائق، وإعادة صياغة «الواقع التصادمي»، بما يتناسب مع أهداف المرحلة ومشاريع أخرى غلبها الزمن، وأسدلت عليها التجارب السابقة ستائر النسيان، في أكثر مراحل لبنان دقة وأكثرها وجودية.
بعيداً عن الحدث المأساوي، ونتائجه المفجعة والكارثية، ما حدث في منطقة «الكحالة»، ساهم في إزاحة النقاب عن خطاب فتنوي/ تحريضي، أعاد إلى الأذهان المراحل الأولى التي تلت اغتيال الرئيس رفيق الحريري من حيث الجهوزية السياسية المواكبة للحدث، فقد كشفت مؤثرات «الخطاب المذهبي» وتأثيره المباشر على السلوك العدائي الرافض بالمطلق فكرة وجود الآخر أو الأخذ في عين الاعتبار تشريع العمل المقاوم، وتمرير الحدث لحظة وقوعه في أقلّ تكلفة ممكنة، تحت سقف البيان الوزاري، وما تضمّنه البيان الختامي لـ «قمة جدة العربية» من بنود داعمة وحاضنة «للعمل المقاوم»، رغم المواقف الأخيرة التي أطلقتها المملكة العربية السعودية ما قد يطرح اليوم وبقوة فرضية القرار الخارجي الهادف إلى «تفجير الساحة اللبنانية»، مع اعتبار الخارج منطقة الكحالة جزءاً لا يتجزأ من تقاطع جغرافي مناسب لتمرير المخطط المذكور لحظة انقلاب الشاحنة.
ثانياً الكحالة كـ منطقة ليست مقصداً محدّداً من الحزب ضمن مسار جغرافي عبرت من خلاله الشاحنة مناطق مختلفة قبل سقوطها اللاإرادي، وهذا تأكيد إضافي على عدم وجود نوايا مُبيَّتة تجاه الكحالة كـ منطقة أو تجاه المسيحيين بشكل عام.
لا شك أنّ هناك عملاً ممنهجاً على إفراغ لبنان من أوراق القوة التي يمتلكها، على أكثر من مستوى سياسي وآخر عسكري عملت المقاومة على تثبيته في أكثر من واقعة مع الاحتلال الاسرائيلي، «جريمة» يحاسب عليها التاريخ ويرفضها «الحسّ الوطني» لما تمثل من خطوات متقدّمة على مسار التسليم المباشر للدولة بكامل ثرواتها النفطية وغير النفطية للسياسات الغربية و»الأميركية تحديداً»، ما يكشف البعد الحقيقي للمواجهة الحالية، ومعها جملة الحسابات الخارجية التي فقدت مُجمَل مؤثراتها العملية على مسار التقارب السياسي وحتى الرئاسي بين الحزب والتيار الوطني الحر.
بالتالي ما حدث في الكحالة يعبّر عن تحرك شعبي عفوي غير محسوب النتائج؟ أم هو خطوة ممنهجة تحاكي في أبعادها السياسية مضمون «البيانات التحذيرية» التي تلمّست أجواءها الأمنية دول عديدة قبل ترجمة مفاعيلها العسكرية على أرض الواقع بـ أيام.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى