أولى

بعد التجديد لـِ «يونيفيل» بما يناسب «إسرائيل» هل يغامر العدو بإزالة خيمة المقاومة بالقوة؟

‭}‬ د. عصام نعمان*
خاضت الولايات المتحدة، ومن ورائها “إسرائيل”، حرباً ديبلوماسية ضارية ضدّ حكومة لبنان، ومن ورائها حزب الله، في الساعات الخمسين التي سبقت قرار مجلس الأمن الدولي بالتجديد لقوات الطوارئ الدولية “يونيفيل” العاملة في جنوب لبنان، يوم الخميس الماضي. أميركا تمسّكت بضمان حرية حركة “يونيفيل” في جميع عملياتها دونما حاجة إلى إذن مسبق للقيام بالمهام المنوطة بها. لبنان طلب العودة الى نصّ القرار الأصلي الصادر سنة 2006 بشأن تنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي 1701 الذي تضمّن وجوب التنسيق بين “يونيفيل” والجيش اللبناني، فلا تتحرّك أيّ قوةٍ دولية إلاّ بعد الحصول على إذن من الجيش اللبناني، وبمواكبة قوةٍ منه إذا اقتضى الأمر، وذلك مراعاةً لسيادة لبنان على أرضه وتفادياً لحصول صدامات او إشكالات مع أهالي القرى الواقعة في منطقة العمليات.
ما كان قرار التجديد لـِ “يونيفيل” ليأتي متطابقاً مع الصياغة الأميركية المنحازة لولا تدني ودعم واشنطن لـِ “إسرائيل” في سعيها الى أن تكون “يونيفيل” أكثر تشدّداً مع حزب الله الذي يرعى المقاومة في جميع أنحاء جنوب لبنان. فـ “إسرائيل” تدّعي أنّ “يونيفيل” لم تفعل شيئاً حيال قيام المقاومة بحفر أنفاق بين لبنان وشمال الجليل الفلسطيني المحتلّ، ولا حيال قيام المقاومة بنشر مغاوير كتيبة الرضوان تحت ستار أنشطة جمعية “أخضر بلا حدود” في المناطق الحدوديّة. ولعلّ آخر ما أقلق “إسرائيل” قيام المقاومة بنصب خيمة في منطقة مزارع شبعا المحتلة التي يعتبرها لبنان جزءاً لا يتجزأ من أراضيه. وكانت “إسرائيل” قد احتلت هذه المزارع في الحرب سنة 1967، بدعوى أنها أراضٍ سورية لمجرد أنّ قوات سورية كانت متواجدة فيها تنفيذاً لاتفاق مع الحكومة اللبنانية لقمع عمليات التهريب التي كانت ناشطة في محيطها.
ليس أدلّ على خشية “إسرائيل” من تعاظم قدرات المقاومة في جنوب لبنان من إيفاد واشنطن أحد كبار مستشاريها في شؤون الطاقة، عاموس هوكشتاين، الى لبنان أخيراً في مسعى لإعادة “ترسيم” الحدود بين لبنان وفلسطين المحتلة مع أنها مرسّمة بموجب معاهدة “بولي نيوكامب” بين بريطانيا وفرنسا سنة 1923 ومكرّسة باتفاقات الهدنة بين لبنان و”إسرائيل” سنة 1949. ذلك أنّ هوكشتاين صارح المسؤولين اللبنانيين خلال محادثاته معهم بأنّ “إسرائيل” تلحّ على أن تكون أولى مهام “يونيفيل” بعد التجديد لها إزالة خيمة المقاومة في مزارع شبعا. وعندما سأله أحد المسؤولين المشاركين في المحادثات عن المخاطر التي تشكلها هذه الخيمة ردّ بالقول: “عسكرياً لا قيمة لها، لكنها تحوّلت الى قضية معنوية لأنّ الجيش الإسرائيلي بات مُهاناً أمام شعبه بسبب عجزه عن إزالة الخيمة بالقوة”!
إذا كان الجيش الإسرائيلي عاجزاً عن إزالتها، فهل في مقدور “يونيفيل” إزالتها بالقوة؟ بل هل في وسع “يونيفيل” استخدام القوة أصلاً وفق أحكام قرار التجديد الأخير؟
قائد المقاومة السيد حسن نصرالله كان أعلن أنّ الخيمة منصوبة في أرضٍ لبنانية، وأن لا مسوّغ للمطالبة بإزالتها، وستبقى حيث هي.
لنفترض أنّ “إسرائيل” طالبت قيادة “يونيفيل” بإزالة الخيمة، وأنّ المقاومة كرّرت إجابتها بأنها منصوبة في أرضٍ لبنانية، فهل ستقوم باستخدام القوة لإزالتها؟
من المعلوم أنّ قرار إنشاء “يونيفيل” ومن ثم التجديد لها متخذٌ في إطار الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة، لا سيما المادة 38 منه التي تنصّ على “حلّ النزاع حلاً سلمياً”، أيّ من دون اللجوء إلى القوة. لو كان قرار إنشاء “يونيفيل” والتجديد لها متخذاً في إطار الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، لا سيّما المادة 42 منه، لكان في وسعها استخدام القوة لتنفيذ مهامها. وعليه، لا يجوز ولا يُعقل أن تلجأ “يونيفيل” الى استعمال القوة لإزالة خيمة المقاومة في منطقة مزارع شبعا.
إذا كان الأمر كذلك، ماذا تراها تفعل الولايات المتحدة ومن ورائها “إسرائيل”؟
أدركت واشنطن مذّ اضطرت الى الخروج لا تلوي على شيء من أفغانستان قبل عدّة سنوات أن لا جدوى من استخدام القوة لحماية مصالحها كما مصالح حلفائها في غرب آسيا، فكان أن اعتمدت استراتيجية جديدة قوامها الحصار والعقوبات الاقتصادية، وتفكيك الدول المعادية لها من الداخل، وإرهاقها بحروب أهلية بين مختلف مكوّناتها المذهبية والإثنية والقبلية للحؤول دون اتحادها في مواجهة حلفاء أميركا الإقليميين، وبالضغط على المؤسسات الاقتصادية الدولية كالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي لعدم مساعدتها إلّا وفق شروط تضمن عدم اعتمادها سياسات معادية لها ولحلفائها.
في هذا الإطار، حرص هوكشتاين في محادثاته مع المسؤولين اللبنانيين على إبراز أهمية ترسيم الحدود بين لبنان وفلسطين المحتلة لضمان الاستقرار والهدوء كشرطين لازمين ليس لتمكين لبنان من إنجاز أعمال الحفر واستخراج الغاز من بئر قانا (الرقعة رقم 9) واستثمار عائداته في إنهاض اقتصاد لبنان من أزمته المستفحلة فحسب، بل لتمكينه أيضاً من مباشرة التنقيب والحفر واستخراج الغاز من سائر الرقع blocks الممتدّة على الساحل اللبناني من جنوبه إلى شماله، بدءاً بالرقعة 8 المجاورة للرقعة 9 التي باشرت شركتا “توتال” الفرنسية و”إيني” الايطالية وشركة قطرية بالعمل لاستخراج الغاز منها.
إذ تأمل واشنطن بحشد عدد كبير من القيادات والفئات السياسية وراء مقاربتها هذه الداعية الى تثبيت الأمن والاستقرار كشرط للإفادة من عائدات الغاز المرتقبة بغية حلّ أزمة لبنان الاقتصادية المتفاقمة، يبقى سؤال بالغ الأهمية يطرح نفسه في هذه الظروف الصعبة التي يعانيها معظم دول المشرق: ماذا لو وجد بنيامين نتنياهو وحلفاؤه الفاشيون المتطرّفون والمتعصّبون في الائتلاف الحاكم أنّ قدرات “إسرائيل” السياسية والاقتصادية والعسكرية تتراجع في غمرة الاختلافات والخلافات والتظاهرات التي تعصف بها بلا هوادة منذ نحو ثمانية أشهر، في وقتٍ تتنامى قدرات إيران وسائر أطراف محور المقاومة على جميع المستويات ما يجعل مواجهة “إسرائيل” لهم في المستقبل المنظور أكثر تعقيداً وصعوبة… ماذا لو وجد نتنياهو وحلفاؤه، بإيحاء من أميركا أو من دونه، أنّ استدراك الخطر المصيري المُحدق بها يكون بتوجيه ضربة شديدة لإيران حتى لو اقتضى الأمر استخدام أسلحة نووية تكتيكية لضمان الوصول الى الغاية المبتغاة بأقلّ تكلفة ممكنة؟
ماذا لو باشرت “إسرائيل” بتجريب هذه المقاربة الاستراتيجية الخطيرة بمخاطرة محسوبة قوامها محاولة إزالة خيمة المقاومة في مزارع شبعا؟
أسارعُ إلى استجابة تحدّي السؤال الخطير بالقول إنني أستبعدُ أن يُقدم نتنياهو وحلفاؤه الفاشيون على ارتكاب هذه المغامرة الحمقاء ليس لأنهم يعلمون أنّ لدى إيران من القدرات العسكرية والتكنولوجية ما يكفي لإلحاق دمار شامل بالكيان الصهيوني بل لأنهم يعلمون أيضاً أنّ لدى المقاومة في لبنان من القدرات العسكرية والميدانية ما يجعل مخاطر خيار الحرب للصهاينة في المبتدأ كافياً لمعرفة أهوالها في الخبر.
مع ذلك تبقى الحرب الجنونية خياراً حاضراً لدى قادة صهاينة متعصّبين فاشيين ومترعين بإيديولوجيا توراتية مُلهمة لهم وآمرة…
*نائب ووزير سابق
[email protected]

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى