مقالات وآراء

لبنان وطن تخلى عنه الكثيرون في ليل حالك لكنه… «راجع يتعمّر»

‭}‬ سارة طالب السهيل
لبنان وطن عشقته كلّ الشعوب العربية لجماله وبهائه وسحره الطبيعي، كان يموج بالطاقة الحيوية، ومركزاً للأناقة العربية والفنون والفكر بكلّ أطيافه، ومركزاً لكلّ صاحب قضية وفكر وساحة لكلّ الأحرار، اليوم تتقاذفه أمواج سوداء ورياح عاتية من كلّ حدب وصوب بفعل سوء الإدارة السياسية والاقتصادية التي أوصلت البلاد الى طريق صعب.
أشخاص لعبوا أدوارا سلبية وأياد خارجية وانتماءات من الداخل والخارج .
فأصحاب المصالح الخاصة جعلوا البلاد والعباد تحت رحمة الدين وتحت رحمة دولار خسف بالليرة اللبنانية وطرحها أرضاً، وتواكب ذلك مع تقلص فرص العمل وتراجعها مقابل زيادة نسب البطالة الى 40% للرجال مقابل 50 % للنساء بحسب تأكيد رئيس الاتحاد العمالي العام في لبنان وقوله «إنّ العمال في وضع كارثي في ظلّ انهيار سعر صرف الليرة وانهيار القدرة الشرائية والاستمرار بالأزمة الاقتصادية وارتفاع سعر صرف الدولار».
فكيف تحوّل وطن غال على قلوبنا جميعا من مركز إشراق في كافة مجالات الحياة الى مجرد نهيبة بنظر المنتفعين والفاسدين ينهبون خيرها ويدمّرون اقتصادها ويخرّبون عملتها فلا يجد المواطن لقمة عيشه ولا ثمن علاجه ولا تكاليف تعليم أبنائه .
فكيف تحوّلت جهود عمل سنين طويلة للمواطنين ترجموها في ودائع عملتهم الوطنية في لحظة فقدت قيمتها فلم تعد تساوي قيمة الورق المطبوع بها؟
وفقدان الليرة اللبنانية 90% من قيمتها، كارثة بكلّ المقاييس، ولذلك صنف البنك الدولي، الأزمة اللبنانية ضمن «أكثر الأزمات حدة على مستوى العالم منذ منتصف القرن 19»، ومن الطبيعي في مثل هذه الظروف ان ينكوي المواطن بنيران الأسعار المرتفعة في المواد الغذائية والخدمات كالكهرباء والمياه والغاز.
لا أنكر أبداً انّ هناك طبقة اجتماعية تعيش براحة، وطبقة أخرى تضاهي في غناها وأسلوب حياتها أغنياء العالم العربي والغربي، إلا أن حال المواطن الفقير هو العدم، والطبقة الوسطى قد انهارت هي الأخرى ولم تعد قادرة على الوقوف على قدميها، ناهيك عن تدهور الخدمات لمن هم يعتمدون على مرافق الدولة الحكومية ولا يستطيعون التعاطي مع القطاع الخاص .
لا أنتقد هنا شعباً طيباً عُرف بالنظافة والحضارة والأناقة، لكني أعبّر عما يختلج في قلبي من أسى على لبنان الحبيب، وأدعوه لمقاومة الإحباط واليأس، ربما بدءاً بالتخلص من كلّ ما يعيق الجمال والنظافة والصحة، والتعاون المجتمعي في إزالتها اذا تقاعس المسؤولون عن القيام بدورهم في التخلص بطرق صحية من القمامة وعدم إلقائها في المجاري المائية او البحر او النهر او تحت الشجر والخضار حتى لا تنتشر الأمراض والأوبئة .
نعم لبنان للأسف صار مرتعاً للتلوّث السياسي والاقتصادي والبيئي، ولكن شعبها الجميل قادر على البدء بمعالجة هذا التلوث انطلاقاً من تكاتفهم معاً في التخلص من التلوث البيئي .
وكم أدمى قلبي انتشار الفقراء والمتسوّلين في لبنان التي كانت قبلة فكرية للعرب، وما آلت إليه أوضاع أهله بفعل مؤامرة قتل العملة الوطنية، لكن في المقابل هناك رجال شجعان لأنّ (الكرم شجاعة) يحاولون مساعدة الناس؛ وخاصة الأطفال المتسوّلين والنساء وكبار السن…
هنا وجدت نافذة يمكن للبنانيين ان ينفذوا منها للإنقاذ ولو المؤقت متمثلاً في الدور الذي يمكن ان يقوم بها لبنانيّو المهجر في مساعدة ذويهم في الوطن الأمّ وتقديم مساعدات عاجلة لهم كحلّ مؤقت لانّ لبنان يجب ان يعاود الوقوف على قدميه مجدّداً متكلاً على نفسه ومرتكزاً على معطياته من زراعة وصناعة وسياحة مع الانتباه الى عدم الإهدار في ما هو ليس ضرورياً، فإهدار الطاقة والمياه والطعام حتماً من مسبّبات القلة والعوَز وليس فقط الغلاء والضرائب وانخفاض العملة.
قد يتشدّق البعض بكلمات لتشويه من يقدّم العون لأهل لبنان، خاصة أنّ هناك كمّاً من المليارديرات الفاسدين الذين لا يفكرون في إطعام الجوعى والمساكين .
انها دعوة للبنانيّي المهجر كي يسرعوا بتقديم العون لذويهم في لبنان، هذه المرة ليس بإرسال الأموال بل بفتح المصانع وعمل الاستثمارات وتشجيع المستثمرين الأجانب .
كما يجب ان يكون هناك دور للمثقفين والمفكرين وخاصة في مجال الاقتصاد ان يقدّموا المقترحات والحلول المناسبة لكيفية خروج لبنان من الموت وإنعاشه بأفكار وتصورات اقتصادية جديدة يتمّ التفاهم عليها مع المنظمات الدولية والعربية لمساعدة لبنان على تجاوز أزمة الديون، على ألا تكون الحلول مؤقتة، بل حلول جذرية تستأصل الورم قبل التفشي في ربوع الوطن الجميل الذي لا يشبه بجماله بقعة على سطح الأرض بجباله الخضراء وبحره الأزرق وسمائه الصافية وأبنائه المتمسكين بالحياة حباً وتفاؤلاً…
هذا الشعب الذي هدّوا له وطنه ألف مرة وعمّره بكلّ مرة عن ألف مرة…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى