مقالات وآراء

زيارة لودريان: الأميركي لا يزال يعطل التسوية

‭}‬ حسن حردان
يحط مبعوث الرئيس الفرنسي جان إيف لودريان في لبنان مجدّداً لأجل محاولة إطلاق الحوار للتوافق على انتخاب رئيس جديد للجمهورية، فيما مبادرة الرئيس نبيه بري للحوار لمدة أسبوع تنتهي بعقد جلسات متتالية لانتخاب رئيس، بعدما لاقت تأييد غالبية نيابية زادت عن 90 نائباً، أصيبت بانتكاسة نتيجة تراجع رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل عن تأييدها، مما بدّد الأجواء الإيجابية بشأنها، والتي أدّت إلى محاصرة قوى التعطيل الكتائبية والقواتية، التي عادت لتتنفس الصعداء بعد التعثر الذي أصاب مبادرة الرئيس بري…
في المقابل فإنّ لودريان يأتي إلى لبنان، وهو يفتقد إلى اتفاق اللقاء الخماسي على موقف موحد، وفي ظلّ استمرار الانقسام الداخلي اللبناني وعدم توافر غالبية تؤيد الحوار، مما يجعل زيارة لودريان تراوح مكانها وعاجزة عن تحقيق أيّ اختراق في جدار الأزمة.
وفي هذا السياق تتساءل مصادر سياسية مؤثرة في إنتاج ايّ تسوية رئاسية، عن دور واشنطن في الوقوف وراء استمرار هذا الخلاف والتعطيل الداخلي للتوافق على تسوية لأزمة لبنان والتي يعتبر انتخاب الرئيس جزءاً منها.
فمن المعروف انّ واشنطن هي من فجّر التسوية التي كانت تعكسها حكومة الرئيس سعد الحريري التي شكلت بعد التوافق الداخلي على انتخاب الرئيس العماد ميشال عون.. واستطراداً هي من فرضت الحصار الاقتصادي والمالي على لبنان وأشهرت سلاح العقوبات ضدّ كلّ من يعمل على كسره، ودفعت بالقوى السياسية ومجموعات الأنجيؤز المموّلة أميركياً لركوب موجة احتجاجات 17 تشرين الأول 2019 في سياق خطة أميركية لإقصاء حزب الله المقاوم وحلفائه عن السلطة، وتغيير المعادلة السياسية بما يمكن واشنطن من فرض هيمنتها الكاملة على لبنان، والعمل على محاصرة وعزل المقاومة ونزع سلاحها لا سيما الصواريخ الدقيقة التي تقلق كيان العدو الصهيوني..
من هنا يطرح السؤال، هل أنّ واشنطن اقتنعت بفشل خطتها المذكورة في حصار وعزل المقاومة وإقصائها وحلفائها عن السلطة، وقرّرت الإيعاز للقوى المعطلة التابعة لها العودة إلى التسوية؟
الواضح حتى الآن أنّ سلوك واشنطن وكذلك سلوك القوى التابعة لها لا يشيران إلى تبدّل في الموقف الأميركي، وبالتالي لا تزال واشنطن تقف وراء تعطيل ايّ توافق داخلي لإنجاز تسوية سياسية تضع لبنان على سكة معالجة أزماته التي فجرتها أميركا عبر حصارها، وأنتجتها الحكومات التي اتبعت السياسات النيوليبرالية، التي إشاعة هدر ونهب المال العام، وأطلقت العنان للفساد على نحو غير مسبوق، إلى جانب تثبيت سعر صرف الليرة، ورفع الفوائد على سندات الخزينة بصورة لم يسبق لها في تاريخ الدول.
بناء على ما تقدّم، يبدو من الواضح ما يلي:
أولاً، أنّ الرهان الأميركي على الاستمرار في محاولة استغلال تفاقم الأزمات الاقتصادية والمالية والخدماتية والمعيشية، لفرض تغيير في المعادلة السياسية بدءاً من فرض انتخاب رئيس موال للسياسة الأميركية ويقف ضدّ المقاومة ومعادلتها الذهبية، أنّ هذا الرهان لم يتوقف بعد…
ثانياً، انّ موازين القوى القائمة لا تسمح لواشنطن بتحقيق أهدافها في تنفيذ انقلاب سياسي في لبنان يمكن القوى التابعة لها من أحكام سيطرتها على كلّ مفاصل السلطة في لبنان.
ثالثاً، انّ المقاومة وحلفاءها يملكون القدرة على إفشال محاولات واشنطن المستمرة لإحداث انقلاب سياسي في لبنان لمصلحتها، ولهذا لن يسمحوا بمجيء رئيس للجمهورية معاد للمقاومة أو رئيس ينقلب على المقاومة ويطعنها في ظهرها، وينفذ الإملاءات والتوجهات الأميركية، كما لن يسمحوا بإعادة عقارب الساعة الى الوراء، إلى الزمن الذي ساد في أعقاب الاجتياح الصهيوني للبنان عام 1982، أو زمن قوة لبنان في ضعفه.. لا سيما بعد أن ثبت أنّ قوة لبنان إنما هي في مقاومته ومعادلتها الذهبية.. «جيش وشعب ومقاومة».
رابعاً، انّ المعبر الوحيد لخروج لبنان من الأزمة التي تعصف به إنما يكون بالعودة إلى التسوية السياسية التي كانت قائمة قبل 17 تشرين الأول وتفجير حكومة الحريري التوافقية، لأنّ موازن القوى لا تسمح بغير التسوية، ايّ العودة الى المساكنة بين الفريق الوطني، والفريق الأميركي، فلا موازين القوى القائمة تسمح بإنجاز تغيير حقيقي في النظام الطائفي اللبناني يحرر لبنان من الهيمنة الأميركية، ولا هي تسمح بإقصاء الفريق الوطني المقاوم عن السلطة وعزله لمصلحة فرض السيطرة الأميركية الكاملة على لبنان.. كما أنّ موازين القوى لا تصبّ في مصلحة القوى التي تريد إعادة لبنان إلى الحرب الأهلية والمراهنة على العودة إلى إنعاش مشاريع التقسيم التي فشلت في السابق ولم تجلب سوى الخراب والدمار للبنان واللبنانيين…
وإلى أن تصل واشنطن والقوى السائرة في فلكها إلى القناعة بعقم الاستمرار في رهاناتهم الخائبة، فإنّ لبنان سيبقى حتى إشعار آخر يقبع في الأزمة وما تسبّبه من معاناة للبنانيين جميعاً.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى