أولى

اشتباكات مخيم عين الحلوة ومخاطر يجب تجنّبها

‭}‬ العميد د. أمين محمد حطيط*
يعلم الذي أقدم على القتل في مخيم عين الحلوة أنّ القتل سيستتبع القتل ثأراً والثأر سيتحوّل الى اشتباك ومواجهة تستعصي على الحسم ويصعب أن يتمكن طرف من إنهاء الآخر مهما كان قوياً، أيّ في الخلاصة إنّ من ابتدأ بالقتل ثم من ردّ عليه يعلمان انّ ما يقومان به هو فتح باب نار على مخيم بات يشكل في واقعه الراهن المخيم الأكبر للاجئين الفلسطينيين في كامل المنطقة المحيطة بفلسطين المحتلة، ثم انه وفي العقود الأربعة الأخيرة انقلب ليشكل الملاذ الآمن للفارّين من وجه العدالة من مختلف الجنسيات كما وحاضناً لبؤر وُصفت بأنها إرهابية التي رغم ألقابها وتوصيفاتها وتسمياتها، لا تقيم وزناً لشرع او قانون او قواعد أخلاق.
نعم تحوّل مخيم عين الحلوة في واقعه الى مشهد معقد لا يمكن لأيّ طرف فلسطيني او لبناني او غيرهما الادّعاء بأنه يسيطر على القرار فيه، واقع فقدت فيه القيادة الفلسطينية التي تمارسها منظمة التحرير رسمياً وحركة فتح عملياً، فقدت فيه هذه القيادة سلطة القرار الحاسم الذي يسري على المخيم ويحترمه او ينصاع اليه كلّ من فيه، وتوزعت الهيمنة ومناطق النفوذ في الداخل بشكل تحوّل فيه مشهد المخيم الى جزر عسكرية متساكنة يراعي بعضها بعضاً في سيطرته ونفوذه.
أما الدولة اللبنانية فقد صاغت علاقتها بالمخيم على خطين… خط امني استخباري يعمل برشاقة في داخل المخيم متجنباً الاحتكاك او الاصطدام المباشر، وخط عسكري ميداني في محيط المخيم وخارجه يفرض نوعاً من المراقبة على حركة الدخول والخروج من المخيم (ولا نقول حصاراً لأنه ليس كذلك) ويمنع تمدّد الحالة الشاذة في المخيم الى الخارج.
في ظلّ هذا الوقع المعقد كما قلنا حصل اصطدام بين حركة فتح – إحدى القوى الأساسية في المخيم – وجماعات مسمّاة «إسلامية متطرفة» وموصوفة من قبل بعض الجهات بأنها «جماعات إرهابية» ينضوي فيها كثير ممن هم فارون او مطلوبون للعدالة. أدّى هذا الاصطدام، او أكثر دقة، أدّى «الاغتيال والاغتيال المضادّ» الى سقوط قتلى وجرحى فاندلعت على أثر ذلك اشتباكات تركز الهدف المعلن فيها على محاسبة قتلة المسؤول الأمني لفتح المعروف بـ «العرموشي» والمتهم قائد ما يسمّى «الشباب المسلم» او «جند الشام» بتنظيم كمين مسلح أدّى إلى مقتله. ما يعني انّ العقدة الظاهرة والسبب المعلن للاشتباكات الآن يتركز في تسليم قتلة العرموشي للعدالة اللبنانية، في حين انّ المتهم يجد نفسه في موقع استحالة الاستجابة للطلب رغم ما يظهره من مرونة في التفاوض أو رغم ما يبرمه من اتفاقات. والنتيجة ببساطة هي استمرار الاشتباكات وتواصلها بشكل ينتج أخطاراً وأهوالاً على المصالح اللبنانية والفلسطينية على السواء.
لقد ربط وقف إطلاق النار بشرط يعلم كلّ المعنيين انه لن ينفذ او أنه يستحيل التحقق إلا في حال تمّ الحسم العسكري وسيطر طرف من المخيم او من خارجه على الوضع وألحق الهزيمة بجند الشام ما يؤدّي الى اعتقال قائدها عنوة، وهو أمر – أيّ الحسم العسكري – لا يبدو أنه ممكن في المدى المنظور، ثم لا يبدو أن هناك طرفاً فلسطينياً أو لبنانياً مستعداً لتنفيذه، وأخيراً انه أمر بالغ الكلفة وعظيم الخسائر لذلك لا أعتقد أن يفكر به عاقل او رجل منطق موضوعي، لذلك ينبغي البحث عن حلّ ممكن وواقعي يقطع الطريق على الأهوال والكوارث التي تنتظر لبنان والقضية الفلسطينية في حال استمرت هذه الاشتباكات او تمدّدت، وهنا لا بدّ من ان نحاذر الوقوع في وضع ينتج فيه:
1 ـ النزوح من المخيم لإفراغه لاحقاً من سكانه، ويلتحق مخيم عين الحلوة – المخيم الفلسطيني الأكبر – بما سبق من مخيمات تمّ شطبها من لائحة الواقع مثل مخيم تل الزعتر وسواه، وهو مطلب إسرائيلي لتصفية حالة اللجوء ودمج الفلسطينيين بالمحيط عبر التوطين الذي يخشاه لبنان ويرفضه رفضاً دعاه الى إدراجه في الدستور.
2 ـ إشغال الفلسطينيين بشأن أمني آني مُلحّ يُبعدهم عن قضيتهم الأساس قضية فلسطين.
3 ـ شلّ مدينة صيدا ثالث أكبر مدينة لبنانية بعد بيروت وطرابلس وقاعدة الارتكاز الاقتصادي والتجاري والتربوي لإقليم الخروب وجزين وبعض الجنوب.
4 ـ قطع طريق الجنوب نحو بيروت، الطريق التي لا تخفى أهميتها الاستراتيجية والمتعدّدة العناوين بالنسبة للجيش اللبناني والمقاومة والشعب أيّ أطراف معادلة القوة الاستراتيجية للبنان.
5 ـ إنتاج ضغوط ودوافع لاستدراج أطراف لبنانية رسمية او غير رسمية للدخول في هذه الاشتباكات. وهنا تكون الطامة الكبرى التي يسعى اليها كلّ عدو متربص بلبنان وبمقاومته وبجيشه وشعبه.
نكتفي بعرض هذا القدر من المخاطر التي تتهدّد لبنان وفلسطين من بوابة النار في مخيم عين الحلوة، ونؤكد أنّ المستفيد الرئيسي في ما يحصل هو «إسرائيل»، اما الخاسر فهو فلسطين ولبنان خسارة مركبة متعددة العناوين، خسارة تفرض المسارعة الى وضع حدّ لما يحصل، لأنّ الإنقاذ لا يزال ممكناً حتى الآن، وننوّه بالجهود الرسمية وغير الرسمية التي تبحث عن حلّ، حلّ يجب ان يوجد سريعاً ويكون قابلاً للتنفيذ وليس فيه تضييع للوقت فقط، حلّ يجب أن يتجنّب المخاطر الكبرى الثلاثة التي نؤكد ونصرّ على وجوب تجنبها والحذر من الانزلاق الى أيّ منها وهي:
1 ـ خطر دخول الجيش في القتال وتكرار حالة مخيم النهر البارد.
2 ـ خطر دخول أطراف لبنانية في الاشتباكات وتكرار حرب المخيمات.
3 ـ خطر إفراغ المخيم من سكانه وتكرار حالة تل الزعتر.
*أستاذ جامعي ـ باحث استراتيجي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى