أخيرة

آخر الكلام

الأسلاك الشائكة
الياس عشّي

 

الأسلاك الشائكة في كلّ مكان…
في الأرض. في العقل. في الكتاب. في العائلة. في المدرسة. وفي الدين والمذهب والتقاليد والنظام.
ثم صارت، منذ وعد بلفور ومعاهدة سايكس – پيكو، بيتاً لنا، ولكنه بيت بلا سقف، وبدون أحلام.
وهذه الأسلاك ارتفعت أكثر في الشخصية العربية القابعة وراءها، والقانعة بها، والمتمسكة بقدرها، والخائفة من مواجهة الحرية والمستقبل.
والخوف من المواجهة يلغي الإبداع، فتصير الأرض يباباً، والعقل زنزانة، والكتاب سجناً، والعائلة عرقاً، والمدرسة معتقلاً، والدين طقساً، والمذهب طريقة، والعادات مستنقعاً، والتقاليد نفقاً، والنظام إلهاً!
وهل من يسأل:
كيف ولمَ تستيقظ البراكين فجأة لتبتلعَ كلَّ حيّ؟
وكيف ولمَ تتخلّى الأرض، في لحظات غضبها، عن وداعتها، وعن ألوانها، وعن أحلامها، وعن تعاقب فصولها، فتهتزّ، وتدمّر، وتدفن ألوف الناس تحت أنقاضها؟
لو سألنا لعرَفنا طبيعة الأشياء اللاهثة وراء الثورة والتجديد.
والإنسان في مشاعره الدفينة، أشبهُ ما يكون ببركان يتهيّأ للثورة، فإذا بقيت الأسلاك الشائكة أمامه فلا مفرّ من العصيان، ولا بدّ له أن يخرج من المربع الضيق حتى يحقق حريته التي هي هاجس المبدعين.
ألم يفعل ذلك «آدم» يوم تمرّد على قوانين الجنّة، وأكل من الشجرة المحرّمة؟ كان بإمكانه أن يبقى في الفردوس ويأكل من طيباته، لكنه «اختار» أن يأكل بعرق جبينه، وأن يشقى، وأن يموت كي يحقّق حريته التي هي رأس الخصائص الإنسانية!
فلنترك الماضي وراءنا، فثمّة ألوف من «آدم» ماتوا كي لا يبقوا وراء الأسوار.
يهمّنا اليوم،
هذا الشارع العربي المحكوم بالاكتفاء والقبول. سلّم وقبل بالكيان الصهيوني. يتدرب للقبول بالتطبيع. أعلن موت الأشياء الجميلة التي كانت في صميم ازدهاره.
هل من أمل لحراك آخر؟ لثورة أخرى؟ لشارع لم تستهلكْه اليافطات التجارية وصور السياسيين والسماسرة؟
نعم… فرغم كلّ شيء فإنّ العقول النيّرة تولد تحت عباءة الليل، ألم يقل أنطون سعاده:
«التاريخ يعلّمنا أنّ تحويل مجرى حياة الأمم، لا يكون دون صراع بين دوافع الاتجاه الجديد وأثقال الوضع القديم».
ألا ترون، كما أرى، أنّ سعاده يدعونا إلى قصّ الشريط الشائك، والبدء ببناء الإنسان الجديد؟

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى