ثقافة وفنون

«حمزاتوف بين جبال داغستان وقاسيون» دراسة جديدة للهيئة السورية للكتاب

أصدرت الهيئة العامة السورية للكتاب دراسة جديدة للعام 2023 بعنوان «حمزاتوف بين جبال داغستان وقاسيون» تأليف الدكتور أيمن أبو الشعر، وذلك بمناسبة الذكرى المئوية لميلاد الشاعر العالمي رسول حمزاتوف.
يبدأ الكتاب بالتعريف بالسيرة الذاتية لـ «حمزاتوف» الذي ولد في الثامن من أيلول عام 1923، في قرية تسادا لأسرة قومية أفارية في داغستان، حيث كان والده شيخاً يتقن العربية وشاعراً مميزاً، ما جعل حمزاتوف يتأثر بوالده منذ نعومة أظافره، وبدأت أولى محاولاته بكتابة بعض القصائد، وهو في التاسعة من عمره، فكانت قصائده طفولية، ثم تابع اهتمامه بالشعر حتى نضجت تجربته بعمر المراهقة والشباب الأول.
ونُشرت قصائده الأولى في الصحيفة الأفارية المحلية «بلشفي الجبال» منذ عام 1937 في سن الرابعة عشرة، ودرس في المدرسة المحلية، ثمَّ غدا مدرساً، ومساعداً في الإخراج المسرحي وملقناً، وصحافياً في جرائد ومجلات وإذاعات مهمة، وعضواً في هيئات تحريرها.
سافر حمزاتوف إلى موسكو أوساط الأربعينيات ليدرس في معهد غوركي للآداب عام 1945 وتخرّج منه عام 1950، ويستعرض مؤلف الكتاب وقائع عن حمزاتوف من خلال معرفته الشخصية به واللقاءات المتعددة التي حدثت بينهما، فهو شاعر الحب والإنسانية، يمتاز أسلوبه الشعري ببساطة التعابير والحكم العميقة، حيث عمل على ترسيخ القيم الخالدة من التسامح والعدالة والحس الوطني في منتجه الإبداعي.
كان حمزاتوف يؤمن بالاتحاد السوفياتي ويتعامل معه بصدق مطلق، ويعد نفسه داغستانياً روسياً سوفياتياً، فعمل عضواً في اللجنة السوفياتية للدفاع عن السلام، إضافة لعضويته في لجنة التضامن مع آسيا وأفريقيا. ونال اهتمام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ودعاه لزيارته وأرسل له طائرة خاصة، وكرّمه بتقليده وسام الدولة باسم القديس أندرو الأول، مع برقية احتفاء تؤكد أنه شاعر أصيل موهوب يمتاز بروح معطاء، وأنّه أحد أعلام كوكبة الثقافة الوطنية ينقل للعالم أحاسيسه الإنسانية والوطنية.
إن بيئة حمزاتوف الداغستانية تشبه بعاداتها وتقاليدها البلاد العربية، وخاصة ذات الطبيعة الجبلية، والبيئة الريفية والعلاقة بالأهل والأرض، وإن هجرة الكثير نحو سورية والاستقرار بها والدفاع عنها، جعل حمزاتوف يعشق العرب ويزور بلادهم، ومن بينها سورية، ويعكس التلاقح بين الثقافة العربية والداغستانية في شعره، وله قصائد دافعت عن القضايا العربية وفي مقدمتها «القضية الفلسطينية».
قدمت عائلة حمزاتوف شهيدين يكبرانه سناً أثناء الحرب الوطنية العظمى بين الاتحاد السوفياتي وألمانيا النازية، لذلك تأثر بقصف أميركا لهيروشيما اليابانية بالقنبلة الذرية عام 1945م، وما خلفته الحادثة من مصائب أخطرها انتشار الأمراض نتيجة الإشعاعات النووية، من بينها سرطان الدم (اللوكيميا) الذي أصيبت به الطفلة اليابانية (ساداكا)، وتوفيت عام 1955، لذلك عند مشاهدة الشاعر لتمثال الطفلة بعد عشرين عاماً، وهي تحمل طائر الغرنوق الأبيض حرضه لكتابة قصيدته الأشهر بعنوان «الغرانيق» لتتحدث بإنسانيتها عن شهداء الحروب الدامية.
وفي الفصل الثاني من الكتاب يلاحظ القارئ كتابة حمزاتوف باستفاضة عن موطنه داغستان، حتى لُقّب بشاعر الشعب الداغستاني وهي صفة تمنح لكبار الشعراء، وإدراكاً لأهمية أعماله فقد تُرجمت عن اللغة الروسية إلى عشرات اللغات السوفياتية والأجنبية، لكون كتاباته متنوعة المضامين متوحّدة الهدف والتي تعمّقت بالحب والأم، الوطن والإنسانية، الصداقة، الدين، اللغة والانتماء القومي، وهو ما جعل نسخ مؤلفاته تصل للملايين، وتتحول لأناشيد غنائية عالمية بعد تلحينها من أشهر الموسيقيين ليغنيها مشاهير المطربين والمطربات.
ويترجم المؤلف أبو الشعر في الفصل الثالث والأخير من الكتاب عشرات القصائد لرسول حمزاتوف، ويختتم بتأليف قصيدة خاصة بمناسبة مئوية الميلاد حملت عنوان «الداغستاني الشاهق هذا أقلّ ما يُقال في ذكراك المئوية أيها المبدع الرائع».
الكتاب الذي جاء في 136 صفحة، حمل رسالة توضح ما عاناه الشاعر حمزاتوف في مرحلة انهيار الاتحاد السوفياتي وآلامه الروحية وذكرياته المُرّة، حيث بلغ عدد التماثيل واللوحات والنصب التذكارية التي تخلد ذكراه ما يقارب المئة في مختلف أنحاء العالم، منها سوخاكوم 2008، و»محج القلعة» مواجه مسرح الدراما 2010 بعد مرور عامين على افتتاح متحف باسمه، وتمثال في موسكو 2013، وكذلك جامعة بطرسبورغ 2013، وتمثال نصفيّ في مدينة يالوفا في تركيا 2014، وأُطلق اسمه على بعض الشوارع والمكتبات، ما يؤكد أن «رسول حمزاتوف أعجوبةٌ إبداعيةٌ استثنائية، ظهر كنبتة خضراء انبثقت في البداية بين الصخور حتى غدت شجرة وارفة الظلال».
يذكر أن للمؤلف الدكتور أيمن أبو الشعر عدة مؤلفات أخرى تصل بمجموعها لثلاثين إصداراً، تتنوّع بين الشعر والمسرح والدراسات والترجمة، فهو شاعر معاصر من مواليد دمشق 1946، تعلّم فيها، بينما نال الدكتوراه في الآداب من معهد الاستشراق التابع لأكاديمية العلوم السوفياتية العليا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى