مقالات وآراء

طوفان نوح في بيروت وكلّ المدن

‭}‬ منجد شريف
يتراءى للمرءِ من الوهلة الأولى في شوارع بيروت كما في الغالبية من باقي المدن، وكأنَّ غضب الله الذي تسبّب بطوفان نوح قد حَلَّ في بلدنا المنكوب لبنان.
لم يكن ينقص أولئك المواطنين المنكوبين في كلّ مقومات حياتهم سوى احتجازهم في مركباتهم لساعات طويلة خلال تنقلهم إلى أعمالهم أو إلى مدارس أبنائهم، وذلك بسبب ما احتقن من مياه الأمطار في مختلف طرقات المدن فتحوّلت إلى برك حقيقية تتطلب قوارب لاجتيازها عوضاً عن المركبات.
ونعود بالسؤال على من تقع المسؤولية؟
وكي نكون منصفين بالإجابة فإنّ المسؤولية تتحمّلها الدولة والمواطنون على حدّ سواء، فناهيك عن النهب المنظم والممنهج لغالبية المناقصات التي لزمت بعد إتفاق الطائف وفاحت منها روائح السمسرات والمحسوبيات على حساب الجودة والنوعية في العمل، فإنَّ الفساد الأخلاقي قد تلاقى مع الفساد الإداري، والذي تجسّد في رمي الغالبية من المواطنين لأوساخهم من سياراتهم ومنازلهم في الشوارع العامة، مما شكل عائقاً أمام تصريف مياه الهطولات، بعدما تسبّبت تلك القمامة بانسداد المجاري، فتجمّعت تلك الأوساخ لتطفو على أسطح تلك البرك وكأننا في مستنقعات مليئة بالمياه الآسنة.
ليس هناك من مبرّر للدولة لعدم سنّ قوانين وضرائب تصل إلى حد السجن لكلّ مرتكب لتلك الأفعال المشينة التي لا تمتّ لا للدين ولا للحضارة بصلة، فتلك التشريعات والضرائب صارت واجبة بعدما أصبح مشهد الفيضانات والبرك مألوفاً في ذات التاريخ من كل عام، وتحديداً عند أول هطول للمطر.
إذن على الدولة أن تعاقب كلّ مرتكب لمخالفة عدم رمي القمامة في المستوعبات المخصّصة لها عوضاً عن رميها في الشوارع العامة وعلى الأرصفة وفي الحدائق العامةّ، وأن تكون الدولة أيضاً في ذات التشدّد مع كلّ المتعهّدين المتنفذين من الذين قد سلموا تلزيمات شبكات الصرف الصحي ولا تزال يعوزها الكثير من المواصفات التي ربما لم تصل الى الـ ٣٠% من دفتر الشروط، فضلاً عن صيانتها موسمياً بحسب الإتفاق مع الوزارة المختصة، وأن تحيل كلّ المرتكبين إلى القضاء والتفتيش الإداري والمركزي وديوان المحاسبة وكلّ أجهزة المحاسبة من أجل الإقتصاص منهم على ما ارتكبوه من أذية للمدينة ولكلّ أبنائها وزوارها والقاطنين فيها.
أما حكاية الغالبية من المواطنين مع رمي القمامة من شبابيك مركباتهم فصارت سمة متأصّلة في طباعهم وسلوكياتهم اليومية، فقلما نجد من أبناء الوطن من لديه ثقافة النظافة من الإيمان، وما أكثر ما وضع من شعارات في هذا الصدد، فإنْ قرأوا لا ينفذون، وإنْ حصل ونفذ البعض يبقى العدد خجولاً أمام الجحافل التي لا تريد أن تتقيّد بتلك الثقافة، علماً أنّ وزارة الطاقة ووزارة الداخلية والبلديات قامتا مجتمعتين متعاونتين بتعزيل وصيانة مختلف الشبكات والطرقات، من أجل تلافي هذا الفيضان الموسمي من كلّ عام لمنع احتقان المياه وتحوّلها إلى برك حقيقية، وبالرغم من ذلك لم يحققوا الغاية المرجوة بعدما بذلوا قصارى جهودهم وذلك بسبب غزارة المطر وعدم أهلية الشبكات لإستيعابها فضلاً عن السيول التي حملت معها كلّ النفايات المتراكمة على جوانب مختلف الطرقات لتحملها الى المجاري المخصصة لها مما يتسبّب بإنسدادها واحتقان المياه لتتحوّل إلى برك لاحقاً…
هنا نعود لنرفع الصوت إلى الجميع من المسؤولين والمواطنين، أنّ الدولة هي: أنا وأنت وهو، وإنٍ لم تكتمل تلك الحلقة فسيبقى الوطن كله عرضة للكوارث على أنواعها، وعلى كلّ الأجهزة المناسبة ان تتابع ايّ مشروع من ألفه الى يائه حتى لا تتكرّر التجارب في كل مناحي الدولة، وعلى كلّ مواطن أن يبدأ بنفسه، وإن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسم، ولا يصلح العطار شيئاً مما أفسده الدهر، فلنصلح ما أفسده الدهر من أجل وطننا وأبنائنا ومن أجل بيئة أفضل وحياة أهنأ وإلا سنبقى ندور في هذه الحلقة المفرغة ولا نبرح مكاننا…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى