نقاط على الحروف

غزة وحماس تصنعان المشهد الاستراتيجي

ناصر قنديل

– منذ أكثر من سنة صرّح قادة حماس عن التحضير لعمل عسكري استراتيجي كبير، قال يحيى السنوار إنه بالتشاور والشراكة مع الحلفاء في محور المقاومة، بهدف إنهاء ملف الأسرى وفك الحصار وضمان أمن المسجد الأقصى، ومنذ سنة وأكثر والمقاومة في لبنان تتحدّث عن استحالة ترك فلسطين وأقصاها وحدهما. وقائد هذه المقاومة تحدث مراراً عن معادلة الحرب الإقليمية، وخلال شهور والكلام واضح عن أن محور المقاومة في طريقه إلى حرب فاصلة مع الكيان يستعدّ لها ويحضّر لخوضها. وقد راكم لها سلاحاً وذخائر ومقدرات، وأعدّ لها خططاً وقادة ومقاتلين ومناورات. وإن أي حدث كبير قد يتحول إلى مناسبة لانطلاقها، وبالأمس تحدّث قائد الجهاد الإسلامي فبشّر بزمن فلسطيني جديد عنوانه التحرير وحماية المقدسات.
– ما جرى في فلسطين من خلال هجوم غزة بقيادة حركة حماس وقوات القسام، تاريخي وكبير، فما ظهر من إعداد وتحضير وجهوزية ونوعية قتالية يعني أن جيشاً عربياً ثانياً للمقاومة ولد الى جانب ما يمثله جيش المقاومة اللبنانية، يستطيع كل منهما منفرداً حمل أعباء حرب كاملة بوجه جيش الاحتلال، وظهر جيش الاحتلال عاجزاً منهكاً هزيلاً مفككاً سهل المنال، مصاباً في روحه إلى حد تعجز الإمكانات والتقنيات عن ستر عوراته ونقاط ضعفه، ويعجز الكلام العالي الأسقف ولغة الغطرسة والغرور عن أن يمنحه أسباب القوة. وبدت الإنجازات القابلة للتحقق أكبر من التوقعات، بحجم الأضرار التي أصابت الكيان، وحجم المكاسب التي حققتها المقاومة. وفجأة وجدت المنطقة نفسها في قلب تحوّل استراتيجيّ، عنوانه سقوط كيان الاحتلال كلاعب إقليمي ينتظر التطبيع معه بصفته مَن يضمن الأمن في المنطقة، أو الشريك المنشود في النهوض الاقتصاديّ، وعنوانه الآخر صعود المقاومة كلاعب إقليميّ قادر على فرض معادلات جديدة، يستحيل دون أخذه بالحساب، وأخذ القضية الفلسطينية من خلاله في الاعتبار، الحديث عن استقرار في المنطقة.
– ما حدث مبهر ومفاجئ وأقرب للإعجاز، لكنه جزء من خطة كانت المقاومة في فلسطين وكان محور المقاومة قد مهدا لها الكثير، وأعدّا لها طويلاً، وهي فتحت الباب لتطورات لم تظهر جميعها بعد، والعالم كله وكذلك المنطقة في حال انتظار لرؤية الآفاق والمسارات والاحتمالات. والكيان العاجز عن الرد بما يعيد الأمور الى قواعد اللعبة السابقة، في أسوأ أحواله. إن ذهب للحرب البرية على غزة تنتظره مفاجآت أشد قسوة تشبه ما جرى في وادي الحجير وسهل الخيام في حرب تموز 2006. وإن ذهب الى توسيع جبهات الحرب تنتظره قوى جاهزة ومستعدّة لما هو أعظم، حيث يمكن للأمور أن تخرج عن السيطرة، وتفتح باب أزمته الوجودية، حيث تتغير الخرائط. وإن اختار لعبة تبادل القصف فهو يدرك أن عمقه لن يكون بمأمن، وقدرته على التحمل دائماً هي أقل؛ ولذلك تستمر الحرب على نار هادئة لإعادة ترتيب الأوراق، من التفكير بحكومة جديدة في الكيان، تمهّد ولو تحت عنوان خوض حرب المشهد التفاوضي عبر إقصاء المتطرفين، الى رسائل أميركية وغربية لعدم ترك الكيان وحيداً، واستنفار المنطقة للوساطات والضغوط، ولذلك تقوم المقاومة في لبنان بإشعال الفتيل الطويل لحبل نارها ودخولها إلى مشهد الحرب.
– في العالم والمنطقة يكفي ما كتبه توماس فريدمان لمعرفة أين أخذتنا العملية المبهرة والنوعية والتاريخية للمقاومة، حيث ينقل فرديمان ويتبنّى كلام المحلل الإسرائيلي ناحوم بارنيا أن ما جرى حرب كارثية على الكيان تتفوّق بنتائجها الكارثية عن حرب تشرين عام 1973، وأنه يصعب أن يخرج الكيان من نتائج هذه الكارثة التي يصعب محوها. ويضيف إن المساعي الأميركية للتطبيع السعودي الإسرائيلي قد أصيبت بنكسة يصعب القيام بعدها، يستنتج أنه يصعب بعد هذه الحرب والحاجة لحماية الكيان أن تقوم أميركا بتوفير مستلزمات الحربين، حرب إسرائيل وحرب أوكرانيا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى