أولى

انقلاب الصورة: بين مشاهد الصمود الفلسطيني والوحشية الصهيونية وفشل بلينكن وتنامي مأزق نتنياهو

حسن حردان

يبدو من الواضح انّ المقاومة في لبنان دخلت بشكل مدروس على خط المواجهة منذ اليوم الأول للحرب الصهيونية على غزة، وهي ترفع كلّ يوم من منسوب ضرباتها الموجعة لقوات الاحتلال على طول الجبهة مع لبنان، فيما فصائل المقاومة الفلسطينية بدأت بالاشتراك في شنّ الهجمات من الجنوب اللبناني، مما أدّى إلى أشغال جيش الاحتلال واستنزافه وأجبره على إرسال جزء من قواته وقبّته الحديدية إلى شمال فلسطين المحتلة، في ظلّ تنامي قلقه من رسائل المقاومة النارية ورفع درجات استعدادها وجاهزيتها القصوى لكلّ الاحتمالات بما فيها احتمال اتساع دائرة المواجهة.. إذا فشلت الجهود الدبلوماسية في وقف العدوان وإدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة.
على أن المشهد بعد عشرة أيام على العدوان الوحشي وارتكاب المجازر ضد سكان غزة، بدأ يقلب الصورة في العالم، وأدخل واشنطن ومعها حكومة نتنياهو في المأزق، ويستدل على ذلك من الآتي:
أولاً، تكريس حقيقة انّ ما جرى في 7 تشرين الاول الجاري يشكل تحوّلاً نوعياً ومنعطفاً كبيراً في الصراع العربي الصهيوني، ما قبله غير ما بعده، حيث أسقط هجوم المقاومة الفلسطينية ما تبقى من صورة وهيبة لجيش الاحتلال وحطم قوته الردعية وسطوته وأظهره في صورة الجيش المهزوم.. وأعاد القضية الفلسطينية بقوة إلى صدارة الاهتمامات العالمية، وكرّس حقيقة أنّ هذه القضية لا يمكن طمسها وتصفيتها، وان لا سلام ولا استقرار من دون حصول الشعب الفلسطيني على حقوق وعودته إلى أرضه التي شرّد منها بقوة الإرهاب والبطش الصهيوني..
ثانياً، تهاوي الرواية الصهيونية الخادعة التي سوقتها إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن للعالم، وتكشفت الوحشية الصهيونية بأبشع صورها، بعد أن ذهب كيان العدو إلى تنفيذ مجازر إجرامية جماعية بحق المدنيين العزل في غزة، وتدفيع الشعب الفلسطيني ثمن هزيمته، في محاولة يائسة للنيل من صموده لإجباره على الضغط على المقاومة للخضوع للشروط الصهيونية، أو محاولة تكرار نكبة جديدة بدفعه لمغادرة غزة إلى سيناء.. وتقوم حكومة العدو بتنفيذ ذلك بحجة الدفاع عن النفس ولعب دور الضحية، ودعم اميركي كامل ومعه الدول الغربية التي زرعت كيان الاحتلال في فلسطين وهجرت الشعب الفلسطيني في عام 48.
لكن بعد أسبوع على العدوان الصهيوني الإجرامي انقلبت الصورة واتضحت للرأي العام العالمي الوحشية الصهيونية، والعجز عن تحقيق أيّ إنجاز عسكري ضدّ المقاومة وبنيتها، سوى قتل الأطفال والنساء والشيوخ وتدمير الأبنية فوق رؤوس ساكنيها.. ومع ذلك لم ينل العدو من صمود أبناء غزة وتمسكهم بمقاومتهم.
ثالثاً، اعتراف الإعلام الصهيوني بفشل جيش الاحتلال في تحقيق أيّ إنجاز عسكري، حيث صواريخ المقاومة تستمر بالانطلاق على مستوطنات ومدن الاحتلال رغم القصف الجوي البري والبحري على مدار الساعة على القطاع، فيما رجال المقاومة يستمرّون في العبور إلى غلاف غزة ويهاجمون مواقع ودبابات الاحتلال.. في وقت سادت حالة الارتباك على مستوى قيادة الحرب الصهيونية بشأن العملية البرية في غزة لضرب وسحق المقاومة والقضاء على قياداتها وبنيتها العسكرية لتغيير الواقع القائم في غزة…
رابعاً، إعلان قوى المقاومة في المنطقة جاهزيتها لاحتمال توسع المواجهة، راسمة ضبابية متعمّدة بشأن خطتها لإرباك العدو.. وذلك وسط تحذير وزير الخارجية الإيراني عبد اللهيان من انّ الوضع قد يخرج عن السيطرة في ايّ لحظة، اذا ما استمرت حرب الإبادة التي تشنّ ضدّ الشعب الفلسطيني ولم يسمح بدخول المساعدات الإنسانية إلى غزة.
خامساً، دخول حكومة نتنياهو في مأزق حقيقي نتيجة الفشل في تهجير الشعب الفلسطيني إلى سيناء، فيما هي بدأت تتردّد في الاقدام على اجتياح غزة خوفاً من الغرق في حرب استنزاف غير مسبوقة وبدأت تتحدث عن مواجهة طويلة وأيام صعبة ستواجه كيان الاحتلال، خاصة بعد ان هزم جيشه في عملية المقاومة وكسرت شوكته، والآن بعد ان رفعت حكومة نتنياهو سقفاً عالياً لإلحاق الهزيمة بالمقاومة والقضاء عليها واستعادة الأسرى من دون صفقة تبادل، وجدت انّ تحقيق مثل هذه الأهداف غير ممكن إلا إذا نفذت عملية برية ودخل جيش الاحتلال إلى غزة، لكن الدخول إلى غزة محفوف بمخاطر كبيرة لأن جيش الاحتلال الذي يعاني من انهيار في معنوياته، سيواجه مقاومة ضارية تملك القدرة والإمكانيات على تكبيده خسائر جسيمة مع توقع أن تلحق به هزيمة مشابهة لهزيمته في حرب تموز 2006, وتتجاوزها بتداعياتها الخطيرة على كيان الاحتلال وجيشه، ولهذا فإنّ العدو دخل في حالة ارتباك عكسها تأجيل هجومه البري بعد أن قال إنه بات مستعداً له…
سادساً، إخفاق وزير الخارجية الأميركي في سعيه لتشكيل تحالف عربي يدعم نتنياهو في حربه ضدّ الشعب الفلسطيني ومقاومته في غزة، بينما المناخ العربي والدولي تبدّل في غير مصلحة كيان العدو، وبدأت الضغوط عليه وعلى واشنطن لوقف النار وفتح معبر رفح لدخول المساعدات الإنسانية الى قطاع غزة، مقابل السماح بخروج الأجانب، كما تشترط مصر والمقاومة، وإذا ما تمّ انصياع العدو لمثل هذا الاتفاق الذي يعمل بلينكن على دفع حكومة نتنياهو للقبول به فإنه سيؤدي الى سقوط أول هدف من أهداف عدوانه الوحشي، وهو الرهان على تهجير أهالي غزة..
كما أنّ نتنياهو يواجه مأزقاً لانه يعرف انّ فشله سيقود إلى تفجير زلزال داخل الكيان والإطاحة به إسرائيليا ومحاسبته باعتباره المسؤول الأول عما أصاب الكيان من هزيمة قاسية مرتين: الأولى في هجوم المقاومة المباغت على جنوب فلسطين المحتلة وإكمالها بتحطيم صورة جيشه وقوته الردعية، والثانية في حالة فشله في استعادة صورة نصر على المقاومة لترميم قوة وهيبة جشيه ورفع معنوياته المنهارة…
لذلك فإنّ الأمور باتت تتراوح بين مأزق نتنياهو وجيشه اذا ما دخل إلى غزة، واحتمال توسع الحرب وحجم الدمار الذي ستلحقه بالكيان، والمخاطر التي ستهدّد وجوده، وتداعيات ذلك على الوجود الاميركي في المنطقة إذا ما دخلت واشنطن على خط المعركة، في ظلّ اتساع دائرة الاحتجاجات الشعبية في العالم وازدياد الضغوط لوقف الجرائم الصهيونية المهولة ضدّ الشعب الفلسطيني، وهو ما قد يجبر واشنطن على تحرك عاجل للضغط على نتنياهو للتوقف عند هذا الحدّ والعمل لإيجاد مخرج لوقف النار وفتح ممر إنساني لدخول المساعدات إلى غزة.. ومن ثم إجراء الاتصالات بعد ذلك للاتفاق على شروط صفقة تبادل الأسرى.. في سياق مساعدة كيان العدو على النزول من أعلى الشجرة بعد أن رفع سقف أهدافه وأصبح يواجه مأزقاً في سعيه إلى تحقيقها…

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى