مقالات وآراء

أطفال غزة… أقبّل الأرض بين أياديكم

‭}‬ سارة السهيل
تحية لهؤلاء الأبطال الصغار الذين نخجل من أنفسنا أمامهم،
تحية إكبار وإجلال لكم أطفال غزة،
فقد شهد العالم معركة الدول العظمى ضدّ الأطفال، وكان العالم شاهداً على صبركم وقوة احتمالكم وإيمانكم ووطنيتكم التي لا تساومون عليها حتى أرواحكم.
وشهد العالم كيف تقفون حاجزاً أمام سرقة أراضيكم وبيوتكم وتاريخكم وثقافتكم وحضارتكم وذكرياتكم.
لا أنكر أبداً أنني لست سعيدة بشجاعتكم، كنت أتمنّى أن تكونوا أقلّ شجاعة حتى تلعبوا وتمرحوا وتعيشوا طفولتكم، وتحموا أنفسكم من القتل والعذاب والقصف والترويع النفسي والتعذيب الجسدي والخوف والهلع، وفقد البيت والمدرسة والزملاء وتوديع الأصدقاء والتهجير والنزوح.
كنت أتمنى أن تكونوا أقلّ شجاعة حتى تستطيعوا عيش مرحلة الطفولة مثل أقرانكم في الدول الأخرى، وتلعبوا وتمرحوا وتهنأوا في نوم هادئ.
لكن تمنياتي لكم لتكونوا بأمان باءت بالفشل، لأنها ليست أمانيكم،
فأنتم تضحّون بالغالي والنفيس من أجل وطنكم وأرضكم ومكانكم وتاريخكم وكرامتكم،
يا أطفال غزة…
أنتم كبار، نعم أنتم الكبار، ليس سناً وإنما قدراً ومكانة،
أيها الشجعان الصامدون، القادرون الماضون في درب المقاومة والدفاع عن الأرض والكرامة نيابة عنا جميعاً.
أنتم لستم كبش الفدا الذي افتدى به الله سيدنا إسماعيل، وإنما أنتم من افتدى الوطن العربي برمّته.
أنتم يا أطفال فلسطين ويا أطفال غزة مادة جاهزة للتدريس…
كنت دوماً ككاتبة أطفال أحث على زرع القدوة الحسنة في عقول الأطفال لتكون عبرة يتعلّمون منها، لكنكم يا أطفال غزة لستم كباقي الأطفال؛ لأنكم أنتم القدوة.
ولا يمكننا أن ننسى الأيادي الطاهرة التي ربّتكم، وتعبت عليكم، ففي كلّ بقاع الأرض مرّت على الناس ظروف ولطالما كانت الظروف الصعبة صانعة للأمل والعمل والاجتهاد والمثابرة وصانعة للنجاح.
فأنتم يا أطفال غزة معظمكم أيتام، وكان لكم في رسول الله أسوة حسنة، في سيدنا محمد الذي ولد يتيماً وسيدنا يسوع المسيح الذي ولد بلا أب…
كنتم أنتم يا أطفال غزة الأب والأم لأنفسكم ولمن حولكم… فوجدت بكم فصاحة ودراية لم أجدها قط في رواد المدارس العالمية من أقرانكم من الأطفال.
أقبّل التراب بين أيديكم،
واعتذر لكم نيابة عن كلّ من لم يقدّم اعتذاره،
الألم الذي في قلبي لا يسعه الكون، وما زادتني هذه الأيام الصعبة إلا قوة استمدّيتها من قوتكم.
وطاقة حب وعزم وثقة وصلتني عبر أرواحكم الطاهرة التي تحلق في السماء.

لا يقتل الأطفال إلا جبان، ولا يحارب الأطفال إلا خاسر متوحّش لا ينتمي إلى جنس البشر.
فقوى العالم اجتمعت عليكم؛ لأنهم لا يقدرون عليكم
لأنكم أكبر منهم جميعاً.
أطفال غزة اختاركم الله للاختبار دوناً عن الجميع، ورغم أنه لا اعتراض على حكم الله، ولا يمكننا أبداً حتى السؤال إذا وقع علينا الظلم، فنلجأ إلى الدعاء،
فنقول يا رب هؤلاء الأطفال لم يفعلوا أيّ شيء ليستحقوا العذاب والقتل وفقد الطفولة والمرح،
ارأف يا رب بحالهم،
أناجيك يا الله أن تفتح الأبواب المغلقة، وتدخل الفرج إلى ساحات فلسطين وبيوتها وسمائها، وتنزل السكينة على قلوبهم.
فكم حاربتهم شدة بجيشها، وضاق صدرهم من لقاها، وانزعج حتى إذا أيسوا من زوالها (نطلب منك يا الله، ويقيننا بالإجابة أن تأتيهم الألطاف تسعى بالفرج.
أطفال غزة استودعتهم لديك فرداً فرداً، ولا تضيع عند الله الودائع…

 

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى