أولى

«طوفان الأقصى» وتحدّيات الاستمرارية…

‭}‬ د. جمال زهران*
لعلّ التحليل السياسي لمضمون الخطاب الرسمي المعلن على لسان قادة المقاومة الفلسطينية اسماعيل هنية وزياد النخالة وصالح العاروري وغيرهم، يتضح أنّ ما أقدموا عليه من مفاجأة «طوفان الأقصى»، ليس مثل ما حدث من وقائع مماثلة منذ سنوات. ولذلك فقد أكدوا على استمرارية هذه العملية حتى تحرير بيت المقدس وكلّ فلسطين، وأنها ثورة حتى النصر، وختام حديث أبو عبيدة كلّ يوم «نصر أو شهادة»… وهو يحيط العرب والعالم علماً… ويؤكد أن لا خيار إلا الاستمرارية.
ومما قيل أيضاً إنّ ما بعد (7 أكتوبر) لن يكون مثل ما قبل (7 أكتوبر)، وأنّ الأطراف التي تطرح نفسها أصالة أو وكالة عن آخرين، دول كبرى أو صغرى، لن يُسمح به هذه المرة، حيث بدأت عملية «طوفان الأقصى»، ولن تتوقف حتى النصر الكامل بإذن الله.
إذن… نحن أمام خطاب جديد حول عملية جديدة متكاملة، تتسم بالشمول. فلم تعد مجرّد إطلاق عدة صواريخ تخويفية أو ردعية يطلقها المقاومون في غزة على مدن الكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة، هي الهدف، بل إنها صواريخ ومقاومة مباشرة، بدأت في غلاف غزة، وهو الجزء المطابق واللصيق بقطاع غزة من الشرق، حتى تمّ إجبار المستوطنين على الرحيل.
بينما استطاع المقاومون الذين فاجأوا العدو الصهيوني فجر يوم السبت، السابع من أكتوبر، أن يهاجموا بكثافة وصلت درجتها إلى السيطرة الكاملة على غلاف غزة وأصبحوا على مقربة (10) كيلومترات من الضفة الغربية، بل استطاعوا السيطرة على أسرى، بلغ عددهم حتى الآن نحو (250) أسيراً وأسيرة من مختلف الجنسيات، وهم مستوطنون، بل وقادة عسكريون صهاينة!! وهي ورقة جديدة في أيدي المقاومة، تحتاج إلى حُسن توظيف، وهو مؤكد بإذن الله…
فما هي قيمة استمرارية عملية «طوفان الأقصى»، من حيث المفاجأة ومن حيث الانتشار على كلّ الأراضي الفلسطينية المحتلة، بتوجيه ضربات قوية، ومن حيث استنزاف العدو الصهيوني على أكثر من جبهة؟
إنّ الإجابة على هذا السؤال، تمثل أهمية كبيرة، وتثير التحديات أمام عملية الاستمرار بالمفاجأة والانتشار والشمول.
فالواضح من حيث المبدأ، أنه لا رجوع ولا نكوص عن استمرار المقاومة بكلّ ما تملك.. وما أعدّته لهذا اليوم التاريخي على خلفية قرار استراتيجي بإزالة الكيان الصهيوني، بعد أن وصل إلى مرحلة النهاية، حيث الانهيار الداخلي، والسلوك الصهيوني بغرور القوة وجنونها في التعامل مع الفلسطينيين، رغم أنهم أصحاب الأرض، ولديهم القضية التاريخية منذ النكبة الأولى في 1948، وقد مرَّ عليها 75 عاماً!
وبالتالي، لا رجوع عن استمرارية المقاومة، كقرار استراتيجي. كما أنّ الاستمرارية ستكون بلا انقطاع، أو توقف، على خلفية التكتيكات.
وقد قال السيد حسن نصر الله، في خطابه الأول (الجمعة 3 تشرين الثاني/ نوفمبر)، «الوضوح في الاستراتيجية، والغموض في التكتيك».
ولذلك فإنّ المقاومة مستمرة بلا هوادة، أو تباطؤ، رغم كلّ الأحاديث عن تسويات ومقترحات بالإعلان عن وقف إطلاق النار، وكأنّ الفلسطينيين يشتكون! لكنهم صامدون صمود الجبال، ويقاتلون بشراسة ضدّ العدو الصهيوني الغادر، ويرفضون الرحيل من أرض غزة، رغم كلّ الخسائر البشرية والمادية. ويُصرّون على استحالة حدوث نكبة ثانية، بعد النكبة الأولى منذ 75 عاماً.
هذا هو الحادث الآن لمن يجيد التعامل مع المشهد الحالي. فلا العدو الصهيونيّ، قد توقف عن مجازره، وسط خنوع قادة العرب والمسلمين، باستثناءات قليلة ومحدودة، ولا المقاومة توقفت عن الاستمرارية والشمول، في عملياتها ضدّ الكيان الصهيوني وعلى كلّ الأراضي العربية الفلسطينية المحتلة منذ عام 1948.
ولعلّ ما حدث يوم الجمعة 10 نوفمبر/ تشرين الثاني، من عملية الطوفان الثانية في غزة، حيث تمّ إيهام العدو بخلو المكان، مما أغراهم بالدخول الكثيف، وفوجئوا بحصارهم من قوات النخبة المقاومة، فدمّرتهم بالكامل، البشر والدبابات والمركبات، بلا هوادة، وسط ذهول العدو، ولم تستطع قواته الهرب أو الرجوع. وقد كان التدمير كاملاً، بروح «طوفان الأولى» وتخطيط نفسهما، وتكرّر ذلك من قبل بين الأولى والثانية، ولكنها كانت أقلّ درجة.
فما هي إذن قيمة الاستمرارية بالانتشار والشمول وبلا توقف، استراتيجياً وتكتيكياً؟
الإجابة بوضوح، أنّ الاستمرارية، توسّع درجات ودوائر التأييد للمقاومة والقضية الفلسطينية، ووصل الأمر في ذلك إلى اتساع التأييد في دول العالم الاستعماري، الداعمة علناً للكيان الصهيوني، في واشنطن ولندن، وبرلين، وباريس، وروما، وانتشرت في العالم كله. كما أنّ الاستمرارية تُسهم في إجبار الغرب الاستعماريّ عن تخفيض سقف المطالب والدعم للكيان الصهيوني. كما أنها تُسهم في تزايد الدعم من أحرار العالم في أميركا اللاتينية وأفريقيا وآسيا. وقد بادرت عدة دول في العالم الثالث بقطع العلاقات وسحب السفراء لمن لهم علاقات مع الكيان الصهيوني، والإدانة العلنية من قادة كبار في العالم، للتصرفات العدوانية البربرية الصهيوني، ضدّ الفلسطينيين المدنيين والعُزل والمحاصرين. كما أنّ الاستمرارية كشفت الحكام العرب العملاء وحراس الكيان الصهيوني، وتبعيّتهم للاستعمار الأميركي والأوروبي، الذين يدينون لهم بالولاء في الاستمرار في كراسيهم!!
كذلك فإنّ مواقف الروسي والصيني وكوريا الشمالية والهند، بدأت في التصاعد دعماً للمقاومة بشكل علني، ولعبت دوراً كبيراً في وقف مشروعات القرارات الأميركية بإدانة المقاومة، في مجلس الأمن، فضلاً عن الدعومات المستمرة، قولاً وفعلاً.
إنّ الرهان على الشعوب، يزداد، شريطة الاستمرارية بالانتشار والشمول، وستكون النتيجة هي ضمان إزالة الكيان الصهيوني من المنطقة، وهو الحادث عما قريب، وتتحرّر فلسطين من النهر إلى البحر بإذن الله.
*أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، جامعة قناة السويس ـ جمهورية مصر العربية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى