مقالات وآراء

الوضع العسكري والميداني في غزة… مؤشرات الهدنة وتبادل الأسرى

خالد جبريل* | حمزة البشتاوي**

في سياق العدوان وحرب الإبادة على قطاع غزة تستمرّ العملية البرية لجيش العدو، دون تحديد عمقها الجغرافي أو مداها الزمني أو حجمها، مع التهديد من قبل الأوساط السياسية والعسكرية والأمنية للعدو الإسرائيلي بالاجتياح الكامل لقطاع غزة، وهو الخيار الأكثر كلفة والأقلّ تشجيعاً من قبل الإسرائيليين لاعتبارات متعلقة بأعداد القتلى الذين سيسقطون من جيش الاحتلال والخوف مما يمكن أن يحصل لهم في غزة بقتال الشوارع وحرب العصابات داخل المدن والمخيمات.
ويسعى العدو للدخول إلى مسافة جزئية بهدف إقامة حزام أمني مع مستوطنات الغلاف بعمق 2 كلم في الشمال ومن أقصى الشمال الشرقي في بيت حانون إلى أقصى الجنوب في رفح، وهذا لن يمنع من استمرار عمل المقاومة واستنزاف جيش الاحتلال الإسرائيلي بالعمليات الفدائية الميدانية اليومية.
ويسعى جيش الاحتلال إلى تقطيع أوصال القطاع إلى عدة أجزاء، بحيث تفصل قواته شمال قطاع غزة الذي يضمّ مناطق بيت حانون وبيت لاهيا ومدينة غزة، عن وسط القطاع الذي يضمّ مخيمات النصيرات والبريج والمغازي ودير البلح، عن جنوب القطاع الذي يضمّ مدينتي خان يونس ورفح، ولهذا الهدف قام ولا يزال مستمراً بالقصف الجوي لمناطق الفصل قبل نزول قواته على الأرض لكي يحميها من المقاومة وشبكات الأنفاق والعبوات والكمائن والقناصة، وبتقدير ميداني لم يستطع الاحتلال فعل ذلك عملياً على الأرض سوى من خلال القصف الجوي وإحداث حفر كبيرة تمنع انتقال الفلسطينيين بين هذه المناطق الثلاث، مع محاولاته الانفراد بكلّ منطقة على حدة عبر التوغل الخاطف ثم الانسحاب رغبة منه بعدم التورّط باشتباكات يتحضّر لها المقاومون.
كما يسعى جيش العدو الإسرائيلي إلى الحصول على صورة نصر يقدّمها لما يُسمّى بالرأي العام الإسرائيلي عبر التموضع في مناطق ومراكز معينة داخل غزة كمستشفى الشفاء، مع العمل على تنفيذ عمليات اغتيال لقيادات المقاومة السياسية والعسكرية واستنزاف القدرات الصاروخية ليقول إنه حقق هدف كبير.
ولكن الأهداف الإسرائيلية والتي جنّد لتحقيقها أكثر من 300 ألف جندي من القوات النظامية والاحتياط ودعم أميركي وغربي غير مسبوق بحاملات الطائرات والأسلحة والمعدات العسكرية المختلفة لم تمنع التخوفات من حرب المدن والشوارع، التي يفقد فيها الجيش الإسرائيلي فعالية معداته ومعظم أسلحته مما سيؤدّي إلى استنزافه وانسحابه في نهاية المطاف دون تحقيق أيّ نتائج واضحة، وهذا التقدير يرتبط بعدم رغبة الاحتلال خوض حرب طويلة المدى يترتب عليها أضرار وخسائر اقتصادية واجتماعية، وهذا لن يحقق تحرير كلّ الأسرى أو هزيمة للمقاومة، رغم ما يشهده قطاع غزة من حصاراً شاملاً وغير مسبوق، ومنع العدو الإسرائيلي إدخال أيّ من المواد الغذائية والوقود والمساعدات الطبية الطارئة، بالإضافة إلى قطع المياه والكهرباء والاتصالات، وإغلاق المنافذ والمعابر البرية من جهة مصر وغلاف غزة، حيث يعمل الاحتلال الإسرائيلي على إطالة أمد الحصار العسكري وتشديده، للضغط على حركة حماس وفصائل المقاومة بموضوع الأسرى، وإدخال المساعدات.
ومن المُرجح أن يستمرّ الاحتلال في حرب برية طويلة، ولكن متقطعة، إما عبر عمليات سريعة في داخل قطاع غزة، أو التوغل المحدود كالتي تنفذ في الضفة الغربية، من أجل إنهاك قدرات حماس وفصائل المقاومة وحلّ قضية الأسرى تدريجياً، وضمان عدم الاشتباك في مسرح عمليات حرب الشوارع، وهذا يتطلب قُدرات استخباراتية ومراقبة على مدار الساعة من الجو والبر والبحر، لكن المؤشرات الأولية المبنية على تحليل طريقة تعامل حماس وفصائل المقاومة مع الأسرى وتأمينهم تفيد بأنه من الصعب تحرير الرهائن من خلال عملية عسكرية، ولهذا قبل العدو التفاوض غير المباشر مع حركة حماس لإتمام صفقة جزئية لتبادل الأسرى.
وفي ظلّ استمرار عمليات قتل المدنيين، ليلَ نهارَ، دون انقطاع، ودون تفريق بين منطقة وأخرى، وصولاً إلى استمرار التركيز على المستشفيات، حيث يحتشد الجرحى وعشرات آلاف طالبي الحماية. وهذا يؤشر على المستوى الذي بلغته الحرب البريّة، وأين وصلت دبابات الجيش الصهيوني في شمال غرب القطاع ووسطه، وجنوبه. الأمر الذي يوجب الاجتهاد في تقدير الموقف كلّ يوم تقريباً، لأنّ مشهد المجازر والدمار، كما جغرافيا توزيع نقاط المواجهة في الحرب البريّة، في حالة تغيّر مستمر كذلك. القرار الأميركي ما زال متمسّكاً باستمرار الحرب، وعدم وقفها، مع «تخفيف» نسبي بعنوان هُدن مؤقتة، أو تكتيكية. والقرار الصهيوني مستمر في استراتيجية الإبادة البشرية، وتدمير القطاع، إلى جانب محاولات لإحداث اختراقات في جغرافيا القطاع، ولكن حتى الآن استعصى عليه تحقيق إنجاز عسكري ملموس منذ بداية الحرب.
ولكنه تمكن من إحداث اختراق في عدة نقاط، والتوسّع في التمدّد في الشمال كهدف عاجل، وقد حاول ناطقه العسكري، المبالغة في ما حدث من اختراقات. وذلك بتضخيم أهميتها لتأجيج حرب نفسية لدى متلقّيها، من المتعاطفين مع المقاومة، أو الحريصين على إنزال الهزيمة في الاجتياح العسكري لقطاع غزة. على أنّ الذي يجب أن يمتلكه الجميع عند الدخول في التفاصيل لحركة جيش العدو، هو التأكد، أولاً، من أنّ الاختراق وغيره، لا تغيّر في ميزان القوى العسكري، كما لا تغيّر في المحصّلة النهائية للحرب. وذلك من خلال التأكيد أنّ الجسم الرئيسي لقوات المقاومة، ما زال في كامل جاهزيته، وتصدّيه المستمر للاختراقات، وإنزاله الخسائر الفادحة في الأفراد والآليات. كما التأكيد أنّ المقاومة، ما زالت مسيطرة على الوضع العام. وإدارة التصدي، بأعلى مستوى عسكري. ولن يستطيع العدو تحويل الاختراقات الجغرافية إلى واقع على الأرض، رغم انتهاجه سلوكاً عسكرياً ميدانياً ظهر أشدّ فتكاً وأصعب تبعات من الاعتداءات السابقة، ويمكن حصره في شنّ غارات جوية غير مسبوقة تقصف أهدافاً مدنية من منازل ومنشآت وجامعات ومساجد على مدار الساعة، وعلى رؤوس ساكنيها، ودون سابق إنذار، مما أوقع هذا العدد الكبير من الشهداء والجرحى، والأضرار المادية الكبيرة، وفق اتباع سياسة الأرض المحروقة في مربعات سكنية واسعة، تركزت في مناطق شرق قطاع غزة، لا سيّما مناطق الشجاعية وبيت حانون والبريج وخانيونس، تمهيداً لإقامة حزام أمني فارغ من الفلسطينيين، وقد وزع منشورات على الناس تحذرهم من الاقتراب من مسافة تزيد عن ألف متر من الحدود الشرقية للقطاع وأيضاً استهداف مناطق جديدة في قلب مدينة غزة لم تكن مدرجة سابقاً في اعتداءاته على القطاع، لا سيّما حي الرمال الجنوبي المسمّى “حي الأثرياء”، ويضمّ معظم الوزارات الحكومية والجامعات وسلسلة المطاعم والمؤسسات الترفيهية، الأمر الذي يعني إحداث شلل كامل فيه في مرحلة ما بعد الحرب.
وتعدّدت التحليلات التي سعت لمعرفة هذا الاستهداف على غير العادة، من بينها قطع خطوط الاتصال العلنية والسرية فوق الأرض وتحتها، وتضييق الخناق على قادة المقاومة الذين يقدر الاحتلال أنهم يتمركزون في هذه المنطقة، كما حصل في حرب 2021 في ما عرف “ضربة المهندسين” التي أسفرت عن استشهاد عدد من مهندسي القسام عقب ملاحقتهم تحت الأرض عبر حزام ناري في شارع الصناعة الكائن في قلب مدينة غزة. وقد اعتمد العدو على القصف الجوي بكثافة نارية غير مسبوقة دفعت أوساطاً إسرائيلية للحديث عن تقدير إحصائي مفاده أنّ حجم القنابل النارية التي ألقيت على حي الشجاعية في اليوم الثالث للعدوان، يساوي أربعة أضعاف ما استخدمه الجيش الإسرائيلي في حرب لبنان الثانية سنة 2006، بما يزيد عن مئة طن من المتفجرات.
وفي سياق الخطوات غير المألوفة، استهدف جيش الاحتلال قصف معبر رفح الحدودي بين غزة ومصر جنوباً بصورة مركزة أسفرت عن تعطيل العمل فيه، وفي الوقت الذي توقف معبر بيت حانون شمال القطاع عن العمل؛ منذ عملية “طوفان الأقصى”، والقطاع بات محاصراً فعلياً، يمنع الدخول إليه والخروج منه.
ورغم الحصار تواصل المقاومة القتال في قطاع غزة على جميع المحاور واحتدمت المعارك، وتكثف طائرات الاحتلال هجماتها لمساعدة قوات العدوان الإسرائيلي على مواصلة التقدّم في غرب مدينة غزة، بهدف إلحاق أضرار بأنفاق المقاومة وزيادة الضغط على مراكز القيادة والسيطرة. دفع الناس أكثر للنزوح نحو الجزء الجنوبي من قطاع غزة، حيث قامت قوات الاحتلال بفتح ما يسمّى «ممر آمن» على شارع صلاح الدين.
وفي الميدان تواصل المقاومة الاعتماد على الانفاق الهجومية لتنفيذ عملياتها وهجماتها باستخدام الصواريخ المضادة للدروع، واستطاعت الاستفادة من اعادة تأهيل الأنفاق الذي تمّ استهدافها في حرب 2021، وأصبح سلاح المناورة الرئيسي في عملياتها، بالتزامن مع تواصل إطلاق الصواريخ، التركيز على استخدام قذائف الهاون التي تستهدف حشود قوات الاحتلال. ووفق التقديرات الخاصة فإنّ استمرار عمليات إطلاق الصواريخ جاء بسبب بنية منظومة الصواريخ التي يمكنها العمل بشكل مستقلّ عن حالة أنظمة القيادة والسيطرة، اضافة الى سياسة إدارة النار، التي تمّ تصميمها من أجل الاستمرار في إطلاق النار لأطول فترة ممكنة، حيث يتمّ إطلاق عدد قليل نسبياً من الصواريخ، مع ضمان استمرارية الإطلاق، لإثبات أنّ قدراتها لم تتضرّر، لضمان الحفاظ على المعنويات القتالية للمقاتلين والجبهة الداخلية، وهو الأمر الذي يركز عليه أيضاً الخطاب الإعلامي للمقاومة.
وبمنهجية عسكرية مرتبكة تستهدف قوات الاحتلال المناطق المفتوحة، من أجل الإطباق على وسط مدينة غزة عبر البر والبحر بهدف تضييق الحصار والخناق، ولكن دخولها إلى الشوارع الضيقة سيشكل الفرصة المناسبة لتوجيه الضربات المباشرة لها، والهدنة هي مهمة للمدافع وخطوطه الدفاعية ونقاط الارتكاز وتوزيع القوى البشرية وتعزيز الخطوط الدفاعية الحقيقية ولذلك يماطل العدو بشأن الهدنة المفيدة جداً للمقاومة مع التأكيد بأنّ وضعها العسكري حالياً لم يستنزف وما زالت قادرة على إيقاع الخسائر الكبيرة بقوات الاحتلال، وهذا سيؤثر على مسار الحرب خاصة أنّ الدول الغربية لا تزال حساسة إزاء الضغط على الاحتلال لوقف الحرب وهناك تأييد لها في عمليات حاسمة ضدّ المقاومة وحركة حماس، تتوافق وحجم الخسائر الإسرائيلية، ولكن بعد أن يستعيد الاحتلال جزء من صورته قد تبدأ التحركات الدولية والإقليمية الداعية لوقف إطلاق النار.
ولا يعني ذلك عدم توسيع دائرة الحرب إلى ساحات جديدة لأنّ تطوّر الأحداث قد يؤدّي إلى امتداد الحرب إلى ساحات جديدة، خاصة الساحة اللبنانية وساحة الضفة الغربية، ويتعزز هذا الاتجاه استمرار حالة الاجتياح البري الإسرائيلي لقطاع غزة و/ أو تنفيذ اغتيالات لقادة المقاومة الفلسطينية على الأراضي اللبنانية، وتبدو مؤشرات هذا الاتجاه قائمة في ضوء الهجمات المتصاعدة والمباشرة بين العدو الإسرائيلي وحزب الله على الحدود والتي أوقعت عدداً كبيراً من القتلى الإسرائيليين وشهداء لحزب الله، وكذلك مع الدعوات المتواصلة في الضفة الغربية لمقاومة عالية الوتيرة دعماً لقطاع غزة.
وفي المواجهة على جبهة الشمال يشتبه جيش الاحتلال يومياً بأكثر من هجوم سيبراني يسبب في إطلاق صفارات الإنذار في الجليل وصفد وحيفا ويشتبه يومياً بوجود حالات تسلل وطائرات مُسيّرة في محاكاة بسيطة لما يمكن أن يحدث في الحرب، ويعكس من جهة أخرى تعدّد أدوات وقدرات حزب الله بالحرب.
ويقوم حزب الله بتخفيف الضغط عن غزة وإيقاع الخسائر البشرية والمادية في صفوف جيش الاحتلال الذي بات يعاني رعباً كبيراً من جبهة الشمال إضافة لتوقع تصاعد العمل المقاوم في الضفة الغربية وتحرك الفلسطينيين في الأراضي المحتلة عام 1948.
وفي المعلومات العسكرية الميدانية استطاع العدو أن يحقق خرقاً على أطراف قطاع غزة، خصوصا الشمال الغربي والشمال الشرقي، سواء من جهة بيت حانون أو من جهة بيت لاهيا أو العطاطرة، ونجح بإحداث لسان في وسط القطاع لفصل الشمال عن الجنوب، متقدّماً من جهة حي الزيتون وجحر الديك شرقاً نحو شارع صلاح الدين في الوسط وصولاً الى شارع الرشيد غرباً، ويحاول البناء على رؤوس الجسور التي أنشأها بتموضع دباباته في نقاط متقدّمة بهدف التقرب من أهداف جدية للحرب، هي مخيم جبالياً ومخيم الشاطئ وفي نهاية الطريق السعي لتقطيع مدينة غزة الى مربعات، مع التأكيد أنّ التقدّم المحقق في أطراف القطاع ووسطه لا يمثل إنجازاً عسكرياً بذاته لأنه جرى في مناطق زراعية مفتوحة، ومتوقع سلفاً أن يتقدّم فيها جيش الاحتلال.
ومع هذا التقدّم والإختراق تواجه قوات الاحتلال نقطة ضعف رئيسية تتمثل في انّ القوات البرية، وخصوصاً الاحتياط، غير مدربة وغير مؤهّلة لمهمة معقدة جداً في منطقة مبنية، ما يرفع حجم الخسائر التي ستلحق بتلك القوات، ومع تقدمها ستواجه مخاطرة أن تصبح القوات ثابتة ومكشوفة، حيث تصبح عرضة لعمليات المقاومة. خاصة انّ الجيش الإسرائيلي أدخل قوات كبيرة إلى شمال القطاع، تتحرك في عربات مصفحة، ووفق نموذج حرب العصابات فإنّ هذه التحركات تخلق الكثير من الأهداف.
و من الزاوية العسكرية فإنّ المعارك الحقيقية لم تبدأ بعد بالنسبة لجيش الاحتلال للحكم على جدارته، ولا يمكن للتقدم أن يتحوّل إلى انجاز عسكري بذاته، بمعزل عن مفاعيله، إلا إذا نجح جيش الاحتلال في إحراز تقدّم جدي داخل التجمعات التي يستعدّ لاقتحامها، لكن في المقابل فإنّ الحكم ممكن لصالح أداء المقاومة التي فتحت الطريق لتقدّم دبابات جيش الاحتلال في المناطق المفتوحة، وتلقفتها ولا تزال تمطرها، بصواريخها المضادة للدروع في خطوط التماس على أبواب المناطق السكنية والتجمعات المستهدفة، حيث خسر الاحتلال عشرات الآليات ومعها رقم يعادل أضعاف ما يعترف به الاحتلال من الخسائر البشرية في الجنود والضباط.
ويبقى الحكم على المفاعيل، أيّ أنّ هذا التقدّم سواء شرقاً أو غرباً وشمالاً أو لسان الوسط، إذا كان صحيحاً، فهو يعني محاصرة المقاومة في غزة وقطع تواصلها بين الشمال والجنوب تمهيداً لتقطيع الأوصال، داخل الشمال ثم داخل الجنوب. والإطباق على غزة وتعقيد التنقل بين شمالها وجنوبها، مما يعقد حياة أبناء غزة، لكنه لا يقدّم ولا يؤخر في حال المقاومة، التي تملك شبكة هائلة من الأنفاق تحت غزة. ومن الثابت عبر فاعلية خطوط الاشتباك وإطلاق الصواريخ وتحريك مدافع الهاون وتأمين الذخائر، ومنظومة الضبط والسيطرة، أنها لم تتأثر بالذي يجري فوق الأرض. وهذا يعني أنه حتى لو نجح الاحتلال بتقطيع أوصال شمال غزة ومدينة غزة، فإنّ غزة التي تقبع تحت الأرض، وتختزن المقاومة، ستبقى كتلة موحّدة تتحرك بفاعلية وتخرج من حيث تريد وتقاتل ثم تعود إلى مخابئها، وكلّ الخبراء العسكريين من قادة سابقين في جيش الاحتلال ومخابراته يُجمعون على أنّ المعركة لم تبدأ بعد، وأنّ المقاومة لم تقل كلمتها الفاصلة بعد.
يبقى أن نقول في التحليل إنّ هناك مستويين محوريين يقرران مصير القتال الدائر في غزة، بين قوتين ثبت في مواجهة 7 تشرين الأول في غلاف غزة، أنهما بأحسن الأحوال متعادلتان في الكفاءة التكتيكية والمهارة القتالية والقدرة التخطيطية، علماً أنّ مسار معارك طوفان الأقصى يقول بتفوّق المقاومة. والمستويان هما، أولاً الروح التي تقاتل، والثابت أنّ معنويات المقاومة في السماء ومعنويات جيش الاحتلال تحت الأرض. وثانياً الجغرافيا، حيث الاحتلال عطش لصورة تثبت فوزه بالجغرافيا، فيسهل اصطياده واستدراجه وحركته الثقيلة المكشوفة كجيش نظامي مدجّج بالأسلحة المدرّعة تجعله هدفاً سهلاً، بينما مقابله مقاومة خبرته وتعرف كيف تقاتله، ولذلك لا تخشى الانكفاء من الجغرافيا لضرورات القتال، وعندها جغرافيتها الخاصة التي تتحرّك فيها بمرونة عالية دون أن تتأثر بما يجري في جغرافيا فوق الأرض التي يتوهّم الاحتلال أنه سيطر عليها قبل أن يضطر للانكفاء في ظلّ تماسك قوى المقاومة التي سيكون لها اليد العليا في الميدان، حيث تؤشر الهدنة وتبادل الأسرى على فشل جيش الاحتلال بتحقيق أهدافه المتعلقة بالأسرى وتفكيك المقاومة وتهجير السكان.

*الأمين العام المساعد للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين- القيادة العامة
* * كاتب وباحث

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى