أخيرة

آخر الكلام

غزّةُ على لائحة الشرف*

الياس عشّي

 

غزّةُ… اسم آخرُ يضاف إلى لائحة الشرف .
من قبلُ: دير ياسين، كفر قاسم، قانا، مارون الراس، جنين، وعشرات من أسماء المدن، والعمارات، والمدارس، والمستشفيات، التي يتغرغر بها الأطفال وهم يبحثون، بين الركام، عن أترابهم، أو آبائهم، أو أمهاتهم، أو أخوتهم، أو كلّ هؤلاء معاً، بعد أن دفنهم «شعب الله المختار» وهم أحياء .
جامعة الدول العربية… اسم آخر يُضاف إلى لائحة الخزي والعار .
من قبل: كامب دايڤد، أوسلو، وادي عربة، الدفرسوار، الكيلو متر مئة وواحد، التطبيع، مصادرة المقعد السوري في جامعة الدول العربية، تآمر الدول الأعضاء على ليبيا، ومن ثَمّ على سورية.
وتبقى، أنت المؤمن بوقفات العزّ، متمسكاً بسماء غزّة التي تغادر النوارس منصّاتها تاركة إياها للصواريخ تدكّ بها استرخاء الصهاينة في منتجعاتهم، وتزرع الرعب في قلوبهم، وتعيد نظرية الأمن اليهودي، المروّج له في العالم، إلى المربّع الأول .
وتبقى، أنت المؤمن بتاريخك الحضاري المتألق، مستعدّاً كي تحضن ربيعاً أخر لا تسري في عروقه نقطة نفط واحدة، ولا يتدروش بعباءة أحد، ولا يستعطي درهماً واحداً، ربيعاً يولد اليوم في غزّة، ربيعاً يحمل ملامح أدونيس الآرامي المتأله الضابط لتعاقب الفصول، ويملأ أرض الشام ياسميناً وشقائق نعمان .
وتبقى، أنت المؤمن بأن «لا عدوّ يقاتلنا في ديننا وحقنا سوى اليهود»، مصرّاً على رفض كل الاجتماعات الفولكلورية التي يعقدها «القادة العرب» الذين لم يقدّموا إلى مقاتلي غزّة سوى الرسائل الإنشائية، والوفود السياحية. وهم، منذ أن تحوّلت غزّة إلى معتقل، لم يفكّروا حتى في بناء ملجأ واحد يحمي أبناءها من عربدة الطيران الحربي الإسرائيلي.
تذكّروا أيها الغزاويون ماذا فعلت المقاومة الوطنية اللبنانية في غزوتي «إسرائيل» ( 1982 و 2006) على لبنان. كان التاريخ يرتاح في الويمبي، وفي خلدة، وفي صور، وفي الجبل، وفي باتر، وفي مارون الراس… كان، كي لا ننسى، يكتب يوميات المقاومة، ويوميات الفرار الكبير، ويوميات يهود الداخل الذين هالهم انتصار المقاومة على العدوّ.
اليوم تاريخك يا غزّة يكتبه شهداؤك؛ لا فضل لأحد إلّا لهم. لا سيف يقطع إلّا سيفهم. كلّ المنابر مزوّرة إلا منابرهم. كلّ الاجتماعات تعقد لحماية أمن «إسرائيل». وكلّ الأنفاق ستفتح أمامك يا غزُة… أليس المنتصر هو الذي يضع قواعد اللعبة؟
ثَمّ… ألست أنت المنتصرة؟
ألست أنت من قال فيها محمود درويش:
وليست غزّةُ أغنى المدن، وليست أرقى المدن، ولكنها تعادل تاريخ أمّة،
لأنها أشدُّنا قدرةً على تعكير مزاج العدو وراحته… لأنها كابوس.

*نشر هذا المقال بحرفيته في 24 تشرين الثاني من عام 2012 . المشهد المأساوي لم يتغيّر منذ أحد عشر عاماً.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى