أولى

«إسرائيل» لن تُوقف الحرب إلاّ اذا توجّعت…

‭}‬ د. عصام نعمان*

حربُ “إسرائيل” على الفلسطينيين وحلفائهم مستمرة طالما هؤلاء جميعاً لا يعترفون بها ولا يخضعون لإرادتها. ولأنهم لا يعترفون بها بل يقاتلونها، فلا سلام في المشرق العربي إلاّ بعد أن يهزم الفلسطينيون وحلفاؤهم كيان الاحتلال هزيمةً ساحقة يُضطر معها الصهاينة الى الخضوع وبالتالي انهيار كيانهم الهجين.
الصهاينة وحلفاؤهم في الغرب الأطلسي يدركون هذه الحقيقة، لذلك يحرصون على الاستمرار في حربهم على الفلسطينيين وحلفائهم بلا هوادة، متجاهلين غضبة الشعوب واحتجاجاتها في أربع جهات الأرض.
قد يُضطر الصهاينة وحلفاؤهم تحت وطأة ضغوط شديدة الى التسليم مرحلياً باتفاقات قصيرة الأمد لوقف إطلاق النار، لكنهم لن يوافقوا على هدن مستدامة إلّا إذا توجّعوا. والحقيقة انهم لم يتوجّعوا بعد الى درجةٍ تحملهم على التسليم بالتزام هدن طويلة ومستدامة.
الفلسطينيون وحلفاؤهم، لا سيما في القارة العربية وغرب آسيا، باتوا يدركون مرامي “إسرائيل” القريبة والبعيدة، لذا نرى فصائل المقاومة الأكثر صلابة في صفوفهم تستبسل في مواجهة الهجوم الإسرائيلي الوحشي على قطاع غزة والضفة الغربية، كما على جنوب لبنان.
هل من سبيل الى توجيع “إسرائيل” لحملها على وقف الحرب وفق اتفاقٍ يكون ملائماً لفصائل المقاومة في فلسطين ولبنان وسورية والعراق واليمن؟
الحقيقةُ انّ أطراف محور المقاومة (سورية وإيران وحركات المقاومة في فلسطين ولبنان والعراق واليمن) قادرون على توجيع “إسرائيل”، بشكل او بآخر، لكنهم لم يفعلوا ذلك حتى الآن. لماذا؟ لأسباب عدّة لعلّ أبرزها تفادي الانخراط في حربٍ غير متكافئة مع الولايات المتحدة التي تساند كيان الاحتلال لوجستياً ومالياً وسياسياً وإعلامياً وقد لا تتورّع عن الانخراط عسكرياً وميدانياً ضدّ أطراف محور المقاومة إذا تمكنت فعلاً من توجيع “إسرائيل”.
إني، وغيري كثيرون، يستبعدون أن تورّط الولايات المتحدة نفسها في حربٍ إقليمية مع دول وفصائل مقاوِمة مقتدرة في غرب آسيا لأسباب عدّة، لعلّ أبرزها انشغالها بالحرب الأوكرانية، وملابسات الانتخابات الرئاسية الأميركية، ومعاناة آثار التضخم المتفاقم في داخلها، وضغوط حلفائها العرب، خصوصاً اولئك الذين طبّعوا مع “إسرائيل”.
إلى ذلك تتبدّى مؤشرات الى انّ أميركا وحلفاءها يسعون الى توليف اتفاقٍ لوقف إطلاق النار نهايةَ الشهر الحالي يشمل الجبهات الثلاث الناشطة حاليّاً: قطاع غزة، الضفة الغربية، وشمال فلسطين المحتلة (الجليل الأعلى) وجنوب لبنان.
استشعر بنيامين نتنياهو جديّة المساعي لوقف إطلاق النار، فبادر الى الإعلان أنّ “إسرائيل” ستصرّ، بعد “سحق” حماس، على إقامة منطقة عازلة داخل قطاع غزة يكون للجيش الإسرائيلي وجود فيها، ولمّح الى احتمال وضع القطاع تحت وصاية الأمم المتحدة.
في الضفة الغربية، تتصرّف “إسرائيل” بوحشيةٍ متصاعدة ضدّ الأهالي المقاومين ما يشير الى أنها ليست في وارد الموافقة على دعوة الرئيس الأميركي بايدن الى اعتماد ما يسمّى حلّ الدولتين.
في شمال فلسطين المحتلة، أعلن وزير الحرب الإسرائيلي يوآف غالنت: “سنعيد الأمن الى سكان الشمال من خلال ترتيبٍ سياسي – دولي لإبعاد حزب الله الى ما وراء نهر الليطاني، استناداً الى القرار الأممي الرقم 1701، واذا لم ينجح هذا الترتيب فإنّ إسرائيل ستتحرك عسكرياً لإزالة حزب الله من الحدود”.
قبل هذا التهديد وبعده قامت واشنطن عبر موفدها عاموس هوكشتاين بطرح مشروع تسوية على المسؤولين اللبنانيين تنسحب “إسرائيل” بموجبها من مناطق شبعا وكفرشوبا والغجر اللبنانية المحتلة مقابل انسحاب حزب الله من الحدود الى شمال نهر الليطاني. تردّد أيضاً انّ الموفد الفرنسي جان إيف لودريان عرض على المسؤولين اللبنانيين مشروع تسوية مشابهة.
في المقابل، أعلن قادة المقاومة الفلسطينية في غزة رفضهم القاطع لأيّ سلطة تحكم القطاع غير منبثقة من الفلسطينيين أنفسهم، كما أكّد قادة المقاومة في الضفة الغربية استحالة اعتماد حلّ الدولتين مع وجود هذا العدد الكبير من المستعمرات (المستوطنات) الإسرائيلية في شتى مناطق الضفة. أما في لبنان فتدور أحاديث متضاربة حول تفعيل القرار الأممي 1701، لكن أيّاً منها لم يُشِر الى أيّ مطالبة جديّة لحزب الله بالانسحاب من المناطق الحدودية الى ما وراء نهر الليطاني.
في ضوء كلّ هذه التصريحات والمساعي والأحاديث ومشاريع التسويات، تستبين الحقائق والوقائع والمواقف الآتية:
أولاً: لا سبيل الى قبول أو فرض ايّ ترتيب سياسي او عسكري على فصائل المقاومة الفلسطينية يكون من شأنه الانتقاص من حقوق شعب فلسطين غير القابلة للتصرف في كامل أرضه وسيادته عليها وحق اللاجئين الفلسطينيين في شتى بقاع الأرض بالعودة اليها.
ثانياً: لا قدرة لـِ “إسرائيل” ولا للولايات المتحدة ولا لقوات دوليّة بإمرة الأمم المتحدة على فرض تسويات او ترتيبات سياسية او أمنية على الشعب الفلسطيني في ايٍّ من مناطقه أو على أيّ من فصائل المقاومة الفلسطينية الناشطة في داخل الوطن السليب او في خارجه.
ثالثاً: لا سبيل الى فرض أيّ تسويات او ترتيبات سياسية او أمنية على أطراف محور المقاومة بشأن فلسطين لا تحظى بموافقة الشعب الفلسطيني الذي تعبّر فصائل المقاومة الفلسطينية عن إرادته في المرحلة الراهنة من الصراع مع العدو.
رابعاً: لا جدّية مطلقاً لإعادة طرح ما يُسمّى “حلّ الدولتين” بوجود مستعمراتٍ إسرائيلية في شتى مناطق الضفة الغربية او بوجودٍ للجيش الإسرائيلي فيها، او بوضع هذه المناطق تحت سيطرة السلطة الفلسطينية (محمود عباس) مباشرةً أو مداورةً.
خامساً: لا جديّة ولا بالتالي إمكانية لقبول سلطات الكيان الصهيوني بتسويةٍ عنوانها “دولة واحدة لشعبين” وذلك لكون الفلسطينيين في كامل فلسطين التاريخية (من النهر الى البحر) يشكّلون أكثريةً ساحقة ترفض نظام التمييز العنصريّ الفاشيّ الذي يحكم كيان الاحتلال.
سادساً: لا قدرة ولا شرعية لأيّ دولة عربية على فرض أو قبول ايّ تسوية بشأن فلسطين غير مقبولة من شعبها الذي تعبّر عن إرادته فصائل المقاومة في المرحلة الراهنة.
سابعاً: لا سبيل الى إنجاح ايّ حلّ لقضية فلسطين يرضى به الشعب الفلسطيني إلاّ بعد نجاح شعوب الأمة في الأقطار العربية المحيطة بفلسطين التاريخية من شواطئ البحر الابيض المتوسط غرباً الى شواطئ الخليج شرقاً في إقامة أنظمة حكم معبّرة عن ارادة شعوبها ومتحررة من أيّ قواعد عسكرية او تبعية أجنبية.
لأن معظم الضمانات السياسية والاقتصادية والأمنية آنفة الذكر غير متوفرة حاليّاً، فإن الصراع بين الشعب الفلسطيني وحلفائه في القارة العربية من جهة والكيان العنصري الفاشي في فلسطين المحتلة من جهةٍ أخرى سيبقى متأججاً ومنتجاً انعكاساتٍ وتداعياتٍ إقليمية ودولية طويلة الأمد.
*نائب ووزير لبناني سابق
[email protected]

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى