مقالات وآراء

لماذا تذهب إليها برجليك؟ من الجنون فعل ذلك!

 

‬ د. علي أكرم زعيتر

استهداف أميركي لزورق يمني في عرض البحر الأحمر، وعلى مسافة قريبة من باب المندب يودي بحياة 10 شهداء يمنيين، يليه اغتيال الشيخ صالح العاروري في الضاحية الجنوبية لبيروت، عقر دار حزب الله، ومعقله الرئيسي، ومن ثم تفجيران آثمان في مدينة كرمان الإيرانية بالقرب من ضريح اللواء الشهيد قاسم سليماني، راح ضحيتهما ما يزيد عن مئة شهيد، وأخيراً اغتيال نائب قائد عمليات حزام بغداد والقيادي في حركة النجباء الشهيد مشتاق جواد السعيدي (أبي تقوى) في مكتبه وسط بغداد. وقبل كلّ ذلك استهداف القائد الكبير في فيلق القدس العميد الشهيد رضي الموسوي في العاصمة السورية دمشق. أربع جرائم من العيار الثقيل، أقدمت عليها الولايات المتحدة الأميركية وكلب حراستها في المنطقة (الكيان الصهيوني) في دول محور الممانعة الأربع (إيران، سورية، لبنان، اليمن)، بالتزامن مع الحرب الجارية في غزة، فما الرسالة التي تحاول أميركا وكلب حراستها إيصالها لمحور المقاومة؟ وما ردود المحور المحتملة؟ هذا ما سنحاول معرفته معاً في بحثنا المتواضع هذا.
يجمع المحللون والمراقبون على أنّ أميركا و«إسرائيل» ليستا في أحسن حالاتهما هذه الأيام، فحجم الضغوط المتزايدة عليهما أفقدهما صوابهما وأخرجهما عن المألوف. ولكن هناك اختلافاً بين أصحاب الشأن حول طبيعة هذه العمليات الإجرامية وغايتها. فبعض المحللين يذهب إلى القول، إنها عمليات انتقامية لا واعية، وإنّ أميركا و«إسرائيل» تتخبّطان ذات اليمين وذات اليسار في ردود أفعالهما. فيما يذهب آخرون إلى القول، إنّ أميركا و«إسرائيل» قرّرتا أن تضربا بعصا غليظة، ومن يجرؤ على الردّ، عليه أن يتحمّل عواقب عمله.
هناك فكرة شائعة بين عدد لا بأس به من المحللين تقول، إنّ عقلائية إيران وحزب الله، قد أطمعت أميركا و«إسرائيل» فيهما، وجعلتهما يتماديان في جرائمهما. فالمنطق يقول، كلما كنت عقلائياً وهادئاً ومتروّياً، أثرت لعاب العابثين وأطمعتهم فيك، حتى غدوت (مداساً) لهم، وكلما كنت انفعالياً واعتباطياً، حاول العدو استفزازك بغرض جرّك إلى فخه الذي نصبه لك بإحكام. ما يعني أنك في الحالتين هالك، فهل يستقيم هذا المنطق مع أداء وتجربة الجمهورية الإسلامية وحليفها حزب الله، أم أنهما يمثلان حالة وسطية ما بين الإفراط والتفريط، يصدق عليها مسمّى حالة «كظم الغيظ»؟
إنّ طيفاً واسعاً من مناوئي إيران في المنطقة العربية بدؤوا يصِمونها بالهوان، فالعقل العربي، كان وما زال رافضاً لتقبّل فكرة العضّ على الجراح أو كظم الغيظ، وكثير من هؤلاء يربطون الأمر بمفهوم الكرامة، فصمت إيران المتكرّر على استهداف قادتها وكوادرها بدءاً من عالم الذرة الشهيد علي نوري زادة وصولاً إلى الشهيد رضي موسوي، مروراً بمئات الشهداء الذين سقطوا بغارات «إسرائيلية» على سورية هو برأي هؤلاء أشبه ما يكون بدوس الأطراف والكرامات والإذلال المتكرر الذي ما عاد يجدي معه الصمت.
إنّ تريّث إيران جعلها تبدو بنظر هؤلاء كأنها مصابة بتبلُّد المشاعر، فقد وصل بها الأمر إلى حدّ أنها ما عادت تنبس ببنت شفة حيال ما تتعرّض له من صفعات متتالية. إنّ الحالة التي وصلت إليها إيران يصحّ عليها وصف الشاعر العربي أبي الطيب المتنبي: من يهُنْ يسهل الهوان عليه… ما لجرح بميت إيلامُ. فهل ما ذهب إليه هؤلاء من توصيف لحال إيران صحيح، أم أنّ الصحيح ما ذهب إليه آخرون، ممن يجزمون بأنّ صمت إيران الإستراتيجي مقدمة لشيء عظيم تحضّره لـ «إسرائيل» ولراعيها الدولي (الولايات المتحدة الأميركية والغرب عموماً)، سيخرجهما إلى الأبد من سجلات التاريخ؟
ثم ماذا عن حزب الله الذي أصيب في مقتل قبل أيام، حينما تجرّأ الموساد على اختراق معقله وتصفية الشهيد صالح العاروري؟ من أوْهم «إسرائيل» بأنّ حزب الله لن يردّ على جريمة بهذا الحجم؟ وفي حال كانت «إسرائيل» متيقنة من ردّ حزب الله، فمن أقنعها بأنّ ردّه سيكون مدروساً؟ كيف وصل قادة الاحتلال إلى هذه القناعة؟ هل شجع تعاطي حزب الله الطوباوي وعقلائيته المفرطة عدوه اللدود على التطاول عليه؟
أولاً، دعونا نتفق على أمر بالغ الأهمية، إن مَن أنِف عن إطلاق طلقة واحدة باتجاه الأراضي المحتلة فضلاً عن صاروخ، لا يحق له أن يعيِّر من نذر نفسه منذ أربعين عاماً أو يزيد لمقارعة «إسرائيل» وأميركا ومحاربتهما بكلّ الوسائل المتاحة. على هؤلاء أن يعوا أنّ مقدرات إيران ومحور المقاومة مجتمعاً تكاد لا تمثل 20% من مقدرات «إسرائيل» وأميركا والغرب. إنّ تريّث إيران في عدد من المواضع لا يعني أنها جبُنت عن القتال أو أنها اعتادت على الهوان. هذا محض هراء. إنّ تريّثها مردّه أولاً وأخيراً إلى سببين:
ـ حكمتها البالغة.
ـ واقعيتها السياسية، وإدراكها لموازين القوى، وعلمها المتناهي بأنّ قدرات العدو الخارقة والفائقة، تتطلب منها التدبُّر وعدم الاستعجال.
أما بخصوص السؤال حول جرأة «إسرائيل» على العبث في عقر دار حزب الله، فإنه من نافلة الكلام القول، إنّ خيارات نتنياهو التي بدأت تضيق في غزة، قد دفعته إلى المغامرة والتهوّر، عملاً بالمنطق السائد: إذا كانت نهايتك حتمية فالأجدى لك أن تبصق في وجه عدوك قبل أن يجهز عليك. هذا بالضبط ما هو عليه حال نتنياهو بعد سلسلة النكبات التي تعرّض لها في غزة. نحن لا نزعم أنّ عملية اغتيال الشهيد العاروري، ليست ضربة قوية لأمن المقاومة. لا، نحن لا نزعم ذلك البتة. فما حصل في 2 كانون الثاني ليس بالأمر السهل، ولكن في لغة الميدان، الكر والفر أمران طبيعيان، وتلقي الضربات من العدو، ليست النهاية.
يُقال، الصراخ على قدر الألم، وما دامت ردود أفعال أميركا و«إسرائيل» بهذا الحجم، فهذا يعني أنّ أنصار الله قد أوجعتهما أيما وجع، وإلا لما أنزل تحالف «حارس الازدهار» جامّ غضبه على الجنود اليمنيين الذين كانوا يجوبون البحر الأحمر بحثاً عن فرائس صهيونية. من الواضح أنّ الحصار الاقتصادي الذي ضربه اليمنيون على كيان الاحتلال قد آتى أكله، ما استدعى ذلك الردّ الأميركي القاسي.
ولا يختلف الحال كثيراً في سورية عن شقيقها اليمن، فجبهة الرفد التي شكلها الشهيد رضي الموسوي وإخوانه لأبطال غزة قد حدا بالعدو الأصيل إلى إنزال حممه على رؤوس الشهيد الموسوي ومرافقيه في السيدة زينب. المعادلة واضحة جداً، كلما غار الجرح «الإسرائيلي» أكثر اشتدّ التخبُّط وعلا النحيب. لا يتوهمنّ أحد أنّ إقدام «إسرائيل» على قتل الشهيد الموسوي يمثل شجاعةً وبسالة منقطعتي النظير. «إسرائيل» تدرك تماماً أنّ حساب إيران المفتوح معها لن يُغلق إلا بزوالها. وما صمت الجيش والحرس الثوري الإسلامي إلا لغاية في نفس الولي الفقيه ستتكشَّف بعد حين.
ما اعتادت إيران يوماً أن تنام على ضيم وتاريخها يشهد. ولكن مرام القوم أبعد مما نظن. أما حسبنا لوهلة أنّ مقتل «مهسا أميني» العام الماضي سيودي بكلّ إنجازات الثورة الإسلامية؟ أما ارتعدت فرائصنا ونحن نشاهد موتوري أميركا وهم يسطون على المساجد والحسينيات ويحطمون محتوياتها. خِلنا حينها أنّ نهاية الثورة الإسلامية قد دنت، وأنّ ما عجزت أميركا عن فعله في الميدان فعلته أخيراً من بوابة الاحتجاجات، وأنّ مصير الثورة الإسلامية لن يكون مختلفاً عن مصير الثورة البلشفية، ثم حدث ما لم يكن في الحسبان، فخرجت إيران تحت عباءة الولي الفقيه منتصرة، وأخذت «إسرائيل» وأميركا تلملمان أذيال الهزيمة ومعهما عدد من الدول الأوروبية الخبيثة.
إنّ طول بال قادة طهران، لا ينبغي أن يؤخذ على أنه ضعف وهوان. إنما هو تحسُّب وترقب حتى حين. فمتى تبطش إيران بطشتها الكبرى؟ ومتى تنسِل فصائل المحور من كلّ حدب وصوب لتضع حداً لأسطورة مملكة يهوذا والسامرة؟
بعض ببغاوات العرب أخذوا يعدُّون لـ «إسرائيل» صولاتها وجولاتها البهلوانية في سورية، ظناً منهم أنّ فم إيران ممتلئ بالماء، وأنّ يديها مكبّلتان، وقد نسي هؤلاء الحمقى أنّ إيران نجحت على مدى أربعين عاماً في الإطباق على «إسرائيل» من كلّ ناح، حتى غدت أربع عواصم عربية توجّه سيوفها وحرابها إلى عنق الكيان الغاضب، ما أقعده عن العربدة لسنوات، فبدا كقرد السيرك، يتحلق المتفرّجون حوله، وهو قعيد القفص ورهين أقراط الموز التي يلقونها.
ما الذي بوسع أميركا أن تفعله من أجل الحفاظ على وجود الكيان المحتلّ، وتجنيبه تجرُّع كأس الموت؟ إنّ استجرارها لحاملات الطائرات أثبت أنه غير كافٍ، فالمعلومات المتداولة تفيد بأنّ بايدن يخشى من توسعة دائرة الحرب. ترى ممَّ تخشى الإدارة الأميركية ما دامت إيران وحلفاؤها «وهِنِين وأذلاء» كما تصفهم بعض التقارير الصحافية العربية الفارغة؟ لماذا لا تفعل أميركا فعلتها وتجهز على هذا المحور المتهالك؟ دعونا نكون صريحين، إنّ إيران وحلفاءها في أوْج قوتهم وما البطولات التي تسطرها حماس وباقي فصائل المقاومة الفلسطينية في غزة إلا الدليل القاطع على ذلك.
أكثر من 90 يوماً من القتال، وما زالت صواريخ حماس والجهاد تدكّ العمق الصهيوني، فعن أيّ هوان يتحدث هؤلاء المهرجون؟
قبل يومين قتلت الاستخبارات «الإسرائيلية»، عبر أحد عملائها المحليين، أكثر من مئة شهيد في كرمان الإيرانية، فتبسّم الشامتون من أعراب الردة حتى بانت نواجذهم. ترى، ألم يتناهَ إلى سمع هؤلاء ما تفعله المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية والداخل المحتلّ منذ أكثر من سنتين؟ ترى، من أوْصل السلاح إلى أولئك المقاومين الأبطال؟ أليست إيران؟ إنّ إيران ليست بحاجة إلى رسائل أمنية في الداخل الصهيوني حتى تردع «إسرائيل»، فدعمها للمقاومة الفلسطينية في أراضي الضفة والـ 48 أبلغ ردّ، وتهيئة بنى تحتية عسكرية هناك، لا تدانيها أيّ رسالة «إسرائيلية» عابرة. والأمر ذاته بالنسبة لحزب الله الذي أنهك الجيش الصهيوني على الحدود الشمالية حتى أقعده عن رفد جبهته الجنوبية بما تحتاج من عتاد وعديد.
هناك ثلاثة ألوية «إسرائيلية» بكامل عدّتها وعديدها تقاتل على الجبهة الشمالية منذ 90 يوماً، فهل سألتْ غواني الحي أنفسهن ما الذي حدا بـ «إسرائيل» إلى رصد هذا العدد الكبير من الجنود على جبهتها الشمالية، إنْ لم يكن خشيةً من تفاقم الأوضاع مع حزب الله، فممَّ تكون؟ إنّ محور المقاومة اليوم في أحسن حالاته، وإنّ أميركا و«إسرائيل» المأزومتين لا تبدوان في أحسن حالاتهما، فعلامَ العناد وعلام الإنكار؟
كتب المحرر في صحيفة «تلغراف» بول نوكي يقول، إنّ إيران ربما تخشى من وجود مساعٍ «إسرائيلية» حقيقية لجرّها إلى مواجهة مفتوحة مع الولايات المتحدة، وإنّ معلومات وصلت القيادة الإيرانية تشير إلى أنّ نتنياهو ينوي فعلاً القضاء على حزب الله عبر استغلال ذريعة ردّه على اغتيال الشهيد العاروري، حيث يُتوقع أن يكون رداً قاسياً، ما سيعطي حكومة نتنياهو الذريعة للانقضاض على الحزب، لذا فإنّ الحزب برأي نوكي، لن يجرؤ على الردّ بقوة، وأنّ ردّه سيكون مدروساً إلى أبعد حدود.
بصرف النظر عما توهَّمه محرر التلغراف، فإنّ ردّ حزب الله قبل بضعة أيام، والذي طاول قاعدة ميرون الصهيونية في شمال الأراضي المحتلة، أكد أنّ الحزب ليس في وارد التردّد أو الخوف، وهو يتعامل مع جيش الاحتلال من موقع الند، فإقدامه على قصف هذه القاعدة العسكرية المتقدمة، والتي لها دور بارز في تنسيق الهجمات الجوية على لبنان وسورية، إنما ينمّ عن رغبة جامحة لدى الحزب في الاقتصاص من قتلة الشهيد العاروري مهما كلف الثمن. لو كان حزب الله متردّداً كما توهّم نوكي، لاختار هدفاً بديلاً عن قاعدة ميرون، أقلّ أهمية، فتحاشى ردّ فعل «إسرائيلياً» غير متوقع.
من الواضح، أنّ محاولات نوكي وسواه من الكتاب الغربيين لفهم حزب الله، واستشراف ردود أفعاله ستبوء بالفشل، نظراً لأنّ الحزب عصيّ على الفهم والإحاطة، فقد حاول كثر من قبل نوكي، أن يشرِّحوا عقل الحزب علهم يصلون إلى النواة أو مركز القرار فيه، فما استطاعوا. إنّ ردّ حزب الله الأوّلي على اغتيال الشهيد العاروري كفيل بتبيان حجم المأزق الذي أوقعت حكومة نتنياهو نفسها فيه.
حري بنوكي الآن بعدما بلغه ردّ حزب الله الأوّلي، أن يسأل عن ردّ فعل نتنياهو، فهل ستجرؤ حكومته اليمينية المتطرفة على أن تردّ على استهداف حزب الله لقاعدة ميرون من خارج العلبة، أم أنها ستلتزم بقواعد اللعبة وموازين القوى المعمول بها منذ 90 يوماً. دعونا نكون واضحين، الكرة الآن في ملعب الكيان الصهيوني، وفي حال كان ردّ فعله مدروساً ومتأنياً، فهذا يعني أنه هو من لا يريد تأزيم الموقف، ويخشى من توسعة دائرة الحرب، وعليه فالأوْلى بـ نوكي أن يتحدث عن خشية نتنياهو، لا عن خشية حزب الله!
الغريب في أمر الكتاب الغربيين أنهم عندما يريدون أن يتناولوا قضايا تخصّ المشرق العربي، فإنهم يسارعون قبل كلّ شيء إلى فقأ إحدى عينيهم، حتى يتسنّى لهم النظر من زاوية واحدة، زاوية غالباً ما تخدم توجهات القوى الإمبريالية الغربية!
بعض من يتصدّون للكتابة حول الصراع بين («إسرائيل») ومحور المقاومة يعيبون على المحور، عدم انخراطه في حرب شاملة ضدّ كيان الاحتلال. يتحدث هؤلاء كأنّ القدرات متكافئة بين الطرفين، ويتناسون أنّ مجرد إقدام دول المحور على التصدي لـ «إسرائيل» هو بحدّ ذاته إنجاز ومغامرة، نظراً للتباين بين موازين القوى، ونظراً للفروقات في التسليح والعتاد.
لقد أعلنها سماحة السيد حسن نصرالله صراحةً، أنّ الحرب القائمة لا يمكن حسمها بالضربة القاضية، وإنما بالنقاط. هذا يعني أنّ سماحته يتمتع بقدر عالٍ من الرشد والواقعية السياسية، وذلك بخلاف أصحاب الأماني الذين أغرقوا جماهيرهم بالوعود والأحلام الكاذبة.
ليست المرة الأولى التي يرتقي فيها للمقاومة قادة في الميدان، وما اغتيال الشهيد العاروري ببدعٍ من القول، فقد استُشهد لحزب الله أمينه العام السيد عباس الموسوي في التسعينيات، ولم يخرج حزب الله عن طوره ويردّ على عملية الاغتيال من خارج السياق، الأمر ذاته عندما استشهد الشهيدان ياسين والرنتيسي لحركة حماس، لم تتورّط حماس حينها في ردّ غير محسوب النتائج.
إنّ حكمة المقاومة اللبنانية والفلسطينية البالغة تجعلنا في حلٍّ من التفكير السلبي الذي يحاول بعض مضطربي الهوية والمأزومين النفسيين توريطنا فيه. لقد أثبتت المقاومة في أكثر من مناسبة أنها الأكفأ على خوض غمار المواجهة، سواء مع العدو الأصيل (أميركا و«إسرائيل») أو العدو الوكيل (الجماعات التكفيرية)، فعلى من تقرع مزاميرك يا داود؟
بحسب المعلن، فإن إدارة بايدن لا تريد الحرب، وهي تحرص على عدم توسعة رقعتها، أو هذا على الأقل ما أعلنه وزير خارجيتها بلينكن في زيارته المشرقية الأخيرة على عدد من الدول العربية. ما دام الأمر كذلك، فمن الذكاء ما تفعله إيران والمقاومة، حيث تعزفان على وتر الخلافات بين بايدن ونتنياهو.
في النهاية، لن يجرؤ نتنياهو على مخالفة مشغِّله بايدن طويلاً، فالعلاقة بينهما ليست ندية ولا ديناميكية إلى هذا الحدّ. هناك علاقة آمر بمأمور، ومهما أتيح لنتنياهو هامش من التعبير عن الرأي، فهو في النهاية مضطر للسير في ما يمليه بايدن.
محور المقاومة يدرك ذلك جيداً، لذا تراه يحرص على تفويت الفرصة على نتنياهو. فما دام بمقدورك تفادي الحرب الكبرى مع الولايات المتحدة، والاستفراد بكلب الحراسة، فلماذا تذهب إليها برجليك؟ من الجنون فعل ذلك!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى