رياضة

وداعاً يا نجم الملاعب وعندليب اللقاءات

‬ إبراهيم وزنه

رحل «أبو طالب»… وما أصعب وقع الخبر على عارفيه، كيف لا وهو فاكهة ملاعب كرة القدم اللبنانية، والاسم الأبرز في ميادينها لعقود خلت من الزمن، رحل «المختار» وهو في عزّ عطائه، لا بل في أوجّ توهجه، علماً بأنه قد تجاوز حاجز الثمانين بأربع من خطوات من السنوات. ومع هذا العزيز الطيّب بكل تفاصيله ـ صوتاً وشكلاً ومضموناً ـ جمعتني وقفات وذكريات، أوّلها وأجملها عندما كنتُ يافعاً شاهدته أمام مبنى الريجي في الحدث حاملاً بيده خرطوم المياه يسقي به الأشجار والورود، يومها سألت والدي رحمه الله، أليس هذا الرجل هو لاعب النجمة أبو طالب؟ فقال لي بلى، عندها تقدّمنا نحوه وسلّمنا عليه. وفي الحي أخبرت فريق الحي بأنني قد صافحت أبو طالب. إنها البداية، وفي وقت لاحق حرصت على مواكبة جميع مباريات الدورات الشعبية التي كان ينظّمها على ملعب أرض جلول خلال الصيفيات فور انتهاء الدوري المحلي، والتي كانت تحمل اسمه، وتميّزت بمشاركة العشرات من أبرز اللاعبين في لبنان، يتوزّعون على عشرة فرق أو أكثر أحياناً، ولكل منها لون يدلّ على نخبة من النجوم، وكثيرون منهم رحلوا عن هذه الدنيا.
عندما اقتحمت مجال الصحافة الرياضية، توطّدت علاقتي بالكابتن أبو طالب بحكم التواصل واللقاءات والمقابلات الصحافية، يومها كان في عداد الجهاز الفني لنادي الأنصار، ولفتني بأنه لن ينسى «الجميل» التاريخي لرفيق دربه عدنان الشرقي الذي وافق بكل رحابة صدر على ضمّه إلى جهازه الفني إثر انسحابه «مقهوراً» من نادي النجمة. وفي تقليب دفتر الذكريات، تستوقفني محطة لا يمكن أن أنساها، فعند وفاة والدي في العام 2000 رأيته بين المشاركين في التشييع وتقديم واجب العزاء، يومها قال لي بالحرف «أبو هاني عزيز وغالي وله أفضال على انطلاقة كرة القدم في الضاحية» ثم أضاف موضحاً «منابع الفوتبول السياسية في لبنان موزّعة على برج حمود وطريق الجديدة والضاحية».
وبالانتقال إلى سنوات خلت، توطّدت علاقتي به أكثر فأكثر، من خلال الجلسات التي جمعتني به مع مجموعة كبيرة من اللاعبين الدوليين، أمام محل أبو هاني الربعة في الطريق الجديدة، وفي برج البراجنة عند الأخوة بسام وحسين وعامر فرحات، وفي العشاء الجامع الذي أقامه الكابتن حسين شعيب على شرف نخبة من لاعبي جيله الذهبي، وعلى جنبات الدورات الشعبية الرمضانية في قصقص وبرج البراجنة وملعب بلدية الغبيري.
وذات يوم من شهر آب في العام 2020 ، اتصل بي، قائلاً «أريد ان تقابلني وما في غيرك بدو ياخدلي حقي ويبيّن الحقيقة»! … لبيّته في مكتبه الاختياري في الحمرا، ليخرج من قلبه في تلك الساعة أسراراً حول طريقة انتقال التضامن بيروت إلى الغبيري بقيادة عفيف حمدان… وصولاً إلى اللقاء الأخير في شهر تموز من العام الماضي، خلال الحفل التكريمي الذي أقامه رجل الأعمال علي جواد على شرف رئيس نادي النجمة التاريخي الحاج عمر غندور بحضور كوكبة من النجماويين القدامى، وفي جميع تلك اللقاءات والمحطات كان أبو طالب ـ رحمه الله ـ الخبير في زرع البسمات وإطلاق الآهات من الحناجر، فالرجل في حضرة الأحبّة لا بدّ أن «يسلطن» بالغناء لكوكب الشرق. وعلى سيرة الغناء، أخبرني بأنه في العام 1963 وعندما شارك مع منتخب العرب في عدد من المباريات في مصر، أدّى بشكل ناجح جداً إحدى أغنيات أم كلثوم بحضور كبار قادة الثورة المصرية وحرم الرئيس جمال عبد الناصر، فطلبوا منه المزيد.
في يوم رحيلك، كتبت هذه الكلمات، تعمّدت الابتعاد عن الرثاء وأجواء الحزن واستدرار الدموع، لماذا؟ لأنّك وكما عرفتك دائماً عنواناً للفرح والابتسامات… وفاءً منّي إلى شخصكم الرائع يا رفيق الجميع وصانع الأجيال ومخرّج النجوم… رحمك الله ومنّ على عائلتك بالصبر والسلوان.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى