أولى

معادلات الردع الأحمر

‬ شوقي عواضة

لا يغيب عن الاستراتيجيات الأميركيّة التّصويب على البحار وقيمتها وأهميتها خاصّة أنّ أميركا هي في الأصل دولة بحار بَنَت أمنها الاستراتيجي على أساس أنّها دولة خلف المحيطات وأسّست قوّتها كإمبراطورية على البحار وهي تمتلك أكبر الأساطيل البحريّة تقريباً حيث لديها 11 أسطولاً أميركيّاً تحكم بها الولايات المتحدة بحار العالم.
وعلى مدى أكثر من خمسين عاماً تضع الولايات المتحدة في أولى استراتيجيّاتها البحريّة البحر الأحمر نظراً لأهميّته وموقعيّته. ففي فصول الاستراتيجيّات البحريّة تنصّ الولايات المتحدة والعالم على أنّ من يسيطر على البحر الأحمر يسيطر على خطّ الربط بين المحيطات.
كُسرت هذه الاستراتيجيّة على أيدي أنصار الله والقوّات المسلّحة اليمنيّة باستهداف سفن العدوّ الإسرائيلي، بل هشّمت صورة إحدى أكبر (الدول العظمى) بقوّاتها النّخبويّة وحاملات طائراتها الأميركيّة والبريطانيّة ليثبت اليمنيّون أنّهم أوّل من أذلوا قوى الاستكبار من خلال فرض حصارٍ بحريٍّ على الكيان الصّهيونيّ أثبت لغاية الآن أنّه مؤثّر وكاد أن يكون مؤثّراً أكثر على الكيان لولا دعم بعض أنظمة دول التّطبيع العربي للكيان من خلال فتح ممراتٍ بحريّةٍ وبريّةٍ من الإمارات والأردن ومصر وغيرها ساهمت في التّخفيف من وطأة الحصار على العدو.
لكن الأهمّ من ذلك هو القرار اليمنيّ بحدّ ذاته في مواجهة الغطرسة الأميركيّة البريطانيّة والعدوّ الصّهيونيّ. فبعد عملية طوفان الأقصى كان طوفان باب المندب الذي يقلق الإدارة الأميركيّة ومراكز صنع القرار في العالم الذي لم يكن يتوقّع هذا الحجم من التدخّل اليمنيّ في الدّفاع عن الشّعب الفلسطينيّ في معركة. ووفقاً لدراسة أعدّها باحثون في معهد واشنطن ضمّ كلاً من سايمون هندرسون مدير برنامج برنشتاين لشؤون الخليج وسياسة الطّاقة في معهد واشنطن، ومتخصّص في شؤون الطّاقة والدّول العربيّة المحافظة في الخليج العربي. والدّكتور والمتخصّص في الشؤون العسكريّة والأمنيّة للعراق وإيران ودول الخليج العربي وهو أحد مؤسّسي منصّة «الأضواء الكاشفة للميليشيات»، التي تقدّم تحليلاً متعمّقاً للتّطورات المتعلّقة بالميليشيات المدعومة من إيران في العراق وسورية مايكل نايتس إضافة إلى الباحثة في معهد واشنطن نعوم ريدان. حيث قدّم الباحثون تحليلاً حول التداعيات الإقليميّة والسّياسة الأميركيّة لمواجهة تهديد الحوثيين للشّحن البحري.
فـ وفقاً للدراسة فإنّ الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا تعملان على إبقاء الممرات البحريّة الحيويّة مفتوحة، وتاريخهما الطويل في تسليح حلفائهما في الخليج العربي بمعدات عسكريّة متقدّمة. لم يحقّق ذلك، فـ إحجام الحلفاء في الخليج العربي، ولا سيما المملكة العربية السّعودية والإمارات العربية المتحدة، عن المشاركة بشكلٍ نشط في الجهود العسكريّة ضدّ قوّات الحوثيين ناجم عن اعتبارات جيوسياسيّة واستراتيجيّة معقّدة رغم تأثّرهم بشكلٍ مباشرٍ بالتّهديد الذي يتعرّض له الشّحن البحريّ لم يشاركوا في أيّ نشاطٍ عسكريٍّ في البحر الأحمر حرصاً على مفاوضات السّلام مع الحوثيين، وتجنّباً لتعريض الجهود الدّبلوماسيّة للخطر. وهذا يعني أنّنا أمام تداعياتٍ اقتصاديّةٍ أوسع نطاقاً ستؤثّر على العالم أجمع نتيجة أزمة البحر الأحمر الأمر الذي يبرّر الحاجة إلى استراتيجيّةٍ دوليّةٍ أكثر تنسيقاً وفعاليّة لضمان التدفّق الحرّ للتّجارة العالميّة.
خاصّة أنّ تطوّر حركة الحوثي داخل «محور المقاومة» بدأ يشكّل حركة تحوّلٍ مفصليٍّ بدوره الإقليمي وبعده الدولي وفي قدرته على المواجهة ونقلها من مكانةٍ هامشيّة إلى مكانة مركزية، لا سيّما على مستوى دعم حماس وحركات المقاومة الفلسطينيّة. وبالتنسيق مع قوى محور المقاومة في المنطقة من حزب الله والحشد الشّعبي، تنسيق يؤشّر إلى عولمة الصّراع وفرض معادلاتٍ جديدةٍ وتدفيع المجتمع الدوليّ تكلفة عسكريّة واقتصاديّة باهظة من خلال ما يلي:
1 ـ الإصرار الأميركيّ البريطاني الصّهيوني على استمرار العدوان على غزّة وتبريره لحرب الإبادة على الشّعب الفلسطينيّ تحت عناوين مختلفة.
2 ـ خروج الولايات المتحدة الأميركيّة وبريطانيا لقيادة حرب الدّفاع عن الكيان الصّهيوني في البحر الأحمر بعدما خذلها حلفاؤها في المنطقة وتكبيدها المزيد من الخسائر على أيدي القوّات المسلحة اليمنيّة وأنصار الله وعجزهم عن فتح ممر باب المندب في ظلّ استمرار المواجهات.
3 ـ سقوط الاستراتيجيّة الأميركيّة البريطانيّة أمام هجمات القوّات المسلحة اليمنيّة وعجزها عن تحقيق تقدّم في باب المندب وكذلك سقوط استراتيجيّة الإجرام الذي يمارسه نتنياهو في غزّة بعد خمسة أشهر من المواجهات.
4 ـ عجز العدوّ الصّهيونيّ عن تحقيق أيّ إنجاز منذ خمسة أشهر في عدوانه غزّة في ظلّ استمرار المقاومة بإطلاق صواريخها على المستوطنات الصّهيونية ومواجهة العدوّ في غزّة.
5 ـ فشل العدوّ وتخبّطه على الجبهة الشماليّة لفلسطين المحتلّة من حلّ قضية الشّمال وتأمين عودة المستوطنين النازحين جراء ضربات حزب الله في لبنان.
وهذا يعني أنّ اليد العليا للمقاومة ومحورها من اليمن إلى فلسطين وأنّه لا يزال قادراً على فرض معادلاته التي تخطّت الكيان الصهيوني وقد تصل إلى واشنطن وبريطانيا وأوروبا وإلى كلّ من سيخوض حرب الدفاع عن العدوّ الصّهيوني على المستوى العسكريّ والاقتصاديّ والسياسيّ. وكما كشفت عملية طوفان الأقصى هشاشة كيان العدو ستكشف مواجهات البحر الأحمر وهن الشّيطان الأميركي والبريطاني الذي بات نمراً من ورق. فاليمن الذي خرج منتصراً على أعتى عدوان كوني وخرج منتصراً بعد عدوان لتسع سنوات لن ترهبه حاملات الطائرات وما عليها ويدرك الأميركي والبريطاني ذلك جيّداً ولا بدّ أنّ واشنطن لا تزال تحفظ في ذاكرتها صور جنود النّخبة من قوّات المارينز في لبنان الذي أتوا عموديّاً وذهبوا أفقيّاً وهو المصير الذي لا يزال ينتظرهم أينما وجدوا…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى