مانشيت

المسافات بين الطروحات سبب تعثر المسار التفاوضي رغم محاولات الوسطاء/ نيويورك تايمز: أنفاق حماس سليمة و5000 من مقاتليها في شمال قطاع غزة/ أسامة حمدان: كسر الحصارعن غزة ووقف البضائع عن الكيان مسؤولية عربية

‬ كتب المحرّر السياسيّ

تقول المعلومات الواردة من باريس، حيث بدأت المفاوضات الهادفة للتوصل الى الاتفاق على صيغة هدنة قابلة للتمدد نحو وقف نهائي للحرب يتم خلالها تبادل الأسرى، إن المسافات بين الطروحات المتقابلة فلسطينياً وإسرائيلياً لا تزال أبعد من فتح الطريق نحو التفاؤل بقرب التوصل إلى اتفاق، ولا يزال الموقف الإسرائيلي سلبياً تجاه أي صيغة تتضمن انسحاب قواته من قطاع غزة والتسليم بتثبيت وقف الحرب؛ وبالتوازي لا تزال العروض الإسرائيلية حول عدد ولوائح الأسرى الفلسطينيين المقترح للتبادل بعيدة جداً عن الحد الأدنى القابل للتفاوض فلسطينياً، بينما تقول قيادة المقاومة للوسطاء إنها مستعدة لمزيد من رسائل الميدان التي تؤكد فشل الحرب التي يعتقد الإسرائيلي أنها بديل التفاوض لحل ملف الأسرى.
على الصعيد العسكري، تستمر المواجهة في غزة في تأكيد قدرات المقاومة ومستوى حضورها الميداني على مساحة قطاع غزة، شمالاً ووسطاً وجنوباً، ونقلت أمس صحيفة «نيويورك تايمز» عن مسؤولين أميركيين، أن «أغلبية شبكة أنفاق حماس لا تزال سليمة»، وأن «إسرائيل لن تكون قادرة على تحقيق هدفها المتمثل في القضاء على القدرة العسكرية لحماس»، مؤكدين أن «ما لا يقل عن 5000 مقاتل لحماس لا يزال في شمال قطاع غزة».
حركة حماس بلسان القيادي أسامة حمدان اعتبرت «أن حكومة نتنياهو ترى في إطالة زمن الحرب هدفاً أساسياً للهروب من استحقاقات مرحلة ما بعد العدوان على قطاع غزة»، مضيفاً أن «الحركة تعاملت بروح إيجابية مع مقترحات ومبادرات الوسطاء، وانطلقت في مواقفها من أولوياتها الواضحة في وقف العدوان على أبناء قطاع غزة وإنهاء معاناتهم الإنسانية»، مطالباً الدول العربية والإسلامية «بالتحرك العاجل لكسر الحصار على غزة»، داعياً الدول التي تمرّ فيها «شاحنات تجارية إلى «إسرائيل» إلى وقفها».

وبقي التصعيد سيد الموقف على الجبهة الجنوبية مع تراجع وتيرة العمليات العسكرية، فيما تتجه الأنظار الى ما ستفضي إليه مفاوضات باريس بين حكومة الاحتلال والمقاومة الفلسطينية عبر القطريين والفرنسيين والأميركيين في ظل تأكيد مصادر دبلوماسية لـ»البناء» بأن «المفاوضات في باريس تسير بشكل جدّي باتجاه تذليل العقد للتوصل الى لوقف مؤقت للأعمال الحربية»، كاشفة أن مدير المخابرات الأميركية وليم بيرنز كان في باريس منذ أيام وعاد اليها أمس الأول للمشاركة في اجتماعات الوفود التفاوضية في باريس ما يدل على تطورات ما حصلت منحت المفاوضات زخماً أكبر. مرجحة التوصل لاتفاق على مراحل منفصلة عن بعضها يبدأ بهدنة تدخل حيز التنفيذ قبل شهر رمضان وتبادل دفعة جديدة من الأسرى تمتد لـ45 يوماً مع فصل المراحل. وكان مجلس الحرب بعد اجتماعه أمس الأول، منح التفويض للوفد الأمني التفاوضي الإسرائيلي للسير بالتفاوض في باريس للتوصل الى اتفاق.
وأشارت مصادر مطلعة لـ»البناء» الى أن محور التفاوض الذي يحصل بين القاهرة وباريس يتركز على نقطتين أساسيتين: الأولى معادلة الأسرى، إذ ترفض «إسرائيل» تصفير السجون الإسرائيلية من الفلسطينيين لا سيما قيادات المقاومة السابقين المحكومين لعشرات السنوات، ما يمنح المقاومة وحركة حماس تحديداً انتصاراً مدوياً لا تتحمله «إسرائيل» لأنه سيترك تداعيات كبيرة ليس فقط على إعادة حركة حماس أقوى الى المعادلة في غزة بل لها تداعيات على الضفة الغربية وكل فلسطين. والثانية، وقف إطلاق للنار، إذ ترفض «إسرائيل» وقف إطلاق النار من دون تحقيق انتصارات ميدانية تغير في المعادلة التفاوضية والسياسية القائمة، وبالتالي لا يمكنها فرض تنازلات على المقاومة الفلسطينية. وتوقعت المصادر أن تستفيد «إسرائيل» من الوقت المتبقي للتوصل الى اتفاق في باريس بجولة جديدة من العمليات العسكرية الواسعة في غزة وجنوب لبنان لإفراغ بنك أهدافها العسكري والأمني ولتحسين أوراق التفاوض في المفاوضات لدفع المقاومة الفلسطينية لتقديم تنازلات وخفض شروطها.
وكان العدو الإسرائيلي، واصل عدوانه على الجنوب، وأغار على مركز للدفاع المدني في بلدة بليدا، ما أدى إلى استشهاد 4 عناصر من الهيئة الصحية الإسلامية، ونعت المديرية العامة للدفاع المدني – الهيئة الصحية الشهيدين المسعفين حسين محمد خليل «حسين» مواليد العام 1997 من بلدة برعشيت ومحمد يعقوب اسماعيل «أبو يعقوب» مواليد العام 1994 من بلدة بليدا، فيما نعى حزب الله محمد حسن طرّاف «أحمد» مواليد عام 1986 من بليدا.
وشهدت المنطقة الحدودية سلسلة اعتداءات بدأت باستهداف بلدة الوزاني برشقات رشاشة غزيرة وعدد من قذائف المدفعية ما أدّى الى إصابة عسكري في الجيش اللبناني، وحصول أضرار بالمنازل ومزارع الماشية. كذلك تعرّضت أطراف بلدة يارون لقصف مدفعي. وأفيد عن انفجار صاروخ اعتراضي إسرائيلي في أجواء بلدة ميس الجبل. وطال القصف المدفعي الإسرائيلي أطراف مزرعة حلتا وأحراج كفرشوبا وكفرحمام. وشنّ الطيران الحربي الإسرائيلي سلسلة غارات بالصواريخ الثقيلة على جبل اللبونة، أطراف بلدة الناقورة الساحلية، وعلى بلدة كفركلا.
وفيما كانت صافرات الإنذار الإسرائيلية تدوي من مستعمرة يفتاح إلى مستعمرة المطلة وسط سماع انفجارات للصواريخ الاعتراضية في أجواء الحدود في القطاع الشرقي من جنوب لبنان تحدث إعلام العدو عن انفجار وقع في كريات شمونة ناجم عن سقوط صاروخ أو طائرة مسيّرة بينما سجّل تحليق مروحيات العدو في أجواء المستعمرات الشمالية المقابلة لبلدتي بليدا وعيترون وصولاً إلى أجواء كريات شمونة.
وفي ظل العجز الإسرائيلي عن تغير الواقع الحدودي بالقوة العسكرية، لجأ الى مجلس الأمن الدولي في محاولة لرمي الكرة في ملعبه و»تبرئة ذمته» مما يقوم به من اعتداءات على لبنان، إذ أبلغ وزير خارجية العدو يسرائيل كاتس رئاسة مجلس الأمن الدولي زاعماً بأنّ بلاده سوف «تفرض الأمن على حدودها الشمالية عسكريًّا، في حال لم تطبّق الحكومة اللبنانية القرار 1701 وتمنع الهجومات من حدودها على «إسرائيل»». ووجّه كاتس رسالة غير مسبوقة بتفاصيلها ومعطياتها الى مجلس الأمن، بحيث بدت إحاطة رسمية لإمكان شنّ حرب واسعة على لبنان. وطالب في الرسالة بوجوب أن يدعو مجلس الأمن الحكومة اللبنانية إلى التنفيذ الكامل لقراراته، وتحمّل المسؤولية ومنع الهجمات من أراضيها ضد «إسرائيل» والتأكد من أن المنطقة حتى نهر الليطاني ستكون خالية من الوجود العسكري أو الأصول أو الأسلحة».
وقرأت أوساط معنية لـ»البناء» هذه الرسالة بأنها استنجاد بمجلس الأمن الدولي وحثه على ممارسة المزيد من الضغوط على الحكومة اللبنانية لدفع حزب الله لوقف عملياته العسكرية أو تخفيفها الى الحد الأدنى للسماح للحكومة الإسرائيلية باستعادة المستوطنين المهجرين. ولا ترى المصادر بأن هذه الرسالة تمهيد لشن عدوان على لبنان، لأن العدو عندما يقرّر شن عدوان ويتأكد من قدرته على تحقيق انتصار فيه، لا يعي أي أهمية لمجلس الأمن ولا للأمم المتحدة وللقرارات والقوانين الدولية.
وأشار خبراء عسكريون لـ»البناء» الى أن «الاستهداف الإسرائيلي للمنازل والمدنيين والبنى التحتية الاقتصادية يعكس فشلاً استخباراياً إسرائيلياً ذريعاً، لأنه لا يملك بنك أهداف عسكرياً للمقاومة باستثناء اغتيال بعض الكوادر الأمنية والعسكرية في الحزب، لكنه يجهل كل قواعد ومنصات الصواريخ ومراكز القيادة والتحكم للمقاومة وشبكة تصنيع ونقل السلاح، في المقابل أثبت حزب الله أنه يملك بنك أهداف كبيراً للمراكز والقواعد العسكرية والاستخبارية الحيوية». ولاحظ الخبراء أنه «وعلى الرغم من تصعيد العمليات العسكرية الإسرائيلية إلا أن «إسرائيل» لا تريد أن تكون البادئة في الحرب ولذلك تحاول تصعيد ضرباتها ضد المدنيين لاستفزاز حزب الله ليكون هو البادئ بالحرب لتكون ذريعة لتوسيع العدوان على لبنان، لكن الحزب لن يقع بالفخ الإسرائيلي ويمنح حكومة نتنياهو ذريعة ومشروعية للعدوان على لبنان».
لكن مصادر مطلعة على موقف المقاومة أوضحت لـ»البناء» الى أن «الحزب لا يريد الحرب ويعمل على إبعاد شبحها قدر الإمكان أو إبقائها عند هذا الحد ولجم العدو عن التمادي في عدوانه على المدنيين ومنعه من كسر معادلة الردع التي فرضتها المقاومة طيلة أشهر الحرب وفرض قواعد اشتباك جديدة، لكن بحال وسع العدو عدوانه فإن للمقاومة كلاماً آخر وستكون الصواريخ والمفاجآت هي الفيصل بيننا وبين العدو، وسيدفع ثمناً باهظاً أكبر بكثير من الذي يدفعه في الحرب مع غزة أو الذي دفعه في حرب تموز 2006». وذكّرت المصادر العدو بنتائج حرب تموز وبالمفاجآت التي كشفت النقاب عنها المقاومة في الأيام الأخيرة للحرب والتي قلبت الموازين ودفعت الوسطاء للتواصل مع الرئيس نبيه بري المفاوض عن المقاومة آنذاك للطلب بوقف الحرب التي انتهت بتشكيل لجنة تحقيق إسرائيلية (فينو غراد) في أسباب الهزيمة الإسرائيلية.
وأكّد عضو كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب علي فياض خلال تشييع «حزب الله» عنصره هشام حسين عبد الله في مدينة الخيام «أننا لا ننكر لهذا العدو قدرته على التوحّش والقتل والتدمير، ولكن لا يفكّرن لحظة أنه بإمكانه أن يكسر إرادة المقاومة، أو أن يدفع أهلنا للتراجع عن خيارهم باحتضان المقاومة والثبات على خطها». وتوجّه فياض للعدو الإسرائيلي، بالقول: «ماضون في المواجهة معك، والهدف هو ردعك، وحماية الأهل والقرى، وصون سيادة هذا الوطن وعزته وحريته واستقلاله، وبإذنه تعالى، كما انتصرنا عليك في كل المواجهات السابقة، سننتصر في هذه المواجهة أيضاً، ونحن واثقون بوعد الله تعالى بالنصر».
إلى ذلك، لفتت مصادر إعلامية أن اجتماع القمة الذي سيعقد في فرنسا في 27 الحالي بين الرئيس الفرنسي وأمير قطر بمشاركة قادة جيشي البلدين، ستبحث في كيفية تطبيق القرار 1701 وسبل دعم ومساعدة الجيش اللبناني وحاجاته الضرورية، وقد اطلع عليها وفد الكونغرس الأميركي الذي زار بيروت أخيراً، ليتم عرضها لاحقاً في مؤتمر روما المفترض عقده مطلع شهر آذار المقبل».
على صعيد آخر، أرجأ رئيس الحكومة نجيب ميقاتي جلسة مجلس الوزراء أمس، والتي كانت مخصصة للبحث في «مشروع قانون معالجة أوضاع المصارف وإعادة تنظيمها». وقال في كلمة متلفزة مباشرة من السراي: «كنا قد توصلنا مع كل الأطراف من العسكريين في الخدمة والقطاع العام وجزء كبير من المتقاعدين الى حل مقبول من الجميع، ولكن ولسوء الخظ فوجئنا اليوم بالسلبية في الشارع وبالأعمال الشعبوية. وحفاظاً مني على تفادي أي تصادم مع أحد، وكي لا نزيد في الطين بلة، ولتفادي أي مشكلة إضافية، لكل هذه الاعتبارات، أبلغت السادة الوزراء عن تأجيل انعقاد الجلسة، وسأقوم بالدعوة الى عقد الجلسة الأسبوع المقبل، وهي ستكون مهمة».
وأضاف: «إذا لم يحصل النقاش في مجلس الوزراء فأين يحصل؟ هل يحصل النقاش في الشارع؟». وتابع ميقاتي: «نحن سنعقد جلسة لمجلس الوزراء وسنتخذ القرارات اللازمة مع الأخذ بعين الاعتبار بأننا محكومون بأمرين، الأول: الموازنة التي لا نستطيع أن نتجاوز الاعتمادات المرصودة فيها لتحسين الرواتب، والثاني، وبنتيجة اتصالاتنا ونقاشاتنا مع مصرف لبنان، فإننا محكومون بسقف معين من الإنفاق، وأي إنفاق قد يتجاوز هذا السقف قد يؤدي إلى تضخم إضافي، وبذلك يكون ما اعطيناه بيد قد اخذناه باليد أخرى. ليس وارداً لدينا أبداً ان نزيد الإنفاق فوق السقف الذي حدده مصرف لبنان بالاتفاق معنا، وبقناعتنا التامة. من هنا أناشد الجميع التحلي بالإيجابية، خصوصاً أن الحوافز التي كانت ستعطى كانت كما طلبوا، وهي مغرية وكبيرة للرتب الدنيا للمتقاعدين وترضي كل الفئات».

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى