مقالات وآراء

انتصار غالاواي… مؤشر لتغيير في المزاج العالمي

‭}‬ ديب حجازي*

بعد احتلال العراق في نيسان 2003، وفي جو الاحتفال بالذكرى الخمسين لثورة 23 يوليو الناصرية في مصر، حرصنا في تجمع اللجان والروابط الشعبية ان نقيم مهرجاناً خطابياً كبيراً في قاعة جمال عبد الناصر في جامعة بيروت العربية، وبجهد نبيل من أستاذنا الكبير الراحل الدكتور محمد المجذوب، وكان الشعار يومها “ثورة 23 يوليو تتجدد اليوم بالمقاومة الفلسطينية والعراقية واللبنانية”، وحرصنا أن يكون أحد الخطباء آنذاك النائب البريطاني جورج غالاواي الذي كان يتعرّض ككثير من الشرفاء في الأمة والعالم، لحملات تشويه وشيطنة في بلاده أدّت الى ان يعلن مجرم الحرب آنذاك طوني بلير فصله من حزب العمال بسبب مواقفه المنددّة بالحرب على العراق .
كان اختيارنا لـ غالاواي خطيباً نابعاً من رغبتنا ان يدرك حجم التقدير والاعتزاز به الذي يحمله أبناء أمتنا العربية، وان معركتنا مع المشروع الأميركي – الصهيوني لم تنته بعد احتلال العراق وأننا ندرك، كما يدرك هو، ان احتلال العراق مقدمة لحروب واحتلالات تشمل الإقليم كله، من لبنان الى سورية الى ليبيا الى اليمن ودائماً فلسطين.
لم يخف جورج غالاواي في جلساته الخاصة اكتئابه من حال الامة بأسرها، بل العالم كله، لا سيّما أننا نعيش في ظل تحولات ضخمة في العلاقات الدولية تؤدي لهيمنة أميركية شبه كاملة على العالم كله، لا سيّما بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، وانكفاء الصين، وتحسب العديد من دول المنطقة …
في ذلك المهرجان الذي تحدث فيه أيضاً منسق عام التجمع الأستاذ معن بشور، ورئيس المنتدى القومي العربي الدكتور الراحل محمد المجذوب، وممثل المقاومة الفلسطينية، والوزير بشارة مرهج، كان لجورج غالاواي كلمة أكد فيها استمراره في النضال من أجل القضايا العادلة وفي مقدمها القضية العربية وعنوانها فلسطين. وكان يردّد دائماً ان علاقته بتجمع اللجان لم تكن يوماً علاقة عادية بل علاقة متينة تشاورية في كل المواقف الهامة المرتبطة بقضايا أمتنا، وكان يقول “إذا أخطأت فأنا المسؤول واذا أصبت فالفضل لإخواني وفي مقدمتهم الصديق العزيز معن بشور”.
بهذا الصدق والتواضع والإيمان العميق بقضية الأمة العربية والإسلامية بقيت علاقتنا بجورج غالاواي، البرلماني والكاتب والإعلامي والمناضل، واشتركنا معاً في العديد من المبادرات من اجل كسر الحصار على غزة (شريان الحياة)، ومناهضة حرب تموز في لبنان حين قال غالاواي لمسؤول لبناني كبير كان يشتكي من مغامرة حزب الله: “عرفت رؤساء كثيرين يجعلون من هزائمهم انتصارات لكنني لم أتوقع من أحدهم ان يجعل من انتصار بلده هزيمة.”
وفي الحرب الكونية التي شهدتها سورية كان لـ غالاواي موقف متميّز حين ميّز بين المطالب المشروعة للشعب السوري وبين الأجندات المشبوهة التي تسعى الى تدمير سورية، والتي دعا الى مقاومتها بكل قوة وهي نظرة يتأكد اليوم للكثيرين صحتها وسلامة ذلك الموقف.
اليوم وبعد انتصار غالاواي الانتخابي في دائرة روتشديل البريطانية والذي رأى فيه انتصاراً لغزة، التي كانت محنتها عنوان لحملته الانتخابية ورأى العالم كله في هذا الانتصار مؤشراً على تبدّل في المزاج العالمي تجاه قضية فلسطين، يواجه جورج غالاواي حرباً جديدة تثأر من انتصاره الساحق، ونقول له كما انك لم تتركنا بعد احتلال العراق فإنّ أبناء الأمة العربية والإسلامية لن يتركوك وحيداً في هذه المعركة.
التحية للثابتين على مبادئهم، التحية لأحرار العالم.

*المسؤول الإعلامي في تجمع اللجان والروابط الشعبية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى